ما يلفت الانتباه ويمكن ملاحظته في عصر العولمة هو إعادة تعريف الإنسان كرجل ومعاملته كرقم رياضي ومادة معدة للاستعمال وما يحدث هو سحب النساء بقوة إلى أماكن عمل ليست مؤهلة لها وإجبارهن على إتباع أساليب معيشية تغير قيم حياتهن وتقلبها رأسا على عقب. إن العولمة مارست قوة تأثير كبيرة على عوالم الحياة والعمل بالنسبة إلى النساء، وان اتجاهات التصنيع وزحف الثورة الرقمية ومتطلبات العيش المشطة كثيرا ما كانت متعارضة مع آمال المرأة وتطلعاتها.
الإشكال الذي يطرح هاهنا هو التالي: هل أن خروج المرأة إلى العمل في زمن العولمة هو دفعة قوية نحو التحرير أم أنه عمل قسري أوقعها في الاغتراب والعبودية الجديدة؟ هل تطالب المرأة بالمساواة والحرية أم بالكرامة والحقوق؟ وما الحل للخروج من هذه المفارقة : "تحترم النساء من جهة ككاسبات للنقود ومن جهة أخرى يحتقرن لأنهن خرقن القواعد والأخلاق"؟ ألا ينبغي أن نميز بين المرأة العاملة والمرأة المائعة؟ ألا يحمي العمل المستقر واللائق المرأة أبد الدهر؟ هل أسندت العولمة الراحة للرجال والعمل للنساء؟ كيف نقضي على الفوارق بين الجنسين في التشغيل؟ وهل يمكن أن تساعدنا الأديان وخصوصا الإسلام على رسم صورة جميلة للمرأة؟ من هو أفضل صديق للمرأة؟ هل هو المجتمع أم الدولة؟ هل هو القانون أم الدين؟ كيف ارتبط تحرير المرأة في الإسلام بتجديد النظر الفقهي إلى الإنسان وتحريك مسألة الاجتهاد والتأويل العلمي؟ وما السبيل إلى إنهاء كافة أشكال التمييز ضد النساء وتتحقق المساواة الكاملة التي لا تتجزأ؟ هل النسوية حركة حقوقية أم حركة سياسية؟ وهل هي معطى طبيعي أم مسألة ثقافية؟ وما سر تعرض الحركات النسوية للهجوم من قبل الحركات اليسارية والجماعات الدينية على السواء؟
ما نراهن عليه هو تفادي التفاوت والتمييز والتوظيف بالنسبة لقضية المرأة والعمل على تغيير الذهنيات وتحقيق الثورة الثقافية بتحقيق الاعتراف التام بالمساواة والكرامة للجنسين.
1- وضعية المرأة في زمن العولمة:
"ليست العولمة بالنسبة للنساء في كل أنحاء العالم عملية تجريدية على مسرح مرتفع، انها حاضرة وملموسة"[2].
لقد تبين بالكاشف أن العولمة زادت من أشكال اللامساواة والتفاوت بين الرجل والمرأة، فالسوق المالية العالمية هي رجالية وبيضاء ولم يقتحمها سوى ثلة من النساء، كما أن الأعمال الشاقة والقذرة مثل النسيج والتنظيف والطبخ والفلاحة والصناعة والرعاية والإدارة تقوم بها في معظمها المرأة وبأجور منخفضة وظروف عمل غير إنسانية.
تلخص الكاتبة الألمانية كريستا فيشتريش مأساة المرأة زمن العولمة كما يلي:
زيادة التشغيل الهش ضمن علاقات إنتاج منخفضة الأجر وتحولها إلى أداة للخدمة في جميع أنحاء العالم.
معايشة عالم استهلاك مفرط وعدم القدرة على تلبية الحاجيات.
تنامي الواجبات الاجتماعية والبحث عن هوية جديدة ضمن إطار اجتماعي تزداد فيه الفوارق
التعرض إلى أشكال من العنف المرتبط بالجنس وتزايد المنافسة والطلب عليهن من طرف الشركات.
استعمال جسد المرأة وصورتها في الدعاية والإشهار في ترويج وتسويق المنتجات الرأسمالية.
تشغيل المرأة يتم بشكل نمطي وفي أوقات الحاجة وحسب المزاج وتحرم من إجازات الحمل والولادة والأمومة.
فمتى نتوقف عن اعتبار وظيفة المرأة هو مجرد إرضاء رغبات الزوج وخدمة أولي الأمر في المجتمع ؟ وألا ينبغي أن نؤهلها لكي تكون قادرة على الرفض والمقاومة وزعزعة أركان التصورات التقليدية والمجتمع البطريوركي؟
هناك فرق شاسع بين تكريم المرأة في النصوص الأصلية ومنزلتها في عهد التأسيس وفي التجربة النبوية وبين تحقير المرأة من طرف بعض الفقهاء والتقليديين ووضعها القانوني والاجتماعي المتدني في عصور الانحطاط وينتهي خليل عبد الكريم إلى القول:"إن الإسلام ليس مسؤولا عن تلك غير الصحيحة التي تشكلت عبر مصادر لم تستمد منه مباشرة، حتى الكتب التي يؤلفها مسلمون يوصفون بالحماس لدينهم فإن ما تحفل به لا يكون بالضرورة ملزما للإسلام أو حجة عليه، لأننا نعتقد أن مشكلة المرأة في الوطن العربي هي جزء من مشكلة هذا الوطن كله والذي يتناول مشكلة المرأة بالحديث أو حتى بالبحث والتمحيص لا يكون في تناوله بعيدا عن الأزمات التي تحيط بهذا الوطن حتى وان حاول أن يبدو موضوعيا أو محايدا