صعلوك في القرن الواحد و العشرين... لا أختلف عن صعاليك العصر الجاهلي إلا بالأدوات.
متمرد على سلطة العقل الجمعي و واجباته، أغزو إقطاعيات الخاصة لأهدي العامة و الرعاع نتاج فكري...
أتعبط الأفكار كما تأبط رفيق السلاح و النضال ثابت بن جابر الشر حينما صارع الغول، وكان إذا جاع لم تَقُمْ له قائمة فكان ينظر إلى الظباء فينتقي على نظره أسمنها ثم يجري خلفه فلا يفوته حتى يأخذه فيذبجه بسيفه ثم يشويه ويأكله..
و هكذا أفعل أنا اليوم أصارع غول عقولكم و ما وجدتم عليه أباءكم الذين لا يعلمون شيئاً و لا يهتدون. جائعٌ إلى الحرية ولكن ويل لكم أيها الشباعى, لأنكم ستجوعون.
ذات يوم و أنا أتسكع في غابات شيروود مع أصدقائي اليومنيين، أهداني روبن هود سهمه الأخير من معركته الطويلة مع شريف نوتينغهام و قال لي أفعل ما لم أستطع عليه حسما. و لكن سامحك الله يا نديمي أبا نواس عندما نصحتني بقولك:
إذا كان الزمان زمان حمق
فإن العقل حرمان و شُوم
فكن حَمِقًا مع الحمقى فإني
أرى الدنيا بدولتهم تدوم
ها أنا اليوم أفيق من سكرتي و أخرج من خمارة أبو نواس و هو يصرخ بأعلى صوته مخاطباً النادل:
ألا فاسقِني خمراً، وقل لي: هيَ الخمرُ، ... ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهرُ
فما العيْشُ إلاّ سكرَة ٌ بعد سكرةٍ، ... فإن طال هذا عندَهُ قَـصُــرَ الـدهــرُ
و ماالغَبْنُ إلاّ أن تـرَانيَ صـاحِـياً ... و ما الغُنْـمُ إلا أن يُتَـعْـتعني الســكْرُ
وليت هارباً من مجالسة أبو نواس و رفاقه و لسان حالي يقول (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون).
و بينما ألتقط أنفاسي فإذا بالثأئر الأحمر واقفاً يكفكف دموعه حسرة على فقدان أخته الجميلة المخطوفة عالية معاتباً إياي و نفسه ويقسم بأغلظ الإيمان بأنه لولا بلادتنا لما استطاع مثل ابن الحطيم أن يستمتع دوننا بثمرات كدنا ، فيُقيم في مثل هذه القصر مُتقلبًا في أعطاف النعيم.
مر زمان على لقاءنا يا حمدان قرمط فوجدتك تسلك مسلكهم، و وقع سوطك على ظهور الناس بعد أن عزّ عليك أن يقع على ظهر ثورك فقلت في نفسي كل الناس محكومٌ عليهم أن يعيشوا في هذا الشقاء.
ما الخطأ الذي أوصلنا إلى هذه الحالة؟
في جامع بغداد بعد أن إجتاحها هولاكو و قتل الخليفة العباسي المستعصم و أحرق بيت الحكمة، أعتلى المنبر مخاطباً أهل بغداد معلناً سياسته الجديدة بقوله «أنا ذنوبكم حلت عليكم، أنا غضب الله حل عليكم». ألتفت إليّ جمال خاشقجي متسائلاً «ما الخطأ الذي أوصلنا إلى هذه الحالة؟» فقلت له صَـهْ فَقَدْ لَغَوْتَ. أتسألني و أنت من جاب البلاد شرقاً و غرباً ولك في تورا بورا صولاتٌ و في لندن جولات...!.
ما أنا يا جمال إلا بيكارو لا أبالي كثيرا بالقيم ومسائل الأخلاق ما دام الواقع الذي نعيش فيه منحطا وزائفا في قيمه، يسوده النفاق والظلم والاستبداد والاحتيال حتى من قبل الشرفاء والقساوسة والنبلاء ومدعي الإيمان والكرم والثراء. همي الكبير هو البحث عن لقمة العيش، لذلك فأنا في حياتي مزدوج الشخصية، جاد في أقوالي ونصائحي ومعتقداتي، وذكي أتكلم بالنصائح، وأتفوه بإيمان العقيدة، ولكنّي في نفس الوقت، أسخر من قيم المجتمع وعاداته وأعرافه المبنية على النفاق والهراء. أتسكع في الشوارع وأتصعلك بطريقة عبثية، أقتنص فرص الاحتيال والحب والغرام، منتقلا من شغل إلى آخر كصعلوك مدقع يرفضه القانون وسنة الحياة والعمل، أفضل الارتحال والكسل والبطالة.