دعوني أعرفكم بنفسي في البداية..
أنا رفيف، كائن بشري يعيش ويحاول أن يتعايش في هذا العالم الملئ بالخراب.
لاحظت مؤخرا ظاهرة، تصنف من الظواهر الأكثر ألما في تاريخ البشرية، حين كنت اراقبها من بعيد لم أكن اهتم كنت فقط أشعر بألم طفيف، ولكن حين بدأت الاقتراب مني كالأفعي وتبث سمومها بجسدي لم أحتمل وبدأت روحي تتغتت ببطئ.
مؤخرا كان الناس يرددون "كله رايح" علي سبيل السخرية والمزاح، واجزم أنهم اذا تعمقوا فيما تحويه من معاني مؤلمة وذكريات قاتلة لما اقترب منها أحد.
منذ صغري وقد تعودت علي الهجران، بدأ الأمر حين عدت إلي مدرستي الابتدائية بعد إجازة نصف العام لأجد صديقتي المقربة قد رحلت بلا رجعة وهي التي كانت الصلة الوحيدة بيني وبين البشر وقد كنت من الأساس وحيدة منعزلة قبلها..
وبعدها حين حاولت أن أسير مع التيار وأحذو حذو أخري لأكتشف بعدها أنني لا شئ بالنسبة إليها، مجرد أداة للوصول إلي منصة المتفوقين التي ألقتني من فوقها بلامبالاة..
وحين رأيت ذاك الذي سري سريان الدم في قلبي يتواري جسده تحت التراب بعد الكثير من الوعود الزائفة بعدم الهجران..
وحين أخبرني والدي وبكل صراحة وبدون أدني شعور بلأحلام التي صرعها وهو يشير علي أخي: "يا ستي بلا تعليم بلا وجع دماغ، أنتي اخرتك بيتك وجوزك مش هتقعدي هنا كتير بس هو اللي باقي لي." وكم سعدت وأنا أراه الأن علي فراش الموت ومن ظنه الباقي قد فني ومن ظنها الفانية قد بقيت..
وحين اعتبرتها كل ما أملك وسمعتها وهي تتحدث عني بالسوء لتفز بحبيب لم يكن ملكي من الأساس..
عند الحديث عن الفراق ينقسم الناس نصفين نصف ساخط متألم ونصف يدعي الرضي قائلا "هذه سنة الحياة فنحن من التراب وإليه نعود."
حسنا فليرحل من يشاء ولكن مالي اتألم برحيلهم؟
لماذا يجب أن أفقد جزء مني مع كل شخص يرحل؟
لماذا لا يرحلون فقط في صمت؟
لماذا لم نكن بشر بلا مشاعر؟ كان من الممكن ألا نتألم وقتها.
رغم الأشياء الكثيرة المؤلمة المنتشرة إلا أن الفراق أكثرهم ألما مع الأسف.
فليس بهين رحيل أحدهم فجأة وقد تشكلت حياتك علي وجوده.
لتجنب شدة الألم هناك حلين لا ثالث لهما رغم استحالة حدوث أيا منهما..
إما تجنب البشر..
وإما أن تضع قلبك ومشاعرك داخل البراد فيكتسب جزءا من برودته فيصبح غير قابل للإحساس بأي شئ سوي البرودة..
وبعد كل ذلك مازلت تائهة ابحث عن ذاك الذي يشبهني، لا تشابه الملامح الذي يتباهي به الجميع بل تشابه الروح الذي لا يجده الجميع.
لعلني أجده عما قريب..
هذا ما كنت أقوله في الأيام العادية حين كنت صغيرة بلهاء بينما الأن، وبعدما فاض بي الألم حتي أكاد أسمع تأوهات قلبي النازف، لن أقولها، ولن انتظر حتي أجده.
تذكرت علي حين غفلة قول الطبيب أن الجرعة الزائدة من الدواء قد تؤدي بحياتي..
وبما أن الممنوع مرغوب..
وبما أن وجودي كغيابي..
فها أنا أكتب لكم مأساتي فيما ينتشر ذلك السم في جميع أنحاء جسدي..
لا أريد شفقة من أحد بل فقط دعوة صادقة..
وحاولوا قدر المستطاع الابتعاد عن أشباه البشر..
فهم أكثر الكائنات المؤلمة تواجدا علي الكوكب..