إذا وصلت بك القناعة يوما إلى أن تقول تصريحك الأخير والأول،-الأخير لما فات منك، والأول لما هو قادم فيك-: إما أن (أرسم/ أكتب..) ، أو لا شيء! وأنت على وعي أن "لا شيء" هذه قد تصل حد (أن تموت!) ، فاعلم حينها أنك قد وصلت إلى ما هو جدير بك حقًّا.

شاهدت الفيلم الذي تم إخراجه هذا العام عن حياة الرسام الهولندي فان جوخ، وأكاد أجزم أنه لا يوجد مادة فيلمية تم بناؤها على حياة هذا الرسام العبقري لم أتتبعها وأشاهدها بشغف، فهذا الفنان تأسرني عبقريته النادرة في تتبع حركة الضوء على الأشياء ، وخاصة في الطبيعة. وقد كنت أتساءل لماذا قصر جهده التصوري على رسم كل ما يقع عليه الضوء؟ حتى وجدت الإجابة على لسانه في هذا الفيلم ، عندما سئل: أنت ماذا ترسم؟ فقال: أرسم ضوء الشمس! 

الجديد في تناول هذا الفيلم ؛ هو التركيز على هوس فان جوخ بعمله وموهبته رغم أنه لم بكسب منها مالا، فمن المعروف من سيرته أن أخاه "ثيو" هو الذي كان متكفلا بتدبير شؤون حياتهما معا. لقد كانت العبارات  المكررة بإلحاح من فان جوخ: لا أعرف شيئا آخر غير الرسم، لم أنجح في أي شيء آخر، أؤمن أن لدي موهبة في الرسم ، إما  ان أرسم وإما أن أقتُل، إما أن أرسم أو أن أطلق النار على نفسي!

إن سر العبقرية يكمن في الإيمان بما لدينا، وبأن  نمضي بهذا الذي لدينا إلى أبعد ما فينا وفيه،  دون التفات إلى ما قد يفوتنا من مكاسب عاجلة، ففي العبقرية الإبداعية نعيش الزمن الذي لم يأت بعد. كما قال فان جوخ في إحدى حوارات الفيلم : إني في الزمن الخطأ! إني لا أرسم لأناس زماني، بل أرسم للذين لم يأتوا بعد، إني ألج الخلود .

اسم الفيلم : بوابة الخلود (وهو نفس عنوان لوحة من أعمال فان جوخ)