الابتعادُ عَنِ الإسلامِ أطاحَ بالقيَّمِ الأخْلاقيَّة

سهير الخالدي

الحقيقةُ الَّتي لا تنقرض والَّتي يعلمها الجَّميع أنَّ الإسلامَ هو مصدر السَّعادة والفلاح الأبدي، وذلكَ لما جاءَ بهِ ذلكَ الدِّين الإلهي مِنْ فيوضات سماويَّة أطاحتْ بكلِ الأفعال اللا أخْلاقية وبدأتْ تُنشأ الإنسان مِنْ جديد بعيدًا عَنْ كلِ ملذات ومغريات الدُّنيا تاركًا بعدهُ رُكام الدُّنيا ومتوجهًا إلى ربٍ لطيفٍ رحيم قد أعدَّ لتلكَ الأنفس جنات عرضها السَّموات والأرض؛ ولهذا قالَ اللهُ في محكمِ كتابهِ: (وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الۡمُسۡلِمِينَ (33) فصلت).

الإسلام الَّذي جاءَ به نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ) لن نجده مع أشخاص أو منظمات أو أحزاب تدَّعي الإسلام، ويُعد هذا الأمر أخطر ما يتعرض له ديننا الحنيف مِنْ مخاطر حين ينتفي مِنْ حياةِ وسلوكيات هؤلاء، فيتم حَرفهُ بطريقة خبيثة في سبيل أنْ يتلاءَم مع مشاريع البعض السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والحزبيَّة، فالإسلام الطَّاهر الَّذي جاءَ لهدايةِ البشر وإخراجِهم مِنَ الظُّلمات إلى النُّور، أصبحَ مصدر رعب عند الشُّعوب الَّتي لم تقرأه كما يجب، وهذا ما عملتْ عَليهِ التَّيارات السِّياسيَّة الفِكريَّة المُنحرفة الَّتي صورتْ الإسلام وكأنَّه مصدر الشُّرور والطَّريق الأمثل نحو شرعيةِ القتلِ وسفك الدِّماء وحزِّ الرِّقاب وسحق الجَّماجم.

نحنُ اليوم في أمسِ الحاجةِ إلى استدعاءِ الإسلام الحقيقي مهما كلفنا الثَّمن، لأنَّنا على يقينٍ تامٍ بأنَّ الإسلام الَّذي يُروجُ له السِّياسي والحزبي وحتَّى بعض الأنظمة الإسلامية ليس هو الإسلام الَّذي قضى في سبيل انتشاره ملايينَ الشُّهداء عبرَ التَّاريخ، بل هو إسلام لا علاقة له بالإسلام الحقيقي، وإنما هو عبارة عَنْ مجموعة مِنَ القوانينَ الخاليةَ مِنَ القيم والأخْلاق، يقومونَ بالتَّرويجِ لها باعتبارها هي الإسلام، وهي ليستْ سوى مصالح لأفرادٍ وجماعات ودول، فصارَ البعض بعيدًا كُلَّ البُّعد عَنِ القيم الأخْلاقيَّة الَّتي جاءَ بها ذلك الدِّين الحنيف.

لذلك قد أشارَ مِنَ العلماء العاملينَ والمُربينَ الحقيقينَ أمثال السَّيد الصَّرخي الحسني الَّذي يُمثل الوجه المُشرِق للإسلام الحقيقي في توجيه مِنْهُ ومعرفة السَّبب الحقيقي في ما وصلَ بهِ المجتمع مِنْ فتنٍ وقبحٍ وفساد قائلًا: "ابتعد المسلمونَ عَنْ حقيقة الإسلام، ومكارم الأخلاق، حتَّى وصلنا إلى ما نحن فيه مِنْ فتنٍ وضلال وقبح وانحطاط وفساد، بل قد غرقنا في مضلات الفِتن وأقبح القبح وأفسد الفساد؛ لأنَّ ذلكَ وقعَ ويقع زيفًا وكذبًا ونفاقًا باسم الطَّائفة والمذهب والسُّنة والقرآن والدِّين والإسلام، وفساد المنهج الفرعوني في الاستخفاف وتكبيل العقول وتجميدها وتحجيرها أدى إلى أنْ ضاعتْ المقاييس والموازين فصار المعروف منكرًا والمنكر معروفًا".

وبذلك علينا العمل لاسترداد

بريق الأسلام وقيَّمهِ مِنْ أفواه المتأسلمينَ، لا نُنكر أنَّ العمليَّة شاقة للغاية لكنها ليستْ مُستحيلة، فإعادة صياغة وعينا بأهمية التَّربية الصَّالحة للجيلِ القادم وتدريبهم مِنَ الآن على الصِّدق والأمانة واحترام الآخر وتقديم الفضائل على كل المصالح الأخرى وكذلك تربيتهم على ترك الرَّذائل بكل أنواعها، يُمكن أنْ يكون السُّلَّم الأوَّل للصُّعود نحو المجد الإسلامي بعيدًا عَنْ كل القيم السِّياسيَّة والفروض الحزبية الضَّيقة، فانتصار الإسلام يعني احترام الإنسان وبناء الأوطان وفقَ القواعد الإخْلاقية.