نظرة عامة
الكتاب يمثل حالة رصد لظاهرة مجتمعية تم رصدها على عدة أصعدة, منها السياسي والإجتماعي, والديني, وبشرائح متعددة, تتسم هذه الظاهر بصعود حالة من المبالغة المجتمعية لقيمة المشاعر والأحاسيس وما يترتب على ذلك من حالة عبودية لكل ما هو مؤثر, والإنتقال لمرحلة تتسم بالبحث عن كل ما هو مثير وقابل لجعل الأفراد أكثر إثارة, ويضرب أمثلة لهذه الحالات من الشعائر الدينية التي تتسم بالبحث عن حالة النشوة الروحية, والعلاقات العاطفية التي يبحث فيها كلا الطرفين عن المتعة المحفّزة للقيمة العاطفية والجنسية, أيضا أثر ذلك على الإعلام ورصده لكل ما يؤثر في الأفراد للعب على ما يجذب المشاهد وجعله يرتبط أكثر بما يقدمه, مرورا بأثر ذلك على المناخ السياسي والذي قد يلعب فيه السياسي دور الشخص صاحب المشاعر المرهفة لكون المجتمع قابل للتأثر بكل ما هو حساس.
يبحث أيضا في أثر ذلك على دورات العلاج النفسي وتغييرها لسبل العلاج وأثر ذلك على تمركز الإنسان حول نفسه, والإنتقال من صورة الإنسان العقلي للإنسان العاطفي والذي يرى الحياة كمصنع يعمل على استثارته بكل ما هو ممكن.
نظرة تفصيلية
يحتوي الكتاب على ثلاث أجزاء رئيسية ( عودة المشاعر , المشاعر المحرّفة , الإستعمال الصحيح للمشاعر ) والتي ترسم بدورها خطة الكاتب في رسم تصور لظهور المشاعر في المجتمع والتعامل الخاطئ معها ويطرح فكرة أن ظهورها كان له أثر سلبي وكنز إيجابي كردة الفعل للتفكير العقلاني المجرد وفي النهاية يرسم تصور من وجهة نظره للإستعمال الصحيح لهذه الحالة والآثار الإيجابية لو أحسن الناس استعمالها.
الجزء الأول احتوى على ستة فصول
كل مشاعر العالم.أصبحت الإعلانات تمارس أسلوب اللعب على وتر المشاعر لكون هذا الأمر أصبح مؤثرا في المشاهد, وقد تم ضرب أمثلة لشركات قامت بذلك أمثال كوكاكولا وشركات خيول, وهذا وإن دل على شيء فإنه يدل في المقام الأول على أن هناك عودة للمشاعر في طريقها للتحقق وأيضا أن الأشخاص في حالة عطش للمشاعر.يتطرق أيضا المؤلف إلى خدمة الرياضات المختلفة في اشعال نار المشاعر والبحث عن كل ما هو قد يؤثر في النفس, والحديث هنا عن رياضات تجعل الإنسان في حالة نشوة عالية مثل ( التزلج على الجليد, وركوب الأمواج, ركوب المنطاد والسير بسرعة عالية ) وما إلى ذلك من أنواع الرياضات التي تضفي على الإنسان حالة من العزلة الشعورية.ولأجل ذلك أصبح المجتمع في حالة مبالغة إتجاه القيمية الشعورية وأضحت حالة التحفز اتجاه كل ما هو مؤثر وعاطفي هي السمة الأظهر في هذه الحقبة, وهذا يجعل المجتمع في حالة بحث عن كل ما هو مؤثر وعاطفي ليشعر أنه في حالة يقظة. تطرق أيضا الحديث في الكتاب حول أثر المشاعر في التأثير على الأفراد من قِبَل الساسة وجعلهم يلعبون على وتر المشاعر في التأثير على الناس أو جعل الناس يتعاطفون معهم لأهداف متعددة ولكون المشاعر تستطيع أن تكون عامل يتجمع عليه الناس إذا أصبحت الدولة خالية من المعاني التي تجعل المواطنة أمرا ممكنا. " في غياب مشاريع كبرى بناءة، ترغب الجماهير في أن يشاركها مسؤولها أفراحها وأحزانها.المفارقة هي أن قوة الزعيم المعاصر تكمن في قدرته على إظهار هشاشة وأحاسيس كلها إنسانية.الحكام عليهم أن يبرهنوا على قدراتهم الشعورية. "
- المشاعر, اختيار في غياب ما هو أفضل.
يتساءل البعض ما هي أسباب الرجوع للمشاعر؟ يمكن الدندنة حول بضعة أسباب, منها ما يكمن في عملية التعويض, فالمشاعر تشغل الفراغ الذي سببه الأمل.
