كانت تبحث عن طاولته أمام المقهى، رأته من بعيد، هو ذلك الشاب الوسيم الذي ينفخ الدخان ويطلب كوب شاي من العامل، عدلت سترتها ثم اتجهت إليه وصافحته معرفةً بنفسها، حيث بينهما موعد مسبق، كانت تبتسم كثيرا، في عينيها نظرات متحفزة، الأمر الذي يجعله يشمئز أكثر:
- إذا، ستخبرني عنه
- مالذي ترغبين في معرفته؟
- كل شيء، أنت تعلم أنه أخي الوحيد، ولست أذكر سوى أيام طفولتنا، ثم حدث الانفصال والقصة الشهيرة كما يعلم الكل. وأنت صديقه القريب جدا، أخبروني أنك زميله في السكن.
- حسنا من أين نبدأ؟
- الشكل، هل كان وسيما؟
..….. هنا ارتشف من كوب الشاي، لم يكن ينظر إليها، كان مستمعا ولكن عينيه منصبتان على كوب الشاي الذي أمامه، هزّ رأسه دون يشيح بصره، هزه نافيا أن يكون صاحبه وسيما، أجاب بلهجة جادة لا تستجدي التعاطف على عكس ما يفعل كثير من الناس عندما يكونون في موقف كهذا:
- لم يكن قبيحا على أية حال، ولكنه ليس وسيما، كان عاديا.
- ماذا عن طوله؟ وزنه؟ لونه، أتذكر أنه كان ذو بشرة بيضاء تشبه بشرة أمي.
- كان عاديا، لم يكن أبيضا ولا أسمر، كان طوله عاديا، ذاك الطول الذي لا يجعلك تميزه بين كوكبة من الناس، توشك أن تعتقد أن طوله هو الطول المتوسط لبني الإنسان، حيث قام أحدهم بجمع أطوال البشر ثم قسمها على عددهم، هذا الرقم هو طوله، أكاد أجزم بذلك.
- همم، عرفت من أحدهم أنه كان يكتب رسائل، هل هذا صحيح؟ لمن يكتب؟ هل كان مثقفا؟ يبدو أنه منخرط مع جماعة ما في كليتكم؟ أخبرني..
- أستطيع تأكيد أنه كان يكتب رسائل، وكان يطلعني على بعضها، لم تكن نوعا من الأدب، كان فقط يزجي وقته بكتابة مفردات وعبارات عادية على ورق الرسائل، لم تكن مرسلة لأحد، كانت مسودات، أحيانا يضع فيها تشكيلته المفضلة لفريقه المحلي. حسنا هو لم يكن مثقفا، هناك أكثر من 39 تعريف للثقافة، هو ليس مثقفا حسب أيا منها، كان إنسانا عاديا. أفكاره عادية، تلك الأفكار التي عند كل الناس، لو افترضنا أنه التقى بأحدهم من الشارع، صدفة، وبشكل عشوائي، ثم تبادلا الحديث، فإنهما سيجدان نفسيهما متفقان على 98% من المواضيع.
- قلت أن له فريق مفضل، ماهو؟
- الهلال، كان عاديا لدرجة أنه يشجع الهلال.
- هل كان موهوبا؟ يرسم؟ يعزف على آلة ما؟
- لم يكن موهوبا بأي شكل من الأشكال، لم يرسم ولم يعزف، يخيل إليّ أنه لم يفكر في هذا أصلا، هذي هي تكوينته. في الحقيقة كان يميل لسماع الموسيقى أحيانا، وفي هذا هو عاديّ جدا، ماذا يستمع؟ سأخبرك لا تستعجلي، كان يستمع لمحمد عبده، لم يكن ينطرب كثيرا، كان يستمع بصورة تجعلك تعتقد أنه يؤدي عملا ما، قد تجد منه تفاعلا في بعض الأحيان، حيث يقوم بتكرار الشطر الأخير من الأغنية حين ينتهي المغني، وهو في هذا يعلن أن الأغنية انتهت، يفعل هذا بنفس الطريقة التي يفعلنها الأمهات عندما يحزمن سفرة الطعام ويتمتمن بأدعية تعلن أن فقرة الطعام انتهت. وكان أيضا يستمع لراشد الماجد وعبدالمجيد، ونوال، واغاني طلال الشهيرة. إنها تلك الأغاني التي يعرفها الجميع.
- أشعر أنك تتحدث بعداء نحوه.
- آسف أن كنت ظهرت بهذا المظهر، لكنني احترمه جدا، وأكنّ له كل المودة.
- إذا لماذا تصر على أنه عاديّ جدا؟
- لقد كان كذلك
- أخبرني بشيء واحد يميزه
- يميزه أنك لا تستطيع أن تميزه
- هل تتحاذق؟
- ارجو ان تغفر لي السيدة، أنا راحل..
- تعال أخبرني أخيرا، ماذا كان اسمه
- لم أسأله ولم يخبرني، إن إنسانا كهذا ليس مهما أن تعرف اسمه. إن كان يهمك، فإنني أفترض أن اسمه كان مجلد جديد(83).
- #$#&&#@ !
- $%%#& أنت !
حمل كل منهم اغراضه وغادرا المكان.