نحو تعزيز الاتجاه الليبرالي الديموقراطي المتناغم مع تعاليم الاسلام في عالمنا العربي كبديل عن الأصولية الدينية أو الراديكالية العلمانية!

*************************

Image title

سؤال: هل الدول الحالية المسماة بالدول الإسلامية أو المسلمة كمصر والعراق والأردن والمغرب وليبيا والسعودية – أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي - هي دول غير مسلمة كما يقول بعض الأصوليين الإسلاميين (التكفيريين) و(القطبيين) ومن على شاكلة داعش!؟....

الجواب: لا ... بل هي دول عربية ومسلمة كما يعترف لها بهذه الصفة وهذه الهوية كل سكان العالم!.... وعن هذه الدول والمجتمعات والبلدان أتحدث لا عن مجتمعات أخرى حقيقية أو متخيلة أو افتراضية في الهواء بدون جذور ولا وجود لها على الأرض!.. على شعوب وعقلاء هذه البلدان العربية والمسلمة – ولو يكونوا من العرب والمسلمين - أعرض مشروعي – مشروع العرب المسلمين الليبراليين - للدولة (الوطنية) الحديثة والممكنة في هذه البلدان خلال الزمن المنظور، وباعتبار أن السياسة هي (فن الممكن) وليست (فن التحليق المجنح) في عالم الخيالات الطوباوية والاحلام الرومانسية والمشروعات المثالية الافتراضية!.

سؤال: لماذا مشروعنا السياسي والدستوري يقوم على أساس مبدأ الدولة (الوطنية) !؟

الجواب: لأن العصر والواقع هو عصر وواقع (الدولة الوطنية) لا الدولة القومية بالمفهوم العرقي للقومية ولا الدولة الدينية (الثيوقراطية) التي تحكمها المؤسسة الدينية ورجال الدين ولو من وراء ستار لقب (المرشد والمفتي والولي الفقيه!).. فعصر الدول القومية بالمفهوم العرقي والدولة الدينية التي تحكمها الكنيسة والبابا وكذلك عصر الامبراطوريات العابرة للبلدان والقارات بما فيه الإمبراطوريات الإسلامية السالفة والتي كانت آخرها الدولة العثمانية المسلمة قد انتهى، كما انتهى عهد الإمبراطوريات القائمة على ايديولوجيات مثل امبراطورية الاتحاد الشيوعي السوفيتي التي تحللت بقوة الطبيعة الإنسانية وفطرة الانسان ونتيجة رفض الواقع البشري (الفطري) للعقائد الطوباوية المثالية غير الواقعية مهما كانت تلك العقيدة جميلة الشكل نبيلة النوايا والاهداف، كنموذج فكري انساني هندسي من نماذج المدن الفاضلة والعادلة التي تداعب خيال ومشاعر البشر فتطير بهم نحو الآفاق لكن سرعان ما تجذبهم الجاذبية الطبيعية الأرضية وبالتالي إذا قفزوا عاليًا في الهواء وحلقوا على ارتفاع شاهق في لحظات أحلام طوباوية وهيام ثوري رومانسي معتقدين أن أذرعتهم ستتحول إلى اجنحة!، فهم حتمًا سيسقطون ويهوون نحو الأرض بقوة الجاذبية، فتخطفهم سباع الجو أو تهوي بهم الريح في مكان سحيق وتكون النتيجة كما شاهدنا من تجارب بشرية من هذا النوع الحالم!!... إذن ... نحن مع مشروع (الدولة القطرية الوطنية) (مصر/ليبيا/تونس/ قطر/السعودية/الأردن/سوريا/موريتانيا/الصومال...الخ) وضد أي مشروع أممي وامبراطوري – ولو باسم الوحدة الإسلامية أو العربية (*) - بما فيه الاتحاد الأوربي غير الواقعي والذي نعتقد أنه سيسير نحو الانحلال أو يتحول إلى مجرد منظمة أوروبية لتنسيق الجهود في السلم والحرب بين الدول والبلدان القومية والوطنية الأوربية!

سؤال: لماذا مشروعنا السياسي الدستوري يدعو للدولة الليبرالية الديموقراطية غير العلمانية وغير الدينية!؟؟

الجواب: علينا أولًا أن نفهم ما هي المفاهيم الصحيحة والحقيقية لمثل هذه المصطلحات السياسية مثل الليبرالية والديموقراطية والعلمانية ثم نعمل على توطينها وتكييفها مع ظروف مجتمعنا وثوابته الثقافية لنضمن لها البقاء والارتقاء، فلابد لأي (نبتة) أن تتغذى من بيئتها وتتكيف معها لتبقى وترتقي!.

سؤال: ما هو مفهوم كلمة (ليبرالي) في الفكر السياسي الحديث؟

الجواب: كلمة (ليبرالي) (Liberal) معناها اللغوي اللفظي في لغات الغربيين تُرادف باللغة العربية كلمة (تحرِّري) liberty كأنما عبارة (الليبرالية) تعني بمفهومها المزيد من الانطلاق والتحرر من القيود والأغلال والتدخلات (الاجتماعية) في حريات وخصوصيات الأفراد (شؤونهم وحياتهم واملاكهم الخاصة) من أجل نيل الانسان (الفرد) المزيد من الحرية (freedom) والاستقلالية (Independence)... وأما في الاصطلاح الفكري والسياسي فإن عبارة (ليبرالي) أصبحت تُقال ويُراد بها أحد الأمور التالية:

1 – المفهوم الأول:

ليبرالي بمعنى الإيمان بالمذهب الفردي الذي يقوم على أساس تعظيم وتقديس إنسانية وفردانية الانسان وحقوقه الشخصية كحرية العقيدة والمِلكية والخصوصية وحرية التعبير والتنقل والعمل في مواجهة النزعات الجماعية السلطوية والشمولية التي تتغول على حقوق وحريات وأملاك الافراد بشعارات قومية أو وطنية أو دينية أو أيديولوجية مثل الشيوعية أو النازية أو الفاشية أو الاشتراكية القومية أو الاسلاماوية السلطوية كما في نموذج دولة داعش...الخ .... فمن يؤمن بعظمة وقدسية الافراد - كأفراد مستقلين يتمتعون بشخصية إنسانية فردانية لها مجالها الخاص – ويؤمن أن هؤلاء الافراد هم الأساس الذي يقوم عليه المجتمع، فالمجتمع هو مجموع الافراد مع نظام اجتماعي ثقافي وحقوقي واخلاقي وسياسي يقوم على حفظ حقوقهم، بل ويؤمن بأن غاية قيام المجتمعات والدول والأنظمة السياسية القومية والوطنية هو الحفاظ على هؤلاء الافراد وحماية حقوقهم وتنميتهم وحماية فردانيتهم باعتبارهم هم اللبنات الأساسية للمجتمع، ويؤمن بأن الافراد ليسوا مجرد (أرقام) و(أدوات) للمجتمع وخدم وعبيد وجنود لدى الدولة أو لدى الوطن والقوم والدين بل المجتمع والدولة والقوم والوطن والدين ما وُجدت - أصلًا وفصلًا - إلا لخدمة هذا الانسان الفرد ومساعدته على البقاء والارتقاء والتميّز والتفوق والتفرد!... من يؤمن بكل هذه القيم والأفكار والمعتقدات الفلسفية والفكرية فهو مؤمن بـ(المذهب الفردي) الذي يقوم على مبدأ أولوية (إنسانية وفردانية الانسان) على الجماعة والمجتمع والأمة والدولة ويُؤمن بقدسية المجال الفردي الشخصي (المادي والمعنوي) الخاص بكل انسان فرد ... فمن يؤمن بهذه الأفكار والمبادئ والمعتقدات – إذن - هو صاحب توجه ليبرالي (تحرري) من الناحية الفلسفية سواء كان علمانيًا أو متدينًا، سواء أكان مؤمنًا يؤمن بوجود الله أو كان مُلحدًا يؤمن بعدم وجود الله، فهو في الحالتين (ليبرالي)!، فالليبرالية بالأساس فلسفة وثقافة اجتماعية تقوم على تقديس حرية وحقوق الافراد انبثقت عنها فلسفة اقتصادية تمثلت في نظام السوق الحرة وحرية الاقتصاد!.. هذه الليبرالية من حيث المبدأ الفلسفي والثقافي، ثم تختلف تطبيقاتها وتنزيلاتها على الواقع الاجتماعي والقانوني من مجتمع إلى آخر!.. وتختلف في الحدود (القانونية) والقيود (الاجتماعية) المفروضة على هذه الحريات الفردية والشخصية من مجتمع ليبرالي إلى آخر!.... ونحن – كمسلمين ليبراليين وديموقراطيين - نعتقد أن تعاليم الإسلام – وخصوصًا في نصوص القرآن - تصب في هذا الجانب الذي يُؤكد على إنسانية وفردانية الانسان وحماية حقوقه الشخصية وملكيته الخاصة بل واعتبار مجاله الخاص الحيوي المادي المتمثل في جسمه ودمه وماله و(محل سكناه)، ومجاله الخاص المعنوي المتمثل في عرضه وخصوصيته وأسراره و مشاعره الإنسانية وكرامته الآدمية ومعتقداته الشخصية ومنها عقيدته الدينية هو خط أحمر يجب احترامه وعدم المساس به، أي أن هذه الحقوق الفردية (المادية والمعنوية) تدخل في مجال (الحرام) – بالمفهوم الديني الشرعي - ولهذا تُسمى (حرمات الانسان) أي (الحقوق) التي لا يجوز لأحد المساس بها او التغول والتطفل عليها إلا بالحق!، أي بدافع الضرورة القصوى القائمة على العدالة أو المصلحة العامة التي تبيح للسلطان الاجتماعي (الدولة) التدخل فيها بقوة القانون لمسوغ قانوني مشروع وهو أمر استثنائي طارئ وموجود في كل قوانين الدول الليبرالية والديموقراطية المعاصرة، فلكل مجتمع حدوده وقيوده الاجتماعية على حريات وملكيات الافراد ولكل مجتمع عقوبات يفرضها على الافراد إذا انتهكوا الحقوق الخاصة أو العامة وهي عقوبات قد تحد من حرياتهم الفردية (كالحكم بالحبس مثلًا)(التثبيت المكاني) أو تمس ملكياتهم الفردية وأموالهم (كالحكم بالغرامة مثلًا)، فهذه العقوبات وما شابه هي في الحقيقة (تعدي اجتماعي سلطوي) على حقوق وحدود وحريات الأفراد ولكنه (تعدي مشروع ومبرر) يقوم على الحق والعدل نتج عن تعدي هذا الفرد (الحر) على حقوق مادية ومعنوية خاصة لأفراد آخرين، أو تعديه على حقوق مادية ومعنوية عامة تتمثل في حقوق (الجماعة الوطنية/المجتمع)!.... فحفظ حقوق الافراد الأساسية والشخصية ومنها حرية الإيمان أو عدم الإيمان، وحرية التملك وقدسية الملكية الخاصة وحرمة الخصوصية أمر موجود في تعاليم الإسلام مما يؤكد على ليبرالية الإسلام بهذا المفهوم الأساسي الذي ذكرناه ... كما أن الإسلام - مع تعظيم حرية التملك وقدسية الملكية الخاصة – يؤكد على حرية السوق والتجارة بغرض الربح وتنمية الثروات الخاصة والعامة من حيث المبدأ وهو ما يتفق مع الجانب الاقتصادي لليبرالية والذي أطلق عليه الشيوعيون (الرأسمالية)!.. فالاسلام يبيح من حيث المبدأ تملك الافراد والعوائل لوسائل الإنتاج ويبيح لهم تنمية ثروتهم الخاصة ولكنه في الوقت ذاته يفعل كما تفعل كل النظم الليبرالية من حيث تنظيم ممارسة هذه الحريات وفق نظام عادل بحيث لا يطغى فرد على فرد أو يطغى الفرد على المجموع أو العكس!، فلابد مع الحريات الفردية من نظام قانوني واخلاقي يقوم بتنظيم طريقة التملك وما هو جائز وغير جائز التملك؟ وينظم طرق تبادل الملكية بين الافراد... وبالتالي الإقرار بحريات وحقوق الافراد الشخصية من حيث المبدأ لكونهم هم اللبنات الأساسية في البنيان الاجتماعي سواء في النظام الإسلامي أو الليبرالي لا يعني أن ليس للعائلة والمجتمع والجماعة والدولة بل والنوع البشري ككل حقوق عامة مقابل هذه الحقوق الفردية الخاصة... بل يعني أن الأساس الذي يقوم عليه البنيان الجماعي والقانوني والسياسي من حيث المبدأ ينبغي أن يقوم على احترام إنسانية وفردانية الافراد وحقوقهم المعنوية والمادية وعدم تحويل المجتمع الإنساني إلى مجرد (قطيع جماعي بشري) أو تحويل الافراد إلى خدم وعبيد للدولة أو تروس في ماكينتها ليس لهم أية قيمة ولا حرمة ولا مجالهم الخاص باسم الدولة القومية أو الوطنية أو الاشتراكية أو الشيوعية أو البابوية الدينية!... الخ...

2 – المفهوم الثاني:

ليبرالي بمعنى أنه صاحب اتجاه إدراكي وسلوكي مستقل ومتحرر عن الأفكار والعادات التقليدية السلفية المحافظة السائدة في مجتمعه وعصره ومصره، فالليبرالي هو صاحب عقل متحرر مستنير يستهدف التجديد ويرفض الاجترار والتقليد الاعمى لما هو سائد، فكل فقيه إسلامي متحرر مجدد هو في الحقيقة فقيه (ليبرالي) بهذا المفهوم الذي ضد (الفقيه المحافظ المقلد) الذي يجتر التراث بشكل أعمى دون وعي كالببغاء!!.... ولكن علينا هنا أن نميّز بشكل دقيق وعميق بين (الليبرالية) و(الإباحية)!، فالليبرالية فلسفة انسانية عقلانية تقوم على تعظيم واحترام فردانية الانسان وحريته واستقلاليته الشخصية، وتنشد (تحرير الانسان) وتحقيق المزيد من الحرية للأفراد من خلال المزيد من التحرر من كل القيود الظالمة والتدخلات المتعسفة (المفتعلة) وغير المنطقية وغير الطبيعية وغير العادلة التي تتغول على كرامة وحقوق الافراد ولكن على أن يتم ذلك في اطار اجتماعي منظم عادل يوازن بين حقوق الافراد وحقوق المجتمع ككل.. أما (الإباحية) فهي دعوة غير عقلانية للتهتك والانفلات والانحلال من الضوابط الاجتماعية والاخلاقية والدينية على العلاقات والممارسات خصوصًا فيما يتعلق بمارسة الجنس بل هي في حقيقتها دعوة لإعلاء الجانب الجسماني والحيواني (البهيمي) والشهواني للإنسان على حساب الجوانب الأخرى الروحانية والاخلاقية والاجتماعية!.. الإباحية تستهدف تحويل البشر إلى ((قطيع مسعور من الحيوانات الذكية المشغولة ليل نهار بلذات الجنس بدون حدود ولا قيود))، وتنظر للقيم والحدود الاجتماعية والاخلاقية والدينية والروحانية بل وللقيم العائلية بشك وكراهية بل وبعداوة!.. فهي، بالنسبة إليها، كلها قيود على حرية الاستمتاع المطلق باللذات الشهوانية الجسمانية،

3 – المفهوم الثالث:

ليبرالي بمعنى أنه صاحب توجه وسلوك يرفض السلطوية والشمولية التي تتدخل بغير وجه حق في حريات الافراد وخصوصًا حقوقهم وحرياتهم الشخصية التي هي أهم – عند الليبراليين - حتى من الحقوق والحريات السياسية التي جاءت بها الديموقراطية!... فالليبرالية ترفض التسلط على الافراد، ترفض كافة أنواع السلطوية بما فيها السلطوية الشمولية التي قد يمارسها الآباء على الأبناء أو العكس!.. أو التي يمارسها الأزواج على الزوجات أو العكس!... ورفض الليبرالية للسلطوية لا يعني أنها ترفض السلطة!!، فمفهوم السلطة غير مفهوم السلطوية!.. فوجود السلطة على مستوى العائلة والدولة والشركات والمؤسسات العامة والخاصة أمر مهم وضروري ومفيد جدًا للأفراد لكن عندما ينزلق من يتولون أمر السلطة نحو الديكتاتورية والسلطوية فإن هذا الأمر هو الخطوة الأولى نحو التحكم الشمولي أي السيطرة الشاملة على الآخرين والتدخل في أخص خصائصهم وخصوصياتهم وهذا هو مفهوم السلطة الشمولية!.. وبهذا المعنى فالدولة الليبرالية هي بخلاف الدولة السلطوية الشمولية كحال الدول التي كانت في عهد الشيوعية والنازية والفاشية والدول ذات الطابع القومي الاشتراكي كالدول العربية أيام كانت تحت سيطرة القوميين الاشتراكيين العرب أو كدولة اسبانيا أيام فرانكو!... أو دولة الدواعش الاسلاماوية!.

وهكذا فهذه هي المفاهيم الأساسية لليبرالية ... وللعلم فإن أوروبا مرت بمرحلة الليبرالية وخصوصًا في بريطانيا قبل أن تصل إلى مرحلة الدولة الديموقراطية بصورتها الحالية!.... فالليبرالية هي فلسفة وثقافة اجتماعية وفردية تتعلق بشكل جوهري باحترام إنسانية وفردانية الانسان الفرد وحقوقه الشخصية، وقد توجد دولًا ليبرالية بهذا المعنى فيما يتعلق بقوانينها وسلوك الدولة حيال الحقوق الشخصية للأفراد... ولكنها قد لا تكون دولة (ديموقراطية) بالضرورة!.. فالديموقراطية طريقة سياسية إدارية يتم من خلالها تداول الحكم والسلطة بين الفرقاء السياسيين وفق الدستور ووفق إرادة الجمهور من خلال انتخابات عامة نظيفة وشفافة والدولة الديموقراطية بسبب شيوع الشعبوية قد تتحول إلى ديموقراطية شعبية تتغول في قوانينها وسلوكها السياسي على حقوق الافراد!.. فالليبرالية شيء والديموقراطية شيء آخر!.... وأما (العلمانية) أو (اللادينية) فهي نشأت كفكرة وحركة منذ قرون – بعد حركة الإصلاح الديني في أوروبا انطلاقًا من ألمانيا بقيادة حقوقي سابق ورجل دين يُدعى (مارتن لوثر)... فالعلمانية نشأت في أوروبا (المسيحية) في خطين متوازيين؛ الخط الأول كان يتمثل في رد فعل بعض الملوك المتمردين (البروتستانت) وغيرهم ضد تسلط (البابا) والكنيسة الكاثوليكية وتدخلها في السياسة وشئون الحكم مما نتج عن تمرد هؤلاء الملوك الحد من سلطان البابا والكنيسة الأم على سلطان الدولة، حيث تمكن هؤلاء الملوك من الحد من تدخل الكنيسة ورجال الدين في شؤونهم وسلطانهم وتمت تسميتهم بالملوك (العلمانيين) بمعنى الملوك (الدنيويين) أو (اللادينيين) أو (غير المتدينين)! .. والخط الثاني جاء مع نظرية أو ثورة رجل دين وفيلسوف وعالم فلك بولندي يدعى (كوبرنيكوس) كرد فعل من (العلماء) ضد تدخل الكنيسة ورجال الدين في شؤون (العلم) حيث كانت الكنيسة ترفض أي محاولة لتفسير الظواهر الكونية والفلكية بشكل يبدو متعارضًا مع ما جاء في نصوص الكتب الدينية المقدسة!... وهكذا تكونت العلمانية أو العالمنية كمذهب ينادي بالفصل بين الدين والدولة من جهة وبين الدين والعلم من جهة ثانية.. والعلمانية سواء كتبناها وقرأناها بفتح العين (العَلمانية) كما يرى البعض وهي مشتقة من كلمة (العالَم) بمعنى (الدنيا)، أو كتبناها وقرأناها كما هو شائع بكسر العين (العِلمانية) بدعوى أنها مشتقة من العلم، فهي تعني بالمحصلة مذهب يدعو إلى الفصل بين الدين والدولة أو بمعنى أدق فصل الدولة عن الدين، ويدعو أيضًا إلى الفصل بين الدين والعلم، أو بمعنى أدق فصل العلم عن الدين!.. وهذا المصطلح (العلمانية) بفتح العين أو كسرها هي الترجمة العربية لكلمة Secularism والتي تعرفها دائرة (المعارف البريطانية) بأنها ((حركة تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالدنيا))!... وقد تطورت لتصبح حركة مضادة للدين والمسيحية خاصة ثم في عصرنا الراهن أصبح العدو الأول للعلمانيين هو الإسلام باعتباره الدين الأكثر نشاطًا واستقطابًا للشباب في العالم من جهة ومن جهة لأنه يتضمن في تعاليمه أبعادًا سياسية تتعلق بربط دولة المسلمين بدينهم كعقيدة وشريعة للمجتمع السياسي العام!، وهو ما يخالف التوجه العلماني وكذلك التوجه الالحادي واللاديني، مما يجعل الإسلام هو الخصم الأول لكل هؤلاء!!... والحل يكمن في الفهم والتفاهم بين هؤلاء وبين الليبراليين والديموقراطيين المسلمين أي من يتمسكون بمبدأ (الإسلام دين الدولة) ويرفضون منع المجتمع المسلم من التمسك بشريعته تمسكه بعقيدته مع دعوتهم إلى تحرير تعاليم الإسلام من الفهم الأًصولي والسلفي والمذهبي والسلطوي والشمولي وتحريره من قبضة ومخالب الجماعات الأصولية المتطرفة!... فالليبراليون المسلمون – وأنا أحدهم – دعونا ولازلنا إلى ضرورة التفاهم العقلاني الواقعي لإقامة دولة ديموقراطية في البلدان العربية والمسلمة تتمتع بقدر كبير من التسامح والليبرالية وتحترم دين وهوية الأغلبية وكذلك دين وهوية الأقليات وبالطبع حقوق وحريات الافراد.

