(تابع سلسلة اعلم وافهم قبل أن تحكم!)
************
هناك فرق بين الديموقراطية والليبرالية .. فالليبرالية فلسفة وثقافة اجتماعية وهي فلسفة المجتمع الغربي وتقوم على أساس احترام فردانية الإنسان وإنسانية الإنسان وإيجاد مجال مقدس وخاص للأفراد يحفظ خصوصياتهم وممتلكاتهم وحرياتهم الشخصية ولا يسمح للدولة والمجتمع والكنيسة والآباء والآخرين بالتدخل فيه أو التطفل و التغول عليه.. فهذا المجال الفردي الخاص مقدس!، فهذا هو (المبدأ الأساسي) في الليبرالية أو (المبدأ المشترك) بين كافة الليبراليين في العالم ولكنهم – بعد الاتفاق على هذا المبدأ الفلسفي - يختلفون مذاهب شتى حول حدود هذا المجال ومدى مشروعية تدخل الدولة والمجتمع والآباء والسلطات الاجتماعية في حريات الأفراد!.. إلى أي حد!؟؟.. أي أن هناك اختلاف بين المجتمعات الليبرالية الغربية من الناحيتين النظرية والتطبيقية حول مسألة ((ما هي الحدود والقيود الاجتماعية؟)) التي يحق للمجتمع والدولة فرضها على حريات الافراد الشخصية بل وعلى ممتلكاتهم أي على الليبرالية!؟؟.. فهولندا مثلًا دولة ديموقراطية ليبرالية لكنها تسمح للأفراد بتناول الحشيش وممارسة البغاء كحرفة منتجة تدخل ضرائب للدولة بينما بريطانيا وهي أم الليبرالية تمنع ذلك ولا تعده من حقوق الافراد الشخصية!.. فرنسا تمنع ارتداء الحجاب على المرأة المسلمة في المدارس وعلى شواطئ البحر بينما بريطانيا وأمريكا تعدانه من الحقوق والحريات الشخصية ولا تتدخلان فيه!.. وهكذا تختلف المجتمعات الليبرالية في تحديد القيود القانونية والاجتماعية على تصرفات الافراد ومدى حرياتهم الشخصية!!.. فكما للأفراد حقوق فللمجتمع الوطني والقومي بنظامه الثقافي والاجتماعي حقوق وللدولة حقوق!.. فيجب ايجاد صيغة عادلة توازن بين كل هذه الحقوق التي قد تبدو متعارضة ومتناقضة!.....هذه هي الليبرالية باختصار كما فهمتها بالدراسة وبالمعايشة في الغرب أي في أم الليبرالية (انجلترا)!.. فالليبرالية فلسفة وثقافة اجتماعية.
أما الديموقراطية فهي ((طريقة سياسية وادارية تقوم على أساس مبدأ الفصل بين سلطات الدولة وأيضًا على مبدأ التداول السلمي للسلطة العامة وفق اختيار الأغلبية التي يتم تحديدها بواسطة الانتخابات العامة مع وجود خيارات متعددة أمام الناس ليختاروا من بينها من يريدونه تمثيلهم وتولي قيادة سفينة دولتهم مع ضرورة ضمان حق الأقلية السياسية في المعارضة)) هذا هو التعريف العملي للديموقراطية من خلال أدائها الفعلي ومظاهرها العامة بعيدًا عن الشطحات الطوباوية والمثالية لفكرة الحكم الشعبي وزعم أن الديموقراطية هي حكم الشعب نفسه بنفسه لنفسه بشكل مباشر!، فهناك فرق بين الديموقراطية كفكرة فلسفية قديمة من أيام الاغريق وبين الديموقراطية كطريقة سياسية واقعية حديثة للحكم الرشيد.
إذن فالليبرالية فلسفة وثقافة اجتماعية تقوم على احترام حقوق الافراد بينما الديموقراطية طريقة سياسية إدارية في صناعة القرار السياسي العام واختيار قيادات الدولة وممثلي الشعب وفق إرادة الأغلبية الانتخابية .. وجود الليبرالية في الغرب سبق وجود الديموقراطية، فالليبرالية تتعلق بحقوق وحريات الافراد (الشخصية) مثل حق العقيدة وحق التملك وقدسية الملكية الخاصة وحق الخصوصية وحرية التعبير والمراسلة والسفر والتنقل والحركة وحرية العمل... فهذا هو أساس الليبرالاية، أما الديموقراطية فهي تتعلق بحقوق الافراد (السياسية) من جهة - مثل حق الترشح والتصويت والتعبير السياسي والمشاركة والمعارضة السياسية والانضمام لجماعات وتنظيمات سياسية وحق التظاهر والاحتجاج - ومن جهة أخرى تتعلق الديموقراطية بحق جمهور الشعب وأغلبية أفراد الأمة في اختيار من يحكمهم ويقود دولتهم من خلال انتخابات حرة ونزيهة مع حق الأقلية السياسية في المعارضة... هذه هي الديموقراطية وتلك هي الليبرالية، وفي الحياة الغربية اجتمعت الليبرالية والديموقراطية والعلمانية - بدرجاتها المختلفة - في باقة واحدة (بكج) لذلك سميت الديموقراطية الغربية بالديموقراطية الليبرالية أي الديموقراطية القائمة على تقديس حقوق ومصالح الأفراد الأساسية والموازنة بينها وبين سلطة ومصالح الجماعة أي الشعب ومجموع الافراد!.. وهي بعيدًا عن فكرة الديموقراطيات الشعبية التي تم تطبيقها في نظم ودول المعسكر الشيوعي والاشتراكي المنهار والتي أثبتت التجربة أنها مجرد أداة سياسية مخادعة للتحكم في الشعب بشكل ديكتاتوري وشمولي من حيث يعتقد أنه هو من يحكم نفسه بنفسه!!.
***************
سليم نصر الرقعي
https://www.facebook.com/salimragi
(*) ملاحظة: هذه المقالة كتبتها ونشرتها عام 2011 قمت هنا بإعادة تدويرها وتطويرها.