تمثال براتيسلافا

براتيسلافا مدينة بدولة سلوفاكية من زار هذه المدينة يجد هناك تمثالاً لعامل نظافة مصنوع  داخل فتحة التصريف نصفه بالخارج والنصف الآخر بالداخل وله قصة عجيبة تعبر عن أسمى معاني الوفاء والمحبة هي قصة لرجل كان يعمل في النظافة وكان يحب فتاة وأراد الإعتراف لها بحبه ولكنه تردد بسبب ماهية العمل الذي يعمله .

وفي النهاية اتخذ القرار بالإعتراف لها بحبه وأخبرها عن حقيقة عمله فما كان منها إلا أن تهربت منه ووعدته أن تقابله في ساعة معينة في المقهى الذي بجوارهم ولكنها لم توفي بذلك الوعد وما كان من الرجل إلا أنه ظل يومياً يأتي لذلك المكان وفي نفس الوقت أملاً في أن تحضر إلى أن انقضى عمره ولم تأتي وكان هناك من الناس من علم بقصته فكان يأتيه أحياناً ليجلس معه لعله أن يؤنس وحدته ويواسيه وتقديراً من للحكومة لهذا الرجل ومحبته الصادقة ووفائه بالعهد قامت بصنع هذا التمثال وأنشات بجواره مقهى تخليدا لذكراه .

وقد استوقفتني الكثير من النقاط في هذه القصة البسيطة في محتواها العظيمة في معانيها  فأول ما يستوقفني هو هذه النظرة العميقة في أذهان وعقول أغلب الناس ليس في أوروبا فقط ولكن عندنا أيضا من أن من يعمل في النظافة وما شابهها من وظائف هو شخص لا يستحق الإحترام والتقدير ولا يستحق النظر له كإنسان من حقه أن يحب ويُحَب أن يعشق ويُعشَق هذه النظرة وهذا الإعتقاد ليسا من الإسلام في شئ وليسا من الإنسانية في شئ ولا يوجد في أي معتقد أو ديانة سماوية .

وأنا في اعتقادي أن هذه الفتاة التي رفضته وكذبت عليه لأنها أنفت من وظيفته أخطأت خطأ عمرها الذي قد تندم عليه ولا تستطيع أن تتلافى آثاره فلو فرضنا أنه عثرت على الشخص المثالي في رأيها وتزوجت به فهل سيكون مثل الذي كذبت عليه متصفاً بهذا الصدق وهذه المحبة وممتلئا بكل هذا الوفاء في الغالب لا.

مما استوقفني أيضاً هذا الكم الكبير من الوفاء بالعهد والميثاق فهو رغم عدم مجيئ تلك المرأة ظل يأتي لنفس المكان وفي نفس الساعة حتى لا يخلف وعده معها والله سبحانه يقول "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا" وهذا الموقف ذكرني بسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حيث أنه قبل البعثة وقبل النبوة يعمل تاجراً وواعده رجل على اللقاء به في مكان معين فتأخر الرجل ثلاثة أيام وظل سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينتظره إلى أن جاءه وما فعل ذلك إلا وفاءاً بالوعد الذي كان بينهما والسؤال الذي يطرح نفسه أين نحن الآن من هذا الوفاء كيف صارت كلمات العهود والوعود والمواثيق لا قيمة لها ينطق بها المرء بسهولة كشرب الماء .