" في إطار انهيار الأيدولوجيات وضبابية الرؤى المستقبلية, اللجوء للحياة العاطفية يعد علاجا للإرتباك. لم يعد هناك مشروع ضخم بإمكانه أن يحركنا. طاقتنا محرومة من متنفس لها في الوسط السياسي. وبما أنه يتعذر عليها الإنتشار في الخارج, فإنها تتركز في المحيط الداخلي, وتتخمر, ونتيجة هذا التخمر هي المشاعر. "
" فبسبب اليأس في القيام بعمل سياسي ضخم, يكتفي الكثير من الناس بالمشاركة في الحياة العامة على الطريقة العاطفية للتنديد السياسي المحض العادي. المشاعر هي وسيلتهم في النضال. " - " الأموسنتيانس " هو النموذج المثالي لعصرنا.
في هذا الفصل يظهر مصطلح ( الأموسنتيانس = يقصد به الإنسان الشعوري ) وعلى العكس منه ( الأموسابيانس = الإنسان الطبيعي ) ويريد بهذين الرمزين الإشارة إلى كون الإنسان الشعوري أو الحساس هو النموذج المثالي لعصرنا وله عدة مميزات, منها كونه لا يخاف مواجهة مشاعره و يحرص على الإلتزام بالذاتية, يحرر مشاعره, يقدسها, ويعترف بقيمة الجسد في هذه المعادلة لإيمانه بمقولة " القلب السليم في الجسم السليم ". - حرروا مشاعركم.
" إن عبادة المشاعر هي التعبير الأقصى عن الفردانية, وتمثل قمة تقديس الأنا. " - الصورة الجديدة للإنسان.الكاتدرائيات الشعورية.
موضوع هذا الفصل هو دراسة الدور التواصلي والجماعي للمشاعر, سوف نرى كيف تسهم المشاعر في الإهتمام بالآخر لكن بنظرة مختلفة للإهتمام, إنها عامل انفتاح للعلاقات بين الأشخاص بالإضافة للإنفتاح الفردي. ويقصد بالكاتدرائية رمز للتجمع في مكان واحد, حيث أن الكاتدرائية هي مكان للتجمع حسب معتقدات بعض الطوائف المسيحية.
" هذه الكاتدرائيات العاطفية لا تُلزمنا الإرتباط بها, نحن ندخلها ونخرج منها حسب رغبتنا, إنها تجسد الحلم برابط اجتماعي خال من الواجبات ومن العقاب, وتمكن من السمو بالفردية مع الحفاظ على كل ما هو فردي. نحن حاليا نريد أن نتواجد في هذه الكاتدرائيات سريعة الزوال. "
نظرة سريعة
في الجزء الثاني والثالث, واللذان يحتويان على ستة فصول بمعدل ثلاثة فصول لكل جزء.
يقوم المؤلف في الجزء الثاني برصد حالة التشوه في المشاعر من حيث مصطلح ( شره الأحاسيس القوية ) والذي ينتج عنه الإفراط في الحب والعزلة للبحث عن كل ما هو مؤثر وغير عادي والزهد في ما هو طبيعي, والتعرض للمؤثرات البصرية ( الأفلام بكل أنواع العرض المتنوعة والإعلانات التي تجذبنا كمستهدفين ) والسمعية التي تجعل الإنسان في حالة استثارة مستمرة مثل حفلات ال Trance الجماعية ومثال السفر المستمر للبحث عن المتعة بهدف المتعة, وأخيرا يطرح فكرة الإثارة المنحرفة والتي تحدث عن طريق الأفلام وما يحدث فيها من مشاهد الهدف الأساسي منها هي إثارة المشاهد ( رعب, أكشن , جنس ) كوننا نمثل رهائن عاطفيين ويتم التلاعب بالمشاهد حتى يصل لأفضل شعور ممكن.
أما في الفصل الثالث والذي يحاول فيه رصد طرق للعلاج واستعمال المشاعر بطريقة صحيحة, والتي يدندن فيها حول أهمية الإهتمام بأن تعيش اللحظة في كل أمر من أمور الحياة, ولا تبحث عن تجاوزها أملا في الوصول لما هو أفضل. " الأشياء تخاطبنا إذا منحناها وقتا للإنصات. "
خاتمة
الكتاب يحمل فكرة جيدة ومميزة, يمكنك أن ترى الأشياء بشكل مختلف عن ما كانت, الفصول تمر بحالات متنوعة من المد والجزر في المحتوى والفائدة, الرؤية التي تحيط بالكاتب مؤثرة في نظرته للأشياء, وما لفت انتباهي هو أن الواقع الإنساني متشابك ومتشابه.
الكتاب يقع في 181 صفحة والترجمة نوعا ما جيدة وكنت أتمنى لو كانت شعلة بداية قراءتي للكتاب استمرت حتى النهاية.