كتب: م. نايف البقمي
الهوة سحيقة خصوصا في الحقول العلمية وتدريس المواد بالعربية يواجه بالكثير من العوائق لتسارع عجلة التأليف، والبحث والنشر باللغة الإنجليزية، لا بد من ردم هذه الهوة بالترجمة ولا طريق غيرها (دائرة معنية بالترجمة تولى الإهتمام لتقصيرنا الكبير في هذا الجانب). أما حال العربية فلا تسل عنه في تعليمنا.
وعن اقتصاد المعرفة فهو باختصار أن تنظر للدول ذات الإقتصاد القوي وتبحث خلفياتها كيف وعلى ماذا نهضت؟! من العالم الأوربي المكتظ بالإبداع والريادة كالهواء والماء الكل يحتاجه إلى كوريا الجنوبية التي تفخر اليوم بتصدير التقنية النووية!
لننظر إلى كوريا الجنوبية كمثال لنخلص إلى تعريف الإقتصاد المعرفي. كانت كوريا معدمة منهكة في أعقاب الحرب الكورية إلا أنه كان لديها شيء وحيد هو في نظري ما أعزو إليه مآلها اليوم وهو "الرؤية".
كان دخل الفرد لا يتجاوز 100 دولار تصدر العمالة الرخيصة، تنهشها الأمية بنسبة عالية فاقت ال 70%. اتجهوا للتعليم.. تطرفوا في التعليم ومؤسساته وهيئاته ونظم إصلاحه وبناه التحتية حتى بدت تكتظ الجامعات، وتصرف الأموال لتطويره مع قلتها. وزارة التعليم عندها أصبحت وزارة التعليم والتكنولوجيا، ثلاثون عاما من الإستثمار في التعليم. كان لدى مؤسس الجمهورية رؤية خاصة في الطاقة النووية حيث أسس المعهد الكوري للأبحاث، وأنشئ أول أقسام الهندسة النووية في أفضل جامعاتهم. إلى جانب المعهد كانت هناك كيبكو الإدارية التي تدير المشروع. الرؤية وضعت الإدارة إلى جانب البحث، عقدان تنثر بذور العلوم هناك والشراكة مع شركة غربية تقبل بشرط نقل التقنية الأكثر إلحاحا وتحقيق الهدف بالإعتماد على الذات. اعتمد بعدها البلد في صناعة قطعه وتقنيته الخاصة. عشرون مفاعلا تم بناءها واختبار مدى سلامتها وجودتها لتصبح اليوم الأكفأ والأكثر سلامة. الكوري الذي كان لديه شعورا يقول "ما صنع في كوريا رخيصا وغير موثوق به" ارتفع شعوره وثقته بما يقدم للعالم. لقد منحته هذه الصناعة الثقة بالجودة والكفاءة وأعلى معايير السلامة، وأسهمت في التنمية الاقتصادية من خلال توفير مصدر كهربائي رخيص وموثوق به ومنخفض التكاليف. امتد التأثير على عقلية المجتمع الكوري في جميع صناعاته من الإلكترونيات متناهية الصغر والدقة إلى الناقلات العملاقة وكل التقنيات المتقدمة معتمدا على اقتصاد قائم على المعرفة. سامسونج لوحدها 300 مليار دولار ولا تنظر لال جي وباقي الصناعات.
وبعد كل هذا فإننا بحاجة لرؤية وغربلة للتعليم التعليم التعليم .. وإنشاء اقتصاد بديل للنفط "العمالة الرخيصة" قائم على المعرفة والبحث بما يتناسب مع احتياجات الدولة ويتوافق مع طموحات الأمة. وعن جامعاتنا وأبحاثها وما تقدم فلا شك أنه أولى بالإصلاح ووضع رؤية وطنية يعمل عليها بالتدرج الإمارات كدولة عربية لها رؤية جيدة في هذا المجال يستحق الإطلاع.
تعليق الدكتور ناصر الخنين:
تعليق الأستاذ نايف البقمي - فتح الله عليه ونفع بتخصصه - جدير بالنظر ، وإشارته الواقعية إلى التدريس باللغة العربية وأهمية ذلك إشارة حاذقة ومهمة ؛ لوﻻ عوائق الترجمة - كما ذكر - المتعلقة بتسارع الأبحاث العلمية بغير العربية ، وعدم تخصيص جهة معنية أو جهات محددة بحسب اﻻختصاص للترجمة والمتابعة الآنية هذا أيضا عائق علمي عملي ؛ المهم هو وجود الشعور باﻻفتقار إلى تكوين الشخصية الوطنية ؛ القائمة على تمثل خصائص الدين الإسﻻمي الذي تدين به هذه البﻻد ، وتفخر هي به ويفخر به أهلها ، وبه عزتهم المعنوية وسعادتهم الروحية والحقيقية في الدارين ، ولغة هذا الدين ولغة هذه البﻻد - كما هو في شريف علم الجميع - هي اللغة العربية ؛ إذ هي لسان القرآن الكريم والسنة المطهرة ؛ فبهما شرفت العربية من بين لغات العالم أجمع ( وإنه لذكر لك ولقومك ...) ومن أجلهما حفظت العربية عزيزة مكينة متينة خالدة إلى قيام الساعة ؛ بإذن الله تعالى ؛ بمقتضى الوعد الإلهي الجازم المؤكد بأقوى المؤكدات : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) قال العلماء : إن من ﻻزم حفظ الذكر - وهما القرآن والسنة ؛ لكون السنة مبينة للقرآن - ؛ حفظ لغتهما وهي العربية ، كما أنها لسان التراث العلمي الهائل الذي سطره الأسﻻف في مختلف التخصصات العلمية الثرية التي نبغوا فيها ، وأثروا الحضارة العالمية المعاصرة بها في بواكيرها الأولى ، وإشارة الأخ الكريم وإفاضته للاستفادة من دول كانت نكرة ككوريا ؛ ثم أصبحت من المعارف العلمية المؤثرة في التقانة المعاصرة إشارة جميلة ورشيدة ، والحق ضالة المؤمن في أي مقام كان ؛ واختصار الطرق والبداية من حيثما انتهى الآخرون عﻻمة رشد في العقل ، وأمارة فﻻح في الفعل ؛ نهايته نجاح متعدد ؛ لذا ينبغي التواصي البيني من قبل الباحثين وطﻻب العلم ، ومن في حكمهم على السير بسفينة بﻻدنا العلمية سيرا متزنا حثيثا ومتوازنا ؛ وذلك بأن يستصحب هذا المسار العلمي تعاليم دين هذه البﻻد الذي تدين به ، وينطق بلغة أهلها التي هي أشرف اللغات وأعرقها وأمتنها وآصلها وأوسعها مادة ، وأعمقها دﻻلة ، وأمرنها صياغة واشتقاقا... ويستفيد الرواد من تجارب المعاصرين والغابرين ، وإذا وضعوا اللبنات الأولى الصحيحة القويمة ؛ فإن الأجيال المتعاقبة ستنهض بالبناء - بإذن الله - وتكمل المسيرة ، وعندها يحمد القوم السرى ؛ في تواؤم وتعاون وتحاب وتناصح ، ومثابرة ومتابعة وإخﻻص ، والمستفيد الأول من ذلك كله بﻻدنا الأثيرة علينا ، وأمتنا العزيزة بنا ؛ ومن احتسب ؛ فجد واجتهد ، ومد يد التعاون والتفاهم وجد خيرا كثيرا ، وغرس غرسا حميدا.. والله تعالى ﻻ يضيع أجر من أحسن عملا....
د. ناصر بن عبد الرحمن الخنين .
الأستاذ المشارك في قسم البﻻغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي.
في كلية اللغة العربية بالرياض ؛ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
تعليق الدكتور فهد الكنهل:
تعليقي على رأي المهندس نايف البقمي هو أنني اتفق معه على اهمية الرؤية. و اضيف أن الإرادة الصادقة القوية التي لا تيأس ابدا أمام العوائق مهما كانت ضرورية جدا. و احب أن انوه في هذا المقام ان كوري الجنوبية تدرس بلغتها الكورية الأم. و لم يمنعها هذا من تطوير استثمار عقول البشر. بل إن تدريسها بالغة الكورية جعلها تؤمن بذاتها مما خلق لديهم الإرادة اللازمة للاصرار و التغلب على العوائق. كما انني أنوه بأن البحث العلمي المتسارع ليس فقط بالغة الإنجليزية بل بعدة لغات على مستوى العالم. فكثيرا من الأوراق العلمية عندما نبحث عنها نجدها فقط بالغلة اليابانية أو الروسية الخ و لا يوجد من نسخة باللغة الإنجليزية.
أنا أرى أن ذكر عائق الترجمة هنا يجب ان لا يكون سببا او مبررا للنكوص عن الايمان عن مشروع تعريب التعليم. بل انني اذهب الى أبعد من ذلك حيث أنني أؤمن بأن التحرر من تكبلنا باللغة الإنجليزية هي الخطوة الأولى لبناء الإيمان بالذات الضروري لخلق الإرادة الصادقة و القوية بما يكفي لبناء بيئة صالحة لاستثمار العقلية المبدعة الخلاقة. و لدي المزيد و لكنني اكتفي بهذا خشية من الإطالة. و اشكر الجميع على صبرهم و رحابة صدورهم.
د.فهد الكنهل
استشاري الباطنة وأمراض الكلى
تعليق م. نايف البقمي من جديد:
د.ناصر & د.فهد
شرفت بتعليقكما، وقراءتكما ليست إلا تقويما للنص وتوجيهه للأفضل ..ممتن لكرمكما.
من ناحية العربية فإنني لأرى فيها ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه "تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة" وأشدد على تعليمهما كما ينبغي، واستخدامها ونشرها والعناية بها فهي أصل للثقافة ومسوغ حضور لهذه الأمة.
من ناحية أخرى فقد هيمنت الحضارة الغربية الأمريكية على وجه الخصوص على العالم بأسره. تصدر الغذاء والدواء والسلاح والتقنية الأصيلة بل حتى المفاهيم كالحرية والإرهاب، فلا علمي ولا عصري ولا تقدمي مالم تشيعه أمريكا من خلال مؤتمراتها ومنظماتها ويعتمد من قبل هيئاتها. والحقيقة أنه لا يوجد أصالة في مجال العلوم والتقنية كالذي تبعث به أمريكا ويظهر جليا في تقنية السلاح فهي متقدمة بسنوات على أكثر دولة متقدمة في المجال نفسه روسيا. لذلك حتى الألماني صاحب الصناعة الجبارة والعقلية الفذة الذي ينشر بلغته ليس إلا رافدا يصب في المؤتمرات العلمية التي تعقد في أوربا باللغة الإنجليزية حتى يرى بحثه النور ويصل المدى المطلوب. الهند الدولة الثانية في مجال التقنية وشعب يفوق المليار لولا تأليفها بالإنجليزية ونشرها المؤلفات والبحوث المحكمة لما تعلمنا الهندية أو التاميل حتى نطلع على أبحاثهم. والهند بالمناسبة تعاني الفقر والأمية والفساد رغم نباهة العقول القادمة من هناك. هذا فقط وجه من الأوجه عند هيمنة حضارة ما فإنه تسيطر مفاهيما وتطغى لغتها لذلك ذكرت الإنجليزية. وأخيرا، فإنه يعجبني قولك أن بداية التحرر هو التخلص من اللغة وأشاطرك الرأي وربما كان فعلا كذلك ..
تعليق الدكتور عبدالله ناصر الراجحي:
أكاد أجزم أن أهم عنصر في البنية التحتية هي الإيمان بالله ثم بعده تتكون العزة في قلب المؤمن. كما وعد و بين ذلك الحق تبارك وتعالى. و عليه فإن أول الأولويات هو تكوين جهة تناط بها هذه المهمة . ثم وضع الأنظمة والقوانين الحافز للباحثين للنشر بلغة الأم. و ما نراه الآن و يدمى له القلب أن الباحث لا تتم له الترقية إلا إذا نشر في المجلات المرموقة التي تستعمل الانجليزية فقط . ليس لأننا نكره هذا الأسلوب أو التوجه من المسؤولين في البحث العلمي لدينا. و لكن هناك سببين يمكن التنويه إليهما:
1.لا يوجد بديل خصوصا في الهندسة و الطب.
2. انعدام الثقة بالنفس و الإرادة لوضع ذلك الشيء هدفا وطنيا ملحا تجد له ما استطعنا من طاقات بشرية و مادية.
د. الراجحي
باحث في مجال الجيوفيزيا، جامعة MIT
تعليق الدكتور سجيني
صحيح اليابان تغلبت على امريكا فحافظت على هويتها بلغتها لكن في النشرات العلمية الطبيه في المجلات العلمية العالمية كلها باللغة الانجليزية بل في تخصصي علم الخلايا الجذعية حصل عالم عندهم في 2012 على جائزة نوبل وكان البحث منشور باللغة الانجليزية كانت فرصة لهويتهم و عزة للغتهم لو نشروها باليابانيه ولكن كان الباحث الذي فاز بالجائزة واقعي اذ ان العالم من حوله لغة التواصل بينهم بهذه اللغة الانجليزية بل حتى الاكتشاف الذي توصل اليه سماه باللغة الانجليزية للاسف هي لغة العلم في وقتنا الحاضر و هذا الواقع واذا اردنا منافسة الدول لزم علينا منافستهم بلغتهم.يقولوا اذا مشى الانسان الى الامام على اثر التاريخ قلت أخطاءه فعندما كانت الامه الاسلاميه في مصفاة الدول وكانت هي المتقدمة على سائر الامم بدينها واخلاقها و معاملاتها و علمها الديني و الدنيوي كانت تصدر العلم الى الخارج وكان شعر اوروبا وغيرهم يأتوا الى البلاد الاسلامية لتعلم العلم وكان العلم يصدر من عندنا فكانت الدول الاسلامية تصدر العلم بلغتها و لكن خلود اللغة العربية ليس بهذه الطريقة بل بالقران الكريم و السنه النبوية الشريفة.
فنظرتي او رأيي ان على الامة أن تنافس الامم الاخرى في عقر دارها(بلغتهم) وعليها ان تنفض ماعليها من الكسل والاتكالية المحض وتتصدر العلم و تبدا في تاثير خارجي بتسمية اكتشافاتها باللغة العربية كإسم الجينات والأمراض والعلاجات.... الخ وعند ذلك لامانع من تعريب العلم حتى يساعد في اكتساب اللغة العربية مكانه دولية و محلية. أما مسألة الحفاظ على الهوية فليس مجرد الحفاظ على اللغة بل يكفي الحفاظ على الهويه بإتباع الدين الاسلامي على سنة محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم لان الهوية هوية اسلامية لا عربية. فننظر في اليابان كما ذكر السائلون فعندهم اللغة اليابانيه مهيمنه لكن الدول تقوم باحتفالات الكرسمس و غيرها من حفلات المسيحيين علما ان الدوله غير مسيحية.فمثال سوريا وطب الاسنان باللغه العربية والنظره الدونية لهم و اجبارهم على تعلم اللغة انجيليزية اكبر دليل على عدم جاهزية الأمة الى مقترحكم، وشكراً..
د.سجيني باحث في مجال الخلايا الجذعية
جامعة كامبريدج