ساعة تمر تلو ساعة أخرى تلحقها الدقائق والثواني والأم تنتظر وليدها أن يعود, الأب يغفو ويستيقظ من القلق لكنه يحاول أن يكابر قلقه على فلذة كبده ، الأخت تمسك هاتفها لعل ان يتصل او يجيب على رسائلها، والأخ الأكبر العاقل ينتظر عند باب البيت في المكان الذي يعتاد الجلوس فيه كل مساء مخفياً اهتمامه, الناس تمر وتسلم وترى الأبتسامة على وجوههم وكأنهم في رغد من العيش وهم كذلك الا ان نعم الدنيا كلها لن تستطيع ان تