Image title

أضع هنا نص مقدمة روايتي (بين الانقاض!؟) التي أرسلتها لعدة دور نشر في البلدان العربية وهنا في لندن في انتظار الموافقة على نشرها

مقدمة المؤلف

••••••••••••••



هذا العمل الأدبي كان بالأساسِ عبارة عن (مغامرةٍ وتجربة أدبية) من كاتب مُغامر ومغْمُور ملَّ من الكتابة السياسية أشد الملل ذات مساء، فأراد الفرار – بعقله وقلبه – إلى حدائق الأدب المُزْهِرة مُحاولًا تحقيق رغبته القديمة باستكشافِ طبيعة وأسرار الأعمال الأدبية وتحديدًا في مجال تأليف القصص والروايات واختلاق الشخصيات الخيالية والحكايات الشعبية، ولكنه – وهو في غمرة خوض هذه المغامرة الاستكشافية – وجد أن هذه التجربة الأدبية قد بدأت تنزلق من بين أصابعه كالزئبق وأخذت تتطوّر بطريقة ذاتية (دراماتيكية) حتى تحوّلت بالنتيجة إلى قصة!، قصة تجري أحداثها – خارج نطاق السيطرة - تحت تأثير ما يُمكن تسميته بعملية (التّداعي الحر للأفكار والخيال!)، ثم، ولأنه هو المشاهد و(الرّائي) الوحيد لتلك القصةِ التي حدثتْ هناك على شاشةِ مخيلته، فمن الطبيعي أن يكون هو الشاهد و(الراوي) الوحيد لأحداثها على مسامع جمهورِ القرّاء!، وهكذا تحولتْ هذه القصة إلى رواية!، روايتي أنا لتلك القصة.. هذه القصة التي بدأتها دون أن تكون ثمة (حَبْكة) مُعيّنة أو بداية أو نهاية مُحددة في ذهني سَلفًا!، صدقوني!، لم يكن ثمة شيء في تلك اللحظة غير تلك الرغبة (الفضولية) في التعرّفِ عن كثبٍ - ومن باب التجريب - على أسرار صناعة الأدب، فضلًا عن تلك الرغبة (الطفولية) القديمة المُتشوِّفة لاختلاق قصص خيالية تشبع غريزتي الإنسانية في أن أكون صانعًا ومُبدعًا للأشياء المادية أو المعنوية!، ولهذا – حينما قررتُ بدء هذه التجربة – فإن كل ما فعلته هو أنني الْتفَتُ إلى تلك الشخصيات الخيالية التي كنتُ قد اختلقتها منذ زمن بعيد في مخيلتي دون أن يُسفعني الوقت والإلهام لاختلاق (حكاية) لها تجعل لوجودها معنى، تلك الشخصيات القصصية المسكينة التي ظلت حبيسة (القبو؟)، هناك، بتلافيف مخي، تعيش في ظلام دامس، مُهْملةً عاطلةً عن العمل كل العقود الماضية، ألتفتُ اليها على عجلٍ – يوم مللتُ من السياسة - والْتقطتُ بيدي أول شخصية قابلتني هناك على قارعة الطريق في أعماقي، فحملتها ثم ألقيتها بين الأنقاض في وسط مدينة رمادية تعرضتْ لكارثة مُروعة ما!، مدينة مُهشمة شاهدتها في طفولتي ذات ليلة في كابوس رهيب!، كابوس مرعب كانت العمائر والمعابد والمدارس والمستشفيات فيه تتهاوى بينما الناس وأنا من بينهم يفرون مرعوبين بدون هدى!.. أخذت تلك (الشخصية القصصية) المختلقة في ذهني وألقيتها هناك وسط تلك المدينة المحطمة ثم تركتُ العنان للأفكار والأخيلة لتتداعي على سجيتها بشكلٍ تلقائي حر، لتصنع أحداث هذه القصة القادمة من المجهول!، كما لو أنني – بهذه الطريقة - تركتُ الحبل على الغارب للعقل الباطن (اللاواعي) كي يعمل بشيءٍ من الانسياب والارتجالية بطريقةِ التداعي الحر أي بطريقةِ (دعه يعمل، دعه يمر!) بعيدًا عن عين ومقص الرقيب، على أمل أن تقوم تلك (العفوية) و(التلقائية الطبيعية) للأشياء بتسيير وترتيب الأمور بشكل ناجح وجميل - وهو ما لم يحصل قطعًا في تقديري – فالقصة انزلقت مني في منعطفات كثيرة حتى تزحلقت نحو منحدرات خطيرة!، لذا اضطررتُ في نهاية (التجربة) إلى التدخل بنفسي وعقلي الواعي كمحاولة أخيرة – في الوقت بدل الضائع – لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه القصة!.. هذه القصة التي شَاهدتُ أحداثها بذهني وعايشتُها بنفسي من الأعماق، لحظةً بلحظةٍ، وهي تدور على مسرح مخيلتي حيث جمح بي الخيال وتشعّب بطريقة الارتجال وأخذني في مسارات لم تخطر لي على بال قط يوم بدأتُ أخط الصفحات الأولى لهذه القصة!، كما لو أنني كنتُ أشدُّ خيطًا طويلًا أولهُ عندي هنا، وبقيته هناك في بطن مغارة عميقة ومجهولة!، كلما جذبتُ الخيط ناحيتي خرجتْ لي من تلك المغارة اشياء وكائنات عِجاب لما تكن تخطر لي على بال!، وهكذا – وبهذه الطريقة - نشأتْ وتطورت هذه الحكاية حتى صارتْ مشروع رواية!، روايتي لتلك القصة التي حدثت بالفعل على منصة الخيال منذ عام 2003 باعتباري المُشاهد والشاهد الوحيد الذي حضرها وتابعها بكل فصولها وهي تتوالى من على مسرح مخيلته منذ البداية حتى النهاية!، هذه القصة التي دارت أحداثها في عالم الخيال بمدينةٍ منكوبة دهسها ذات صباح قطار الجنون!، إلا أنني، وللأمانة، لم أروها كما شاهدتها بنفسي ولا من زاوية رصدي لها وانطباعاتي عنها إنما اكتفيتُ هنا بدور (الناقل) لا أكثر ولا أقل!، الناقل والناسخ لتلك (اليوميات) التي كان بطل هذه القصة يثابرُ على تدوينها في دفتره الخاص بحرصٍ شديدٍ بعد أن أكتشفَ أن ذاكرته تعاني من خَطبٍ ما(؟) بسبب تداعيات تلك الطامةِ التي حلتْ بمدينته، حيث ظلتْ هذه الذاكرة المُهشمة والمشوشة تخذله مرارًا وتكرارًا، وتتركه وحيدًا على قارعة الطريق بلا معلومات ولا ذكريات!، بلا هوية وبيان وبدون بيت وعنوان!، بل وظلت تتلاعب به بشكلٍ مُؤسفٍ ومُخيف وتخونه بشكل مُخجل يندى له الجبين!، لهذا قرر أن يجعل من دفتر يومياته سِجلًا خارجيًا يدويًا لتدوين وحفظ وترتيب ذكرياته المبعثرة، أي ليكون دفتره بمثابة (مُفكِّرة ورقية) تدعم حافظته الذهنية المثقوبة وذاكرته الشخصية شبه المعطوبة!، حيث كنتُ في أثناء ذلك كله، أي في خضم كل هذه التجربة – ومن على مكتبي في غرفة الانتباه والمراقبة في دماغي - ومن حيث لا يدري بطل قصتي – استنسخ في دفتري هنا كل ما يدونه هناك في دفتر يومياته ذاك، لأصنع من كل ما يكتبه رواية!، روايتي لقصة ومعاناة صاحب اليوميات!.. ولن أطيل عليكم في تقديم هذا العمل الأدبي (التجريبي) الذي تولدتْ عنه كل هذه القصة، بل دعوني أترككم مع فصول قصة بطل روايتي (المسكين) وهو يخوض تجربته الفردية (الوجودية) في مدينة الرماد وحيدًا تحت مطرقة التوحش راكضًا خلف بصيص الأمل والحب الذي ظهر له فجأة ذات يوم في آخر النفق المظلم!، تجربته وقصته كما وردتْ في صفحات يومياته التي لم يَطَّلِعْ عليها حتى الآن أحد سواي.. ثم أنتم من بعدي!...

**************

سليم نصر الرقعي

بريطانيا 2019

[1] مازلت مترددًا بخصوص عنوان الرواية فقد أغيّر العنوان إلى عنوان (التجربة!؟) فهو ربما الأكثر ملائمة لطبيعة هذه الرواية ذات الطابع (الوجودي).(البحث عن الذات والهوية والهناء!)

[2] الأصل في هذه الرواية هي قصة متوسطة الطول من 13 صفحة - على ملف الورود - نشرتها عام 2003 في مدونتي في موقع مكتوب تحت عنوان (الرعب الشامل!!).

[3] قمت بإجراء تعديلات جوهرية كبيرة في قصة (الرعب الشامل) منذ نهاية 2015 واضافات كثيرة عبر الأعوام اللاحقة لينتهي الأمر بتطور القصة المتوسطة الطول إلى رواية يبلغ طولها - على ملف (الوورد) - 179 صفحة تقريبًا وقد حسبت أن عدد صفحات الرواية في الكتاب المطبوع سيكون موافقًا لعدد صفحات الرواية في ملف (الوورد) أي 179 صفحة ولكن دار نشر (الحكمة) في لندن حينما أرسلت اليهم نسخة العرض قالوا لي أن هذه الرواية ستكون طويلة جدًا وقد تبلغ 450 صفحة !!

[4] الغلاف المعروض هو من تركيبي الخاص وهو مجرد وجهة نظر واقتراح مبدأي مني للدار التي ستوافق على نشر الرواية ولكن تصميم الكتاب بالنهاية يدخل ضمن اختصاصات الدار .