في يوم السبت 24 من جمادى الآخرة 1434هـ الموافق 4 مايو 2013م نعى الديوان الملكي الشيخ صالح عن عمر ناهز 82 عاماً .
هو الزاهد الذي لم يتطلّعْ إلى منصب قط، ولا إلى نفوذ، أو شُهرة، ولا إلى مال، ولم يشفعْ لأحد من أهله أو أقاربه قط، ولم يطلبْ لأحد منهم وظيفة أو مكسباً قط، وهو كان حُجّة في الأنظمة والقانون، تلميذاً جلس إلى الفقيه الدستوري والقانوني السنهوري، وتعلم منه، إلا أنه فاقه في مسائلَ عدة، هو الذي اعتبره ثقاتٌ من العلماء والخبراء والأساتذة الرجل الثالث في العالم العربي والإسلامي، بعد السنهوري من مصر، ومحمد يونس من بنجلاديش، واستدلّوا على ذلك بما أورده الشيخ في استدراكه على أستاذه في خاطرات حول المصرفية الإسلامية، ومشاركته في وضع عديد من الأنظمة.
منذ طفولته، أحبّ القراءة، واستحوذ عليه العلم، ومالَ دائماً إلى البحث والدراسة، وكما أخذ من دراسة القانون، أعطاها وأعطى القانون، وكان موسوعة ليس في العلوم الشرعية، بل في كثير مما كان يُعرَضُ عليه من المسائل والقضايا. وهو فوق ذلك، أعطانا دروساً عدّة رائعة للحياة، لا تزالُ حيّة وستظلُّ كذلك، بل لعلها لا تنتهي. ومنها أنه عندما وجد أن راتبه أصبح 10.000 ريال، وأنه إذا تقاعد سيحصل على 5000 ريال، وهو مبلغ كافٍ لأن يوفر له حياة غاية في الرفاهية!، سأل نفسَه: ماذا سأعمل بما يزيد على هذه الـ 5000 ريال لو انتظرت؟! وتقاعد. الشيخ صالح الحصيّن نموذج إنساني وقدوة باقية لكل من يريد أن يتعلّم، وسيبقى «مثلاً» في كل الأجيال. هنا، سطورٌ من حياته.
ويقول الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عن الشيخ صالح إنه يكاد يُجمعُ كل من عرفه على أنه كان عجينة خاصة، كل مركبات جيناتها من التقوى، والزهد في القول، واللباس، والمأكل، والمشرب، والمركب، والتصرفات، والأضواء، عرف أسرار التطوع ومعاني قوته فكسبه لنفسه، كان قدوة لمحيطه، أدرك زيف الحياة الدنيا وشهواتها ومغرياتها ومظاهرها، وابتعد عنها، عاش حياة التقشف، والبساطة، والسماحة، عازفاً عن البهرجة والمظاهر الزائفة، فكان ليّنَ الجانب، طيب النفس، لطيف المعاشرة، عفيف اللسان، باراً بأهله وبوالديه، كان ينام إلى جوارهما، باذلاً نفسه في خدمتهما، قائماً على طاعتهما، محققاً رغباتهما واحتياجاتهما، مبصراً الجنة تحت أقدامهما.
إنه الشيخ صالح بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز الحصيِّن الناصري التميمي الرئيس العام الأسبق لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، عضو هيئة كبار العلماء، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء سابقاً ـ يرحمه الله.
مولده
وُلِد الشيخ صالح في محافظة شقراء سنة ١٣٥١هـ/١٩٣٢م، ودرس الابتدائية بها عام 1364هـ، ودرس على الشيخ عبدالمجيد الجبرتي الذي أصبح إماماً للحرم النبوي بعد ذلك، ثم انتقل للدراسة بدار التوحيد بالطائف التي كان يرأسها في ذلك الوقت الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع، وكان من معلميها الشيخ محمد أبو زهرة والدكتور محمد أبو شهبة والشيخ عبدالرزاق عفيفي وغيرهم من العلماء الأعلام من مصر وسوريا والمملكة، ودرس فيها على الشيخ عبدالله بن صالح الخليفي، ومكث بها من عام 1366هـ إلى عام 1370هـ. ثم انتقل إلى مكة المكرمة، حيث أكمل دراسته الجامعية بكلية الشريعة بمكة المكرمة، ودرس بها من عام1371هـ إلى عام 1374هـ، وتخرج فيها عام 1374هـ/1955م، ثم حصل على ماجستير في الدراسات القانونية من جامعة القاهرة بمصر.
وذكر في مقدمة كتاب الأعمال الكاملة الشيخ صالح أنه تلَّقى دراسات في حلقات العلم في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، على يد إمامين من أئمة المسجد النبوي الشريف، الشيخ عبدالمجيد الجبرتي وكان شافعياً، والشيخ محمد ثاني علي وكان مالكياً، وعلى يد الشيخ محمد أمين فودة أحد أئمة الحرم المكي، وحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ إسحق كردي.
عمله بالتدريس
عمل الشيخ مدرساً بالمرحلة الابتدائية عام 1368هـ، كما عمل مدرساً بمعهد الرياض العلمي عام 1373هـ واستمر به إلى عام 1375هـ، حيث طُلب وهو في السنة الثالثة من الكلية للتدريس بالمعهد العلمي بالرياض، فصار مدرساً وطالباً في الوقت نفسه، فكان يُدِّرس فإذا جاء وقت الاختبار ذهب إليه، وكان الذي طلبه للتدريس في المعهد هو الشيخ عبدالرزاق عفيفي ـ رحمه الله.
بعد ذلك عيِّن مستشاراً قانونياً بوزارة المالية والاقتصاد الوطني في الفترة من 1380هـ إلى عام 1391هـ. بعدها عيِّن وزيراً للدولة وعضواً في مجلس الوزراء من عام 1391هـ إلى عام 1394هـ. ثم أحيل إلى التقاعد، إلى أن عُيّن رئيساً عاماً لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بمرتبة وزير في ذي الحجة عام 1422هـ. وفي عام 1424هـ اختاره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عندما كان ولياً للعهد، رئيساً لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وقد عقد المركز برئاسته خمسة لقاءات وطنية للحوار الفكري آخرها كان بعنوان «نحن والآخر» وأقيم في أبها.
ذهابه إلى مصر
بعد أن تخرج الشيخ في كلية الشريعة عام 1374هـ وحصوله على المركز الأول، ورغم توفر الوظائف وكثرتها، بالنسبة لمن يحصل على ما حصل عليه، إلا أنه انصرف عنها، وذهب إلى مصر، حيث التحق بمعهد الدراسات العربية العليا الذي كان يتبع جامعة القاهرة في ذلك الوقت، ودرس على الدكتور عبدالرزاق السنهوري «أبو القانون» الذي كان له دور بارز في افتتاح ذلك المعهد.
ويقول الشيخ إنه تتلمذ على الدكتور السنهوري، لمدة سنتين في مادة الفقه المقارن، وتلقى عنه دروسه التي ألقاها، واشترك في حلقة البحث التي ظل السنهوري يعقدها طوال تلك المدة، وكان يقصر حضورها على بضعة طلاب لبحث موضوعات في الفقه المقارن بطريق المناقشة الحرة. ويضيف الشيخ أنه كان يحضر جلسات السنهوري الذي كان لا يعرفه.
ضمن ما يحكيه، يقول: بعد جلسات معدودة، دخل ووزع علينا ورقة اختبار، لينظر في مستوى الحاضرين، ولم أكن كبقية الحاضرين الذين أمضوا مدة في الحضور، فهذه كانت من أوائل جلساتي عنده ولم أكن أمضيتُ عنده مدة بعد، فاستحييتُ وأخذت ورقة الاختبار، وأجبت عن الأسئلة، فلما جاء الدرس التالي، سأل السنهوري: أين صاحب هذه الإجابة؟ فرفعت يدي على استحياء، فأثنى على الإجابة بشكل لافت! وبعدها كان يخصني بمزيد عناية.
بعد أن أمضى ما يقارب خمس سنوات في القاهرة حصل الشيخ على الماجستير، وكان عنوان بحثه «تصرف الفضولي» وقد أطال مدة دراسته في مصر برغبة منه، حتى يتمكن من قراءة ما يستطيع قراءته، حيث كان شغوفاً جداً بالقراءة، وقد قرأ ما يستطيع قراءته من الكتب بمكتبة الأزهر ودار الكتب المصرية، وفي سور الأزبكية. كما درس اللغتين الإنجليزية والفرنسية وألمَّ بهما.
وخلال تواجده في القاهرة كان الشيخ أبرز وأنشط من عمل بصحيفة الرياض في أول نشأتها مع ناصر المنقور والتي أنشأها المؤرخ حمد الجاسر، حيث كانت تطبع بمصر.