إذن فهذه هي العلمانية وهذه هي الديموقراطية ... وتلك هي الليبرالية .... ولابد من أجل فهم علمي وموضوعي للأمور التمييز بين هذه المذاهب الثلاث من جهة ومن جهة التمييز بين تطبيقاتها العملية في نماذج الدول الغربية الحالية فليس هناك تطبيق نموذجي فلكل بلد تطبيقه ونموذجه الخاص المتكيف مع ظروفه الثقافية والوطنية والتاريخية!.

وهكذا فإنني كمسلم ليبرالي وديموقراطي لا أجد أي تعارض حقيقي وفعلي بين تعاليم الإسلام وبين الليبرالية أو بين الديموقراطية... أما العلمانية خصوصًا بمفهومها الأصولي الطوباوي الراديكالي كالذي يتبناه الكثير من العلمانيين العرب وغير العرب في مجتمعاتنا العربية والمسلمة فبلا شك هو مذهب يتناقض مع الإسلام كدين للمجتمع المسلم وبالتالي لدولة هذا المجتمع المسلم والشعب المسلم!!، لذا أنا مع مشروع ((لبرلة ودمقرطة)) هذه الدول (العربية المسلمة) أي مدها بالمزيد من جرعات التسامح الديني والقيم الليبرالية والإجراءات الديموقراطية في نصوص قوانينها وسلوكها السياسي العام وبما يطيق المجتمع العربي والمسلم بثوابته الأساسية وخطوطه الحمراء التي يجب احترامها وعدم المساس بها فلكل مجتمع قيوده وحدوده الاجتماعية التي يضعها كحدود للحريات الفردية والشخصية!... أما (العلمنة) فلن تنجح ولن تفلح وستزيد طينتنا بلةً وعلتنا في العالم العربي علةً !!... بصراحة مشروع العلمانيين في منطقتنا الذي يغطونه أحيانًا بلافتة (الحداثة) هو مشروع يستهدف تجريد المجتمع المسلم بدولته المسلمة من الإسلام وجعلها دولة بلا دين بدعوى أن الدولة ينبغي أن تكون بلا دين!.. وهو أمر أولًا غير (ممكن) عمليًا وسينتج عنه كرد فعل اجتماعي مزيد من التطرف الاصولي الديني – فلكل فعل رد فعل مخالف له في الاتجاه وربما أشد منه في القوة في عالم البشر ! – ثم ثانيًا لا أجده مطبقًا في أم الديموقراطية الليبرالية التي أعيش فيها كمواطن حاليًا وأعني بريطانيا!.. فالكنيسة الإنجليزية التي تترأسها الملكة التي هي رأس الدولة هي الكنيسة الوطنية للدولة البريطانية، فبريطانيا دولة مسيحية تعتز بمسيحيتها (البروتستانتية) قطعًا ولكنها مع مسيحيتها هي دولة مسيحية (متسامحة) مع بقية الأديان والمذاهب المسيحية بل ومع الالحاد وفوق هذا هي دولة ليبرالية تحترم حقوق الافراد الشخصية وحقوق الأقليات، ودولة ديموقراطية تحترم إرادة جمهور الأمة والشعب!.. وهذا هو ما نريده في دولنا العربية والمسلمة، فهي ستظل كما هي الآن دولًا عربية ومسلمة ولكنها ستكون دولًا مسلمة متسامحة دينيًا وفوق هذا دولًا ليبرالية وديموقراطية!.. بالرغم من تمسكها بهويتها العربية والإسلامية وبتطبيق ما ثبت وصح من شريعة دينها الإسلامي على المواطنين المسلمين!... هذا مشروعنا هو مشروع ينطلق من الواقع ويعمل على تحسينه وتطويره وتحريره مع الزمن في حدود فن الممكن وفن المعقول!... أما مشروع الأصوليين العلمانيين الراديكاليين فهو كمشروع الأصوليين الدينيين الإسلاميين الراديكاليين كلاهما مشروع طوباوي غير واقعي وغير رشيد محكوم عليه بالفشل سلفًا ونتيجته معروفة سلفًا وهي انتفاخ وانتفاش لحقبة من الزمن كالفقاعة ثم انثلام وارتكاس بسبب ثورة مضادة لنجد أنفسنا وبلداننا فيما يشبه الوضع الحالي!.. حيرة وتخبط وضياع!.. وفوق هذا اجهاض كل محاولات النهوض الحضاري والسياسي!.... أليس فيكم ومنك رجل رشيد!!؟؟

نعم لليبرالية ... نعم للديموقراطية ... نعم للفصل بين بين رجال الدين ورجال الدولة والسياسة، ونعم للإصلاح الديني ونشر التسامح .... نعم للدولة الديموقراطية الليبرالية التي دينها الإسلام في مجتمعاتنا وبلداننا العربية والمسلمة لا للدولة الدينية بل لا للدولة الأصولية الاسلاماوية ولو بطريقة الاخوان وولاية الفقيه والمرشد، ولا للعلمانية بالمفهوم الراديكالي الطوباوي الأصولي الذي يتبناه معظم العلمانيين من سكان منطقتنا والذي غير متوفر حتى في بريطانيا!! ... هذا هو موقفي وهذا هو مشروعي لتحديث الدولة العربية والمسلمة كمسلم وعربي ليبرالي ديموقراطي يؤمن بالدولة ((الوطنية الليبرالية الديموقراطية)) التي تنضبط في نظامها القانوني وسلوكها السياسي العام باحترام حقوق ومقدسات دين الأغلبية المسلمة وأيضًا حقوق ومقدسات دين الأقلية غير المسلمة .... وهذا هو الطريق ...

****************

سليم نصر الرقعي

[email protected]

https://www.facebook.com/salimragi

(*) بكل تأكيد ومع أنني مع مشروع الدولة الوطنية وضد مشروعات الدولة القومية العربية أو الدولة الأممية الإسلامية فإنني مع وجود شكل من أشكال التنسيق (الرسمي والشعبي، والشعبي أهم وأجدى) بين الأقطار العربية والاسلامية وبما يعود بالنفع العام على جميع الشعوب العربية والمسلمة ويقوي عرى الروابط القومية والدينية والاقتصادية بين هذه الشعوب، وأيضًا فالتنسيق مع دول العالم الأخرى سواء لتحقيق مصالحنا الوطنية أو خدمة الأهداف الانسانية النبيلة أمر مطلوب ومحبوب أيضًا باستثناء (الكيان السرطاني الصهيوني) المقام بالقوة والاحتيال فوق أرض الفلسطينيين، ففلسطين هي للفلسطينيين فقط سواء أكان هؤلاء الفلسطينيون عربًا أو غير عرب، مسلمين أو يهودًا أو مسيحيين أو بدون!... ففلسطين هي أرض وبلد كل الفلسطينيين فقط ليست بلد وأرض كل العرب أو كل المسلمين أو كل اليهود أو كل المسيحيين!.. وإلا لصح أن نقول أن السعودية هي بلد وأرض كل العرب أو كل المسلمين بدعوى أنها منبع العروبة والإسلام!!.. هذا أمر غير صحيح وغير واقعي وغير منطقي وغير معقول وغير مقبول!، إنما السعودية للسعوديين وفلسطين للفلسطينيين وليبيا لكل الليبيين بغض النظر عن أصولهم العرقية ومذاهبهم الدينية!... هذا ما يتفق مع العدل والواقع والمنطق والتاريخ ومع منطق الدولة الوطنية!.

(**) بالرغم من الإقرار من حيث المبدأ بحرية التملك وحرية التصرف في الملكية للأفراد سواء في الإسلام أو في النظم الليبرالية فلا شك أن هذه الحرية ليست على اطلاقها فلا توجد حرية مطلقة!، فهناك ضوابط وقيود وحدود (شرعية اجتماعية) تفرضها شريعة كل مجتمع على طرق التملك وتنمية الملكية والثروة الخاصة بل وحدود التملك وما يجوز فيه التملك الفردي الخاص وما لا يجوز؟ وطرق انتقال الملكية...إلخ... فكل هذه الحرية الفردية وفيما يتعلق بالملكيات والتصرفات الشخصية للأفراد (المواطنين) يجب أن تتم داخل (إطار نظام حقوقي واخلاقي اجتماعي) يختلف – قليلًا أو كثيرًا - في بعض تفاصيله من مجتمع إلى آخر.. بل إن المجتمع الديموقراطي الليبرالي الواحد قد تتحور وتتبدل من جيل إلى جيل الحدود الاجتماعية والقانونية المفروضة على الحريات الشخصية نحو التضييق أو التوسيع كما هو الحال مثلًا في مسألة (المثلية) فهي حتى الستينيات من القرن الماضي كانت في معظم الدول الديموقراطية الليبرالية تعتبر أمرًا محرمًا ومرفوضًا وسلوكًا يعاقب عليه القانون أو على الأقل تُعتبر مرضًا نفسيًا وخللًا هرمونيًا يجب معالجته بقوة القانون!.. ثم لاحقًا تم اعتبار اختيار الجنس وتبديله يدخل ضمن الحريات الشخصية!!.. وكذلك مسألة تعاطي (الحشيش) فهي أمر ممنوع في الدول الديموقراطية الليبرالية منذ ما يزيد عن قرنين وها نحن نسمع ونرى بعض الدول تبيح تعاطي الحشيش بشكل قانوني وتعتبره من ضمن الحريات الشخصية!!.. فهنا الدولة الليبرالية تكون قد وسَّعت دائرة الحريات الشخصية وأدخلت فيها ما لم يكن منها في السابق!.. وهكذا فكثير من الدول الغربية أخذت تزيد من كمية الليبرالية في قوانينها وهو انزلاق نحو التطرف والغلو الليبرالي الضار وغير الحكيم وربما هذا الغلو الليبرالي هو ما يستثير الأصولية الوطنية والقومية الشعبوية في هذه المجتمعات كرد فعل (طبيعي) ضد هذا الغلو الليبرالي الذي يلحق الضرر بالقيم والمصالح الجماعية الاجتماعية، هذا شيء ثابت بالملاحظة والاستقراء، لذا فالتوازن بين حقوق الافراد ومصالحهم وحقوق المجتمع ومصالحه الوطنية والقومية العامة أمر مهم للغاية، بلا افراط ولا تفريط.

(***) هنا فيما يتعلق بالتسامح الديني في تعاليم الإسلام يجب أن لا ننسى حقيقة مهمة وهي ان (الصليب) وبالرغم من أنه بالنسبة لعقيدتنا الاسلامية هو بمثابة رمز للكفر والشرك ولعبادة غير الله إلا أنه عاش في حماية الهلال الاسلامي، رمز الايمان والتوحيد، طوال كل القرون الماضية الى أن خرج (الدواعش) في عصرنا من رحم (الطريقة الوهابية السلفية في فهم وتطبيق الدين)) فرفعوا تلك الحماية وهدموا الصليب والكنائس وآذوا إخواننا العرب النصارى وغيرهم من غير المسلمين بدعوى انهم حماة التوحيد!، الأمر الذي لم يجرؤ على ارتكابه حتى الخوارج الأوائل في القرون الأولى!، فهم بالرغم من تطرفهم وقتلهم للإمام (علي بن ابي طالب) خليفة المسلمين والصحابي الجليل الا أنهم كانوا يومها يعتبرون اليهود والنصارى وكذلك المجوس بالقياس عليهما أهل ذمة يجب التعامل معهم بحرصٍ وأمانة! ، فخوارج زماننا أشر من خوارج خير القرون !! .