٢٠١٠
لاشيء يدعوني للكتابة الآن في ساعة متاخرة من الليل سوى أنني أملك كماً هائلاً من الكلام لو نشرته على مشردي مدينة ريتشموند لجعل أحوالهم ليست بعيد عن تيد ويليمز!
الحقيقة أن هناك خلل ما يتخلل مخيخك الصغير، يعتري ذاتك التي خسرتها ذات مساء في سوق سوداء أوهموك أنها محط أنظار الناس فلا زلت تعيش الوهم مذ ذلك اليوم. باعوا لك ذاتا جديدة بعد أن خسرت الحقيقية، عتيقة كجدار بيت هجروه أهله قبل عقدين من الزمن، يزوره صيبة الحي لممارسة حماقاتهم وليحفظ الجدار المسكين ذكرياتهم اللئيمة. لاتكترث، كل مامضى ليس إلا تمهيداً لإخبارك بأن ذاتك الجديدة ليست قادرة على استخراج الفروق السبعة وأن فمك في الدقعا* .
آسف بحق! فقد وددت إخبارك في الحديث أعلاه بأنك شاب عصري لعدة أسباب أولها أنك تتحدث كثيراً عن الثقافة الغربية، الكثير من أصدقائك بين ظهراني هؤلاء البشر ويحدثونك كثيراً عنهم وأنت تستمع ثم تحدثنا ونحن نحدث ذواتنا والتي بدورها تخبرنا ان هذا ضربا من ضروب الخيال والهياط. لاعليك، ربما تعذر على ذواتنا الصدئة والمتهالكة من فعل الغبار وعوامل التعرية فهم بعض ماتتحدث عنه في أحايين كثيرة. عندما تخاطبنا بنهم عن الحرية في الغرب يغيب عنا أنك رأس الدجالين الأفاكين ثم نقاطعك مشدوهين بهذا القول فتزم شفتيك وتعقد حاجبيك مبدياً استيائك عن أفكارنا المشوهة تجاههم والغفلة التي تحملنا للجحيم، ولكن صدقني هو تأثير الغبار الذي أخبرتك عنه سابقا.
فعلاً لقد وددت إخبارك بأنك شاب عصري لأن حديثك عن الوطن يرغمني على تجاوز ذاتي الى ذاتك المسحوقة بمسحوق الغسيل تايد مافيش مستحيل، كما تعلم هي مجرد دعابة سمجة لاتليق بمقام فكرك الكريم. يااه -لقد استخدمتها حتى أبدو امامك اكثر عصرية. الجنسية الكندية والأمريكية لو تُعطى كما أخبرتني فستكون أول الفارين، أقصد المنغمسين في الحضارة والمعرفة والحرية وآه يالحرية. أذكر أنك كنت تملأ معدتك من الطعام وخيرات الوطن والناس في الطرف الآخر من الضفة يتضورون جوعاً ثم تتجشئ أن لعنة الله على وطنا لايمنح رغيفا بدل الرغيفين ولكنني كنت أقدر ذلك لأنه أحد شروط العصرنة! أيضًا أذكر أنك كنت زعيم الساسة والمحللين للأوضاع الجارية في البلاد ونحن لانملك من أداة إلا التسليك عندما تخترق أسوار الوطن بلسانك ثم تخبرنا أن الحرية في الرأي تجبرنا على قول شيء مثل هذا.
هناك أمر آخر يجعلني أراهن على عصريتك وهو نظرتك للمرأة والمجتمع وفلسفتك بعيدة المدى عن الشيطان العربي الذي لم يتعلم أدب الشيطان الغربي في التعامل مع الجنس اللطيف! نظرتك هذه ستجعل منك شاباً انفتاحيا متفتحاً بعمق، خصوصاً أنك ترى أن مظهر المرأة بشكلها المعتاد شيء غير حضاري ويجب إعادة النظر فيه. عقولنا بسيطة لاتستوعب هذا الكم الهائل من الإنفتاحية ربما لأننا لانملك أصحاب مثلك يخبرونك عن أحوال أمريكا وكندا وأوروبا وكيف تعامل الفتاة هناك. محاولاتك المستميتة على أن تثبت لنا أننا لم نفهم المرأة وحقوقها حتى اللحظة تجعل منك أضحوكة الأسبوع، وكونك اسطوانة مشروخة لاينفي انفتاحيتك معاذ الله بل هو صميم الإنفتاحية.
أنت شخص موهوب تبهرني عندما تنطلق في الحديث ثم تلفزها بكلمة لانعلم بلغة أهل الأرض أم أهل السماء كانت، إلا أنها تبدو جميلة ورائعة اظطرتني لسؤال الناس من حولي عنها فأخبروني أنها كلمة من مبدأ الكول وهي انجليزية أباً عن جد. اووه أنت (أووسم)، مارأيك ؟ لقد تعلمت هذه الكلمة من أجلك حتى الفزها في الكلام لاحقًا لدواعي لاتخفى عليك كثيرا وسيتظاهر الجميع من حولي بهز رؤوسهم على اعتبار انها وصلت المعلومة، ولن يضطر أحد لسؤالي عما اذا كنت اتحدث العربية بالشكل الصحيح لأنهم في الوقت نفسه سيظهرون بمظهر اللاكول .. !
أتعلم ماذا ؟ أنت أحمق تسمع كثيراً عن الكلام أعلاه وهذا خطأ يحمل الناس خسائر نفسية جسيمة وفادحة؛ برواية آخرى حملتني على كتابة هذا الموضوع.
* ملاحظة: الخطاب ساخر موجه لشريحة معينة من شرائح المجتمع ربما كان عامل الإبتعاث الخارجي أو الثورة الإنترنتية أحد الأسباب في جعل ذواتهم بهذه الصورة، النص لاينفي ولايتعارض مع حاجتنا للتطوير من ذواتنا ومواكبة العصر.
بلهجة أهل الشمال:
الدقعا = التراب ( في وجه العدو)
