بيانُ الخطِ الفاصل بينَ حب الذَّات وحبِ الأنا وحل المشاكل الاجتماعية

إنّ حبَّ الذَّات في الإنسان يختلف تمامًا عَنْ حبِّ الأنا، لأنَّ حبَّ الذَّات غريزة فطريَّة مغروسة في وجود جميع بني آدم، لكنَّ الأنانية وحبِّ الأنا حالة مرضية تعتري الإنسان نتيجة ابتلاءه برؤية خاضعة للوهم تدفعه إلى توكيد مبدأ الفردانية والتَّمركز حول الأنانية والنَّظر إلى الحياة بمنظار المنفعة الخاصَّة.

إنَّ حبّ الذات حالة طبيعيَّة، كما أنَّ البشريَّة كُلُّها تحبُّ ذاتها، وهذا لا يعني أنَّ جميعَ النَّاس لديهم أنانية، بل الأنانية تعني عدم الاهتمام بشيءٍ سوى محبَّة النَّفس ونيلِ منفعتها الخاصَّة ولو على حساب الآخرينَ، بينما الإنسان السَّوي يُحِبُّ ذاته، وفي نفس الوقت يحبُّ ويحترمُ ذاتَ الآخرينَ ولا يبخل في إرادة الخير لهم، لأنَّه لا يرى في الآخر غيرًا وندًّا مزاحمًا له، بل يرى في الآخر غيرًا ومكملًا له، ويرى أنَّ في مساعدته للآخرينَ يحصل على أرقى المراتبِ والمنازل.

لذلك تجد أنَّ مفاهيمَ بعض الأنظمة العالمية ومنها نظام الرأسمالية ترتكز على مفهوم المنفعة الخاصَّة، وعلى فكرة حب الذَّات بطريقة الأنانية، وذلك لاعتقادهم وإيمانهم بمبدأ الحياة المحدودة القصيرة والَّتي لا بدَّ للإنسان أنْ يستغلها للحصول على الأموال والَّتي هي سبب سعادة البشرية بمفاهيمهم المادية، لكن إنْ وظفنا تلك الفكرة وجردناها مِنْ حب الأنا ستنعم البشرية بحياة أفضل، وهذا وأكثر وضحهُ المحقق السَّيد الصَّرخي الحسني في بحثهِ الموسوم "فلسفتنا بأسلوب وبيان واضح" بقولهِ في المبحث الثامن؛ الغريزة وتسلسل المفاهيم المادية في الرأسمالية؛ المطلب الأول: حب الذات حب اللذة وبغض الألم

"فالواقع الطبيعي الحقيقي -إذنْ- الَّذي يكمن وراء الحياة الإنسانية كلها ويوجهها بأصابعه، هو حب الذَّات، الَّذي نعبر عنه بحب اللذة وبغض الألم، ولا يمكن تكليف الإنسان أنْ يتحمل مختارًا مرارة الألم دون شيء مِنَ اللذة، في سبيل أنْ يلتذ الآخرون ويتنعموا، إلا إذا سُلبتْ منه إنسانيته، وأُعطي طبيعة جديدة لا تتعشق اللذة ولا تكره الألم. وحتى الألوان الرائعة مِنَ الإيثار الَّتي نشاهدها في الإنسان ونسمع بها عَنْ تأريخه، تخضع في الحقيقة -أيضًا- لتلك القوة المحركة الرئيسية، [غريزة حب الذات]، فالإنسان قد يؤثر ولده أو صديقه على نفسه، وقد يضحي في سبيل بعض المثل والقيم، ولكنه لن يقدم على شيء مِنْ هذه البطولات ما لم يحس فيها بلذة خاصة ومنفعة، تفوق الخسارة الَّتي تنجم عَنْ إيثاره لولده وصديقه أو تضحيته في سبيل مثل مِنَ المُثُل الَّتي يؤمن بها.

وهكذا يمكننا أنْ نفسر سلوك الإنسان بصورة عامة في مجالات الأنانية والإيثار على حد سواء، ففي الإنسان استعدادات كثيرة للالتذاذ بأشياء

متنوعة:

أ- المادية كالالتذاذ بالطَّعام والشَّراب، وألوان المتعة الجنسية وما إليها من اللذائذ المادية، أو

ب- معنوية كالالتذاذ الخلقي والعاطفي بقيم ځلقية أو أليف روحي أو عقيدة مُعينة، حين يجد الإنسان أنَّ تلك القيم أو ذلك الأليف أو هذه العقيدة جزء مِنْ كيانه الخاص. وهذه الاستعدادات، الَّتي تُهيئ الإنسان للالتذاذ بتلك المُتع المتنوعة : (1) تختلف في درجاتها عند الأشخاص (۲) وتتفاوت في مدى فعليتها، باختلاف ظروف الإنسان وعوامل الطَّبيعة والتَّربية الَّتي تؤثر فيه، فبينما نجد أنَّ بعض تلك الاستعدادات تنضج عند الإنسان بصورة طبيعية كاستعداده للالتذاذ الجنسي مثلا، فإننا نجد أنَّ ألوانًا أخرى منها قد لا تظهر في حياة الإنسان وتظل تنتظر عوامل التَّربية الَّتي تساعد على نضجها وتفتحها.

وغريزة حب الذات مِنْ وراء هذه الاستعدادات جميعًا تحدد سلوك الإنسان وفقا لمدى نضج تلك الاستعدادات، فهي (أي حب الذات): أ- تدفع إنسانًا إلى الاستئثار بطعام على آخر وهو جائع؛ لأن استعداد هذا الإنسان للالتذاذ (بالقيم الخلقية والعاطفية الَّذي يدفعه إلى الإيثار) کان کامنًا ولم تتح له عوامل التَّربية المساعدة على تركيزه وتنميته،

ب- وهي (أي حب الذات) نفسها تدفع إنسانًا آخر لإيثار الغير بالطَّعام على نفسه؛ لأنَّ هذا الإنسان قد ظفر بلون مِنَ التربية رسختْ ونمَّتْ عنده القيم الخلقية والعاطفية الَّتي تدفعه إلى الإيثار، فأصبح يلتَّذ بالقيم الخلقية والعاطفية ويضحي بسائر لذاته في سبيلها".

وختامًا إنَّ معظم مشاكل الإنسان سوى كانتْ نفسيَّة أو سياسيَّة أو اقتصادية او اجتماعية، وحالات الصراع والخلافات في المجتمع تعود إلى الأنانية وعبادة الذات لأنَّ حب الذات غريزة مركوزة في أعماق الإنسان، وهذا الحب والاعتناء أمر مباح، فمن حق الإنسان أنْ يحبَّ الخير لنفسه، ويدفع الأذى والضرر عَنْ نفسه، ويُحقِّق لها التَّفوُّق وأنْ يكون مقبولًا في المجتمع، غير أنَّ هذا الحب للذات يتحول عند بعضنا إلى حالة مرضية، وعدوانية، واستحواذ على كل شيء، والغاء للآخر وحرمانه وعدم الاعتراف بوجودهِ كإنسان إذا آمن بأفكار الرأسمالية.

سهير الخالدي