إتقانه الإنجليزية والفرنسية
وعن إجادة الشيخ للغة الإنجليزية، يقول عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء الدكتور محمد الفريح إنه دخل مرة رئاسة الحرمين فإذا بوفد من أوروبا أو أمريكا والشيخ يلقي عليهم في مكان مُعدٍّ لذلك، وكان المترجم يترجم ما يقوله الشيخ، فترجم جملة من كلام الشيخ وأخطأ في الترجمة، فقال الشيخ: لعل المترجم لم يسمع ما قلته لضعف صوتي فاجتهد! والصواب من كلامي هو، وتكلّم باللغة الإنجليزية، ثم جعل يتكلم بالعربية، فأخطأ المترجم مرة أخرى، فقال الشيخ: لعلي ثقلتُ عليك، سأتكلم مباشرة معهم، فبدأ يحدثهم باللغة الإنجليزية، والذي منع الشيخ من الحديث مباشرة معهم أن هذا المترجِم قال: سأترجم كلامك، فاستحيا الشيخ أن يرده.
وعن إجادته للغة الفرنسية، يحكي إمام وخطيب المسجد الحرام، عضو هيئة كبار العلماء، المستشار بالديوان الملكي الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد، أنه حينما كان الشيخ شاباً في أول عمله موظفاً في وزارة المالية، كلف مع زميل له بمهمة عمل في فرنسا، وحينما دخلا أحد المطاعم، والفرنسيون لا يتكلمون الإنجليزية، ويصرون على الحديث بلغتهم، بينما زميله دارس في أمريكا ويجيد الإنجليزية، وكان يحاول جهده ما استطاع أن يحدثهم باللغة الإنجليزية، فلم يفلح في أن يتوصل إلى شيء وطال الجدال وضاقت الأنفس، فما كان من الشيخ، وهو الذي يجيد الفرنسية والعليم بها، إلا أن نطق بكلمات يسيرة أنقذت الموقف وانقضى بها الغرض، فالتفت إليه صاحبه قائلاً: أما كان هذا مبكراً، حتى نسلم من هذا التوتر؟ فقال الشيخ بصوته الهادئ الهامس الواثق: لا أتكلم باللغة الأجنبية، إلا من أجل الحاجة وبقدر الحاجة.
السفر إلى باريس
بعد حصول الشيخ على الماجستير، سافر إلى باريس لإكمال دراسته العليا، والحصول على درجة الدكتوراة، إلا أنه رجع بعد عام واحد فقط للعناية بوالدته. وكان الشيخ من أوائل من وطأت قدماه أرض أوروبا، في حقبة كانت أوروبا محط النظر ومقام الإعجاب من بعض أبناء العرب والمسلمين، إلا أنه كان ينظر إليها بكل ثقة، ينتقي النافع، ويكمل الناقص، ويكشف القصور بإحلال القيم والمبادئ الشرعية في الحقوق والواجبات، ليرسم للغربي والمستغرب عالمية الشريعة وشمولها وقيادتها لإصلاح الزمان وإعمار المكان، لما فيها من نصوص حاكمة، وكليات ضابطة، واجتهادات محكمة، تعطي كل ذي حق حقه، وفق مناطاتها وأنماطها ووسائلها ومقاصدها.
العمل بوزارة المالية
بعد عودته إلى المملكة، عمل الشيخ مستشاراً قانونياً في وزارة المالية، ليس بطلب منه، بل إن بعض زملائه ألحّ عليه وأخذ ملفه وقدمه! وذلك في عهد وزيرها المشهود له بالحزم والترشيد الأمير مساعد بن عبدالرحمن، واختير بعد ذلك وزير دولة ورئيساً لهيئة التأديب 1390هـ/1970م، وكلف برئاسة هيئة الخبراء القانونيين في مجلس الوزراء.
ويذكر الدكتور محمد الفريح أن الشيخ من أعلم الناس بالأنظمة والقانون، بل كان يُعدُّ الرجل الثالث في العالم العربي والإسلامي من هذه الجهة، بعد السنهوري ومحمد يونس من بنجلاديش، بل يرى البعض أن الشيخ قد فاق أستاذه السنهوري، كما يفهم ذلك مما أورده الشيخ في استدراكه على أستاذه في خاطرات حول المصرفية الإسلامية، وكان للشيخ اجتهاد في وضع بعض الأنظمة كنظام الصندوق العقاري، كما كان العضو الأبرز في المشاركة في وضع أكثر الأنظمة في ذلك الوقت.
استراحة محارب
فضَّل الشيخ بعد ذلك أن يستريح من الوظيفة العامة ويتفرغ لمجاورة الحرم النبوي الشريف، والإسهام في جهود الدعوة، التي كان يجدها أكثر إمتاعاً وقرباً لنفسه، حيث أحيل إلى التقاعد عام 1395هـ/1975م. وقد برر الشيخ تركه العمل الحكومي باكراً بأنه بعد أن أصبح وزيراً انتظر قليلاً حتى أتم 20 سنة خدمة، وهي الحد الأدنى للسن التقاعدي، ووجد حينها أن راتبه قد أصبح 10.000 ريال وأنه إذا تقاعد سيحصل على 5000 ريال، وهو مبلغ كافٍ لأن يوفر له حياة في منتهي الرفاهية! ماذا سأعمل بما يزيد على هذه الـ 5000 ريال لو انتظرت!!
وينقل عنه د. محمد الفريح قوله عن الوظيفة «لا أذكر البتة أني طلبتُ وظيفة من الوظائف، وكل الوظائف التي تقلَّدتها وعيّنتُ فيها، هي في الحقيقة غصب عني وإكراه أدبي! من بداية أَخْذي من مقاعد الدراسة بكلية الشريعة، لأكون مدرساً في المعهد العلمي إلى آخر الوظائف!».
بل لم يُعيَّن في منصب وزير في عهد الملك فيصل ـ رحمه الله ـ إلا كارهاً، وكان يحاول التخلص من المنصب طيلة السنوات الثلاث، فلما عجز تشفع بالأمير مساعد بن عبدالرحمن ـ رحمه الله ـ فأعفي بعد ذلك. ويحكي د. الفريح عن الشيخ أنه كان يستخفي من المهنئين له بالمنصب الوزاري في بيت أحد أقاربه، لئلا يُظن أنه كان محتفلاً بالمنصب. فقد كان من عادة الشيخ النفور من كل مظهر فيه بروز أو تكلف، بل الغالب عليه هو إنكار الذات واستصغار ما يعمل.
ويذكر الدكتور الفريح أن الشيخ كان يشفع لكل من يقصده، بل كان يشفع لأفراد وجماعات مع علمه أن بعضهم يستغلَّه، لكنه كان يستحي أن يرد أحداً فلا يُحصى عدد الشفاعات التي كتبها. ومع كثرة شفاعاته، إلا أنه لم يكن يكتب لأقاربه الأقربين شفاعة في أمور طلب الوظائف أو غيرها من الأمور، بل لم يكتب طلباً لنفسه، أو طلباً لأحد من أقاربه الذين حوله!
رئاسة الحرمين
بعد أكثر من 25 سنة من التقاعد، تم استدعاء الشيخ في عام 1422هـ/2002م لواجب الخدمة في أشرف موقع يمكن أن يجمع فيه بين سدانة الحرمين الشريفين وخدمة المسلمين، إلا أنه اعتذر، فطلب منه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ أن يمكث مدة سنتين فقط، حيث عيِّن رئيساً عاماً لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بمرتبة وزير، وكان يحاول الإعفاء بلا فائدة حتى زاره الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ في المستشفى ورأى وضعه الصحي فقبل طلب إعفائه بعد أن أمضى 12 سنة.
في الوقت نفسه اختير عام 2004 مشرفاً على برنامج الحوار الوطني الذي تبناه الملك عبدالله، وظل يسهم بكثير من المشروعات ذات الطابع الخيري والإنساني، ويواصل ـ دون انقطاع ـ هوايته في البحث العلمي الجاد.
ويقول د. الفريح إنه على الرغم من أن العادة جرت حين يعيَّن الشخص في منصب ذي شأن أن يشكر المسؤولين على التعيين، إلا أن الشيخ كان يتقدم بالشكر عند الإعفاء من منصبه، وكان يُظهر الامتنان والتقدير للإعفاء.
موسوعة علمية
كان الشيخ موسوعة علمية متحركة، حيث كانت مداركه المعرفية والعلمية متنوعة، فقد ألمَّ باللغتين الإنجليزية والفرنسية، كما ألمَّ بمبادئ الاقتصاد والعلوم الطبية، وبأفكار بعض الفلاسفة المسلمين والغربيين، مما جعله يبحر في الحديث الفلسفي واللغوي والطبي، عندما يطلب منه التعليق في بعض المحافل الفكرية والثقافية.
ولم يكن التخصص الشرعي هو الغالب على مجموع المعلومات التي يحوزها، رغم أن كثيراً من الناس يحسبونه على العلوم الشرعية فقط، فهو كثيراً ما كان يُدعى ــ على سبيل المثال ــ للحديث في مسألة التورق والاقتصاد من منظور إسلامي، فتظنه المتخصص أكاديمياً في هذا الشأن، بسبب ما يستبينه الحاضرون من تعمقه في الموضوع ومعرفة فروعه، بينما هو في الواقع اكتسب المعرفة في الاقتصاد من خلال اهتماماته الشخصية وقراءاته الذاتية.
وقد ظلَّ الشيخ يسهم بنشاط في مجال «المصرفية الإسلامية» من خلال كتابة المقالات، والمشاركة في الندوات، وإلقاء المحاضرات، في محاولة لتصحيح مسار المصارف الإسلامية، ومقاومة انحرافها عن وظيفتها المميزة، أي التعامل بالنقود لا في النقود، كما رسمها المنظرون الأولون للمصرفية الإسلامية، وتحقيقها المبادئ القرآنية للتعامل في المال بأن يكون قياماً للناس، وألَّا يكون دولة بين الأغنياء منهم، وألَّا يُظلم فيه الناس ولا يظلمون في مجال العمل. وللشيخ الحصيِّن كذلك دور مهم في دعم التعليم، وقد كان عضواً في المجالس العليا لعدة جامعات سعودية.
شغفه بالعمل الخيري
كان الشيخ شغوفاً بالعمل الخيري والإنساني داخلياً وخارجياً، ولديه مشاركات فاعلة فيه، خاصة من خلال رئاسة مجلس مؤسسة الوقف الإسلامي، ويُعد من أكثر المساندين للعمل الوقفي والحرص على تصحيح مسيرته وتحسين أدائه، كما تولى الشيخ رئاسة عدة جمعيات خيرية وهيئات شرعية منها رئيس جمعية هدية الحاج والمعتمر الخيرية، ورئيس الجمعية الخيرية الصحية لرعاية المرضى «عناية»، ورئيس الهيئة الشرعية في قناة المجد الفضائية.
وكان للشيخ صالح وأخيه الشيخ سعد وأخيه الوزير عبدالله، حساباً واحداً ينفقون منه ويتصدقون، ولا يدخرون شيئاً فوق الحاجات الضرورية. ويقول أخوه الشيخ سعد: «لا أذكر أنَّا أخرجنا زكاة المال، لأن كل المال الزائد يُخْرج لمستحقه قبل حلول الحول عليه، وقد أخذ علينا أخي صالح ألا ندخر شيئاً فوق الحاجة فكان ذلك، وكان حسابنا مشتركاً».
وشارك الشيخ في إحدى الهيئات الشرعية لأحد البنوك الإسلامية، وكان يرفض أن يأخذ شيئاً مقابل عمله في تلك الهيئة الشرعية البنكية وحمل جميع الأعضاء على ذلك، فانسحب بعضهم «بحُجّة: كيف نعمل بلا مقابل؟»! واستمر الشيخ عشر سنين، لم يقبض خلالها هو ومن معه شيئاً مقابل عملهم، فلما ترك الهيئة صُرِفَت الأموال مقابل العمل!
جائزة الملك فيصل العالمية
تقديراً لجهود الشيخ المتميِّزة في خدمة الإسلام والمسلمين فقد نال جائزة الملك فيصل العالمية في دورتها الـ 29 عام 1426هـ/2006م، في مجال خدمة الإسلام، مناصفة مع الشيخ يوسف الحجي الكويتي الجنسية، وكان الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء قد أعلن عن منح الشيخ الجائزة «تقديراً لدوره البارز في الدعوة الإسلامية وأعمال البر، والحرص على الوسطية في المجتمع الإسلامي. وله بحوث رصينة في مجال الاقتصاد الإسلامي، وقدرته على استيعاب تطورات الاقتصاد العالمي الحديث».
أولاده
للشيخ أربع بنات وابن واحد هو الدكتور عبدالله الذي يعمل أستاذاً في كلية الهندسة بجامعة الملك سعود بالرياض.
وفاته
مع بداية عام 1434هـ كان المرض على موعد مع الشيخ، حيث دخل العناية المركزة بمستشفى الحرس الوطني بالرياض، بعد تدهور في حالته الصحية. وفي يوم السبت 24 من جمادى الآخرة 1434هـ الموافق 4 مايو 2013م نعى الديوان الملكي الشيخ صالح عن عمر ناهز 82 عاماً، حيث توفي بعد معاناة مع المرض، وأديت الصلاة عليه عقب صلاة عصر يوم الأحد 25 جمادى الآخرة 1434هـ الموافق 5 مايو 2013م بجامع الراجحي بالرياض، وأمَّ المصلين عليه سماحة الشيخ صالح اللحيدان، وأدى الصلاة عليه جمع من العلماء والمشايخ والأمراء يتقدمهم صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وأمير منطقة الرياض، ودفن بمقبرة النسيم بالرياض، رحم الله الشيخ رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته.