بعد إن كان العشاق يخفون غرامهم خوفا، ثم خجلا، جاء اليوم الذي ذهب فيه الخوف والخجل، وهاهم يجتمعون في عيد الحب، معلنين نهاية العشق الممنوع، ليجلس حكام العرب وإسرائيل يتبادلون نظرات العشق، وإبتسامات الود، ويضحكون لحكاياهم؛ حين كانوا يتبادلون الغرام في الخفاء، فأمة الضاد ما عادت تهتف .. كلا كلا إسرائيل.

  تحت عنوان "السلام والأمن في الشرق الأوسط " إجتمعت ستون دولة في مؤتمر وارسو، ورغم أن الضيافة بولندية لكن إدارة المؤتمر كانت أمريكية، والمشهد تصدرته إسرائيل، والكومبارس كانوا حكام العرب، الذين إنقادوا للإرادة الأمريكية كما تنقاد الخراف الى مجزرة الذبح، متخلين عن قضية العرب الأولى، التي غيبوها بجبنهم وتخاذلهم، معلنين الطاعة للصهيونية وأمريكا في مشروعهم الجديد، وهو الحرب على إيران.

   نظرة الى المؤتمر وأسماء الدول المجتمعة فيه، نرى أنه كان فاشلا بإمتياز، في تحقيق الغاية التي عقد من أجلها، وهي تحشيد الدول من أجل مواجهة إيران، فقد غابت عنه أهم الدول الأوربية، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، المعترضة أصلا على إلغاء الإتفاق النووي مع إيران، وفرض العقوبات عليها من جانب الولايات المتحدة، لذلك فإن هذا المؤتمر لم ينجح إلا في إظهار الجانب القبيح من التطبيع العربي مع إسرائيل، وحلب مزيد من الأموال العربية الى الخزانة الأمريكية.

   في الجانب الآخر كان هناك مؤتمر سوتشي الثلاثي، بين إيران وروسيا وتركيا، ورغم قلة دوله لكنه أكثر رصانة وتأثيرا على الارض، خاصة في مسرح الصراع الأهم وهو سوريا، فالجعجعة الإعلامية والتزاحم أمام الكاميرات وتبادل القبلات في مؤتمر وارسو، قابله تفاهمات مشتركة، قادرة على قلب موازين ما تخطط له الولايات المتحدة وحلفائها من الناتو العربي، الذين سيكونون رأس الرمح ومسرح الصراع، اذا ما إعتدت أمريكا على إيران، ولكن هل بإمكانهم تحمل تكاليف هذا الحرب، وإغلاق الخليج والبحر الأحمر ليوم واحد ؟ حتى إسرائيل لن تضمن لهم ذلك، لإنها لن تكون في مأمن من نارها إذا ما إستعرت.

  بين وارسو وسوتشي؛ تسعى بغداد أن تكون بعيدة عن هذه المحاور، رغم محاولات جر العراق الى هذا الصراع سواء دوليا أو إقليميا، ووجود ما يدفع بإتجاه هذا المحور أو ذاك داخليا، تبعا لمصالح حزبية وإرتباطات سياسية أو مذهبية، ولكن مامر به العراق، وواقعه السياسي يفرض عليه النأي بنفسه عن هذا الصراع، الذي إذا ما إستمر فإنه سيرسم مرحلة جديدة في الشرق الأوسط، بعد أن انتهت مرحلة داعش والحرب بالوكالة، وإذا لم تصل الأطراف المتصارعة الى تفاهمات مشتركة.. ربما يلعب العراق دورا محوريا فيها، فإننا مقبلون على مرحلة الحرب بالأصالة.

    بعد صراع ومتاجرة في القضية الفلسطينية، إستمرت ما يزيد على سبعين عاما، فقد أعلن الحكام العرب في مؤتمر وارسو تخليهم عنها، وأن إسرائيل ما عادت عدوا لهم، بل صاروا حلفاء معها ضد عدو جديد، بعد أن تغيرت البوصلة تجاه إيران، وفي الوقت الذي يقرع العالم طبول الحرب، لضرب الشعوب الإسلامية والعربية وقضاياهم المصيرية، يتبادل العرب الدببة الحمراء بمناسبة عيد الحب !.