ما العمل ؟
في المحور الأول من هذا الموضوع كان الحديث عن عمل الشيطان مقرونا بما يشبهه أو ينتج عنه من أمراض نفسية بشكل موجز وفي هذا الجزء نرى ما يجب علينا فعله
أ - الرقية ؟؟!! :
" كان الإنسان عجولا " من عجلته أنه يريد تحقيق النتائج دون أسبابها، في خرق واضح لسنن الله تعالى . وهذا لن يكون إلا لآحاد الناس ، معجزات أنبياء أو كرامات أولياء . وخلق هلوعا ومن هلعه شدة الجزع وعدم الصبر على سلوك الطريق الصحيح .
يريد علاجا لاضطراباته النفسية يكون ضربة لازب . ينسى أن تلك الاضطرابات فعلت فعلها بتراكم حوادث السنين الطويلة وينسى أن معركته مع الشيطان دائمة ما دامت التوبة ممكنة والروح في الجسد .
يريد المسكين " رُقْيَة " !!! تنهي عمل الشيطان وتستحيل معها عقده النفسية طمأنينة وسكينة . - لست أزري بالرقية أو أنكرها ولكن ما تغني الرقية في مجتمع صار مرتعا لكل شيطان مريد وفي ظروف القهر والظلم والاستبداد .
لئن نفعته الرقية يوما ما صدق فيه الراقي والمسترقي فإن عودته إلى المعركة دون سلاح وعُدّة ستجعل النكسة كبيرة ومحتمة .
القرآن شفاء ورحمة لكن القرآن نفسه أمرنا بإعداد القوة وبين لنا طبيعة العدو وكشف خططه وحذر من خطواته والقرآن نفسه بين أن المهمة عقبات تُقتحَم ، وحبل متين به يُعتصَم ، وأوامر تُتبع ، ونَوَاهٍ تُجتنَب ، وصحبة وجماعة تُلزَم ، وذكر لله كثير لا يُفتَر عنه ، وقبل هذا كله إرادة صادقة وهمة عالية .
إنه إذن عمل الحياة كلها ، وجهاد الليل والنهار .
فيما يلي من فقرات أذكر جملة من الأركان الأساسية التي بدونها يكون الحديث عن العصمة من الشيطان وعن الراحة النفسية ضربا من العبث :
بــ - الأركان :
1 - الجماعة حصن من الشيطان :
قال تعالى :
" الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا" ( النساء -76)
في سياق الجهاد حيث المؤمنون يقاتلون كالبنيان المرصوص كان كيد الشيطان ضعيفا وإنما ينزغ ويمس ويستحوذ على أفذاذ الناس أما الجماعة المؤمنة المجاهدة فلا قبل له بها إنما ينكص على عقبيه ويتبرأ من أوليائه .
قال الطبري في تفسير الاية : " يعني بكيده: ما كاد به المؤمنين، من تحزيبه أولياءه من الكفار بالله على رسوله وأوليائه أهل الإيمان به. يقول: فلا تهابوا أولياء الشيطان، فإنما هم حزبه وأنصاره، وحزب الشيطان أهل وَهَن وضعف.وإنما وصفهم جل ثناؤه بالضعف، لأنهم لا يقاتلون رجاء ثواب، ولا يتركون القتال خوف عقاب، وإنما يقاتلون حميّة أو حسدًا للمؤمنين على ما آتاهم الله من فضله." 1
وقال البغوي : " كما فعل يوم بدر لما رأى الملائكة خاف أن يأخذوه فهرب وخذلهم ." 2
، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ، وَمَنْ أَرَادَ بُحْبُحَةَ الْجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ " .3
ألم تر أن الصلاة جماعة يكون السهو فيها أبعد والخشوع أقرب .
يحذر أخصائيو النفس من الوحدة والعزلة ويجعلون ما يسمونه " العلاج الاجتماعي " من أهم أنواع علاجات الأمراض العصابية .
يعرفه محمد عودة و كمال مرسي بقولهما : " هو عبارة عن التعامل مع البيئة الاجتماعية للمريض و تعديلها أو تغييرها أو نقل المريض إما مؤقتا أو بصفة مستديمة من البيئة الاجتماعية التي أدت إلى الاضطراب النفسي إلى بيئة اجتماعية تحقق التوافق النفسي السوي " 4
2- ذكر الله هو السلاح :
قال العراقي عن مالك مرسلا أنّ رسول الله ﷺ قال: ما رؤي إبليس يومًا هو فيه أصغرُ، ولا أحقرُ، ولا أدحرُ، ولا أغيظُ من يوم عرفة، وذلك مما يرى من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب، إلا ما رأى يوم بدر! " 5
يوم عرفة يوم اجتمعت فيه فضائل الجماعة وفضائل الذكر بما فيه من اجتماع الحجيج في الموقف العظيم واجتماع المسلمين على الصيام والطاعات وبما يرفع فيه من الدعاء والعمل الصالح . كل ذاك كان سببا في صغار الشيطان وحقارته فإن لازم المسلمون حالة يوم عرفة في سائر أيامهم لازم الشيطان الصغار والضعف .
قال تعالى : " وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ " ( لزُّخْرُفِ: 36 )
" وَمَنْ يَعْشُ " الْعشَا فِي الْعَين: ضَعْفُ بصرِهَا فيقال أعشى وَالْمراد: عَشَا الْبَصِيرَةِ وعماها عن ذكر الله فتكون النتيجة ملازمة الشيطان .فإن الذكر سلاح المؤمن لذلك تجد الشيطان يجرد أولياءه من هذا السلاح قال تعالى : " ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَیۡهِمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حِزۡبُ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ أَلَاۤ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ " ( المجادلة 18-19 )
ذكر الله ترياق ليس لكونه تحصين من الشيطان فحسب ولكنه طمأنينة للقلوب وزكاة للنفوس قال تعالى : " الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ( الرعد - 28) .
لا يخفى ما للكلام الطيب من أثر على النفس البشرية فإن كان هذا الكلام كلاما لله تعالى أو صلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم كان أعظم فضلا وأرجى شفاء وأبلغ أثرا وأتم فائدة .
3- العامل الذاتي حاسم :
يتوقف نجاح كل علاج على العامل الذاتي فرغبة المرء في العلاج وثقته في نفسه وفي معالجه وتفاؤله وقوة عزيمته أمور حاسمة يؤكد الأطباء والأخصائيون على ذلك ويسعون لبناء الثقة مع مرضاهم ورفع معنوياتهم .
ضعف الفرد الجسدي والنفسي يجعل الشيطان أكثر جرأة عليه قال تعالى : " وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالࣱ مِّنَ ٱلۡإِنسِ یَعُوذُونَ بِرِجَالࣲ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقࣰا " ( الجن 6 ) قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ بِأَهْلِهِ فَيَأْتِي الْأَرْضَ فَيَنْزِلُهَا فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِي مِنَ الْجِنِّ أَنْ أضَرّ أَنَا فِيهِ أَوْ مَالِي أَوْ وَلَدِي أَوْ مَاشِيَتِي، قَالَ: فَإِذَا عَاذَ بِهِمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، رَهقَتهم الْجِنُّ الْأَذَى عِنْدَ ذَلِكَ. 6
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِيهٍ ابْنَ الْخَطَّابِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلا سَلَكَ غَيْرَ فَجِّكَ "7
جمع عمر رضي الله عنه خصالا كثيرة عظيمة لكن ما ميزه قوته في الحق . تلك القوة بالإضافة إلى قوة بدنه جعلت الشيطان يفر منه .
4 - النظافة :
الطهارة من موجبات محبة الله للعبد وهي شرط في صحة الصلاة وهي شطر الإيمان فلا عجب أن تبعد الشيطان
في صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " طهروا هذه الأجساد، طهركم الله؛ فإنه ليس عبد يبيت طاهرًا، إلا بات معه ملك في شعاره " والشعار ما تحت اللِّباس وهو يلي شَعْر الجسد. فإذا حضر الملك غاب الشبطان
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ".8
هذه طهارة مادية لا تقل أهمية عنها الطهارة المعنوية طهارة القلب واللسان فإن كلمة خبيثة تحضر الشيطان
خاتمة :
إن تفشي ظاهرة المس الشيطاني والأمراض النفسية ليست إلا أعراضا سطحية لمرض واحد تعاني منه الأمة هو داء الغثائية والوهن الذي حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلاجها الفعال والنهائي لا يكون إلا بعلاج أصل الداء. أمم من شياطين الانس والجن تداعت على الأمة بسبب وهنها والوهن حب الدنيا وكراهية الموت والشفاء حب الله ورسوله والدار الاخرة وهذا لن يكون إلا بصحبة صالحة في جماعة مجاهدة ذاكرة مذكرة صادقة مصدقة .
الهوامش :
1- تفسير الطبري ( ج 7 - ص 229)
2- تفسير البغوي ج 1- ص 663 )
3- السنة لابن أبي عاصم
4-https://www.acofps.com/vb/showthread.php?t=495
5 - تخريج أحاديث إحياء علوم الدين - العراقي ( ج 2- ص 626)
6 - تفسير ابن كثير ( ج 8 - ص ص 252 )
7 - صحيح البخاري - 3294- كِتَابٌ : بَدْءُ الْخَلْقِ - بَابُ صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ.
8 - سنن أبي داود - أَوَّلُ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ - بَابٌ : فِي غَسْلِ الْيَدِ مِنَ الطَّعَامِ