وجاء السبت يارفاق، يوم الفرح الكبير، والصباح المشرق بالتفاؤل والنجاح. السعوديون هم الأكثر أناقة. لا أبالغ إن قلت أن الصبح تنفس عطورهم، ولا أبالغ إن قلت تلونت به مياه النهر المجاورة للفندق. الجميع في مظهر لائق لاشك وإن الحفل كان لهم بمثابة بوابة إلى فصل من فصول الحياة الجديدة. كان على الجميع التواجد في الساعة الثامنة وحتى الساعة الحادية عشرة في بروفة بعدها يبدأ الحفل الرسمي. كانت اللجنة المنظمة في أوج روح العمل الجماعي. لجنة الدعم والمساندة من الإخوة والأخوات الذين يعتلي الطموح هاماتهم وحب المشاركة والإسهام في إتمام أي أنجاز باسم الطالب السعودي. دخلنا القاعة خافتة الأضواء جيدة التكييف تكتسحها الألوان الخضراء والمتشربة بالوطنية والإنتماء. الطلاب والطالبات يرتدون زي الخريجين والوشاحات ذات الألوان المختلفة كلٌ حسب درجته العلمية. الأشياء كلها كانت في غاية الترتيب والأشخاص كلهم كانوا في غاية الكياسة.
أخذ الجميع مقاعدهم معلناً مقدم الحفل عن بدايته. عُزف النشيد الوطني للمملكة ووقف الجميع رافعين رؤوسهم عالية أصواتهم أن عشت أيها الوطن فخر المسلمين وأن عشت أيها الملك للعلم والوطن. شعور دافيء يخيم على القاعة لايمكن وصفه، فنشوة الإنجاز يخالطها ريح الوطن غير موصوفة في قواميس العرب والعجم. الصوت داخلنا ليس إلا أن أيها الملك لو أرسلتنا للمريخ لجئناك منه بخبر. بعد هذه الفقرة بدأ الخريجين بالمشي في مهمة هي المرور بالمنصة والابتسام في وجه الكاميرا! وبعدها تقدم هو وهي المقدم والمقدمة بالتناوب على المايكروفون بشكل سلس يظهر للجميع مدى المساواة التي حققناها. افتتح الحفل بآيات من الذكر الحكيم جزى الله قارئها عن الحضور خير الجزاء، ثم أعلن المقدم عن كلمة معالي الوزير الذي كان مبتهجاً بهذه المادة المعدة وبعدد الخريجين الكبير. صعد المنبر ذو صلعة بهية عكست أنوار المنصة على الحضور القابع في الأنوار الخافتة. وفي خطاب رسمي تحدث فيه إلى الورقة أكثر منا نحن الحضور. نحن نحتاج من يتحدث إلى أرواحنا ويخاطب طموحاتنا، سئمنا الوقفات الرسمية والتبشير وإملاء الإجراءات المدروسة. نحتاج مسؤلاً يحاكينا بجوارحه، يقف وقفة قائد ملهم لجمهوره ثم يعدنا أن مانتمناه قد حققه. عصابة من علامات الإستفهام وقتها كانت تلفني. هل هذا ماقدم من أجله الوزير؟ أين الإشادة بالمتفوقين وصلبهم على المنصة مثالاً لا تأكل الطير من رأسه؟ أين إحصائية الكفاءات والإنجازات من أرض أمريكا؟ من هم الناجحين حقاً اليوم فنظرة إلينا لن تمدنا بشيء يامعالي الوزير، فجامعاتنا دعتنا يوم تخريجنا لتقول هاكم شهاداتكم وأنتم دعوتمونا ونود منكم التفصيل في الأمور ورسم الخطوط المستقبلية. أين مصروفات الحضانة لأبناء السعوديين التي قيل أنها رُفعت، وأين رواتب المرافقين والمرافقات التي صرفت أول شهر ثم فقدت؟ أسئلة كثيرة يامعالي الوزير وان كان لا ابن لدي ولا مرافقة!
هششت بيدي علامات الإستفهام المزعجة حيث رأيت سعادة الملحق متجهاً إلى المنصة ليلقي كلمته ولم أتذكر حينها عن الرجل إلا بابه المفتوح ونفًسَه الأبوي الكريم. فعلاً قد سعى للتغيير وحسن من أداء الموظفين ولازلنا نطمح للكثير من رجل سخي كمثله. كما عهدته محمد العيسى يتحدث بكونه الأب وليس المسؤول هنأ الطلاب وقتها انجازاتهم وشكرهم. سمعت صوتاً صارخاً حينها وهو يتجه إلى المنصة ” متى الرواتب ؟ ” فالتفت يمنة ويسرة فعلمت أنه وهم أسئلة الطلاب المتكررة في المواقع وللملحقية، حمدت الله على أنه ليس حقيقة. إنها عادة سيئة أن يكون هم الشخص بطنه! ألقيت بعدها كلمة الخريجين ألقاها طالبٌ وطالبة كانت مما أسعدني في الحفل. كانت من قلبيهما لصدقها استقرت في أفئدة الحظور فصفقوا كثيراً. ثم جاءت فقرة الأكاديمية الإسلامية والتي احتوت رقص أطفال من أبناء وبنات المبتعثين أبهجت الجميع. يرى البعض أن رقصة البنات كانت سعودية وآخرين إماراتية وأما الشاطحين فقالوا أنها هندية بعض الشيء! لفت نظري وقتها وعلى صوت الموسيقى تحمس مجموعة من الشباب برقصة شعبية حيث سبق ذلك قول المقدمة ” شبابنا المثقف الواعي …”. الفرح حق للجميع لايمكن لأحد مصادرته ولست لأفعل هنا، إلا أنه نوع من الفوضوية وليس من الأتيكيت في شيء طالما أنه ليس في وقته. كان الحفل بعدها قارب الإنتهاء وقد قررت الخطوط الجوية السعودية منح خمسون تذكرة مجانية. غادرني وقتها أصحابي الذين أخبرتهم ربما يقف الحظ معهم اليوم فأخبروني ” ندفع ولاناكل لحم حمير ! ” ذهب الجميع بعدها إلى يوم المهنة الذي حضرته كبريات الشركات والمؤسسات الحكومية. تسير الطوابير أكثر قليلاً تجاه القطاع الخاص وبالذات سابك وأرامكو السعودية. انتهت الأشياء الرسمية تقريباً والتي كان الحضور من أجلها. بدأت كأنني شاعر جاهلي وقف على الشرفة المطلة على النهر تذكر أنه يوماً قال البيتين أعلاه في نفس المدينة، ابتئس، ثم ترك الفندق ورحل !
*
*
انتهى الفيلم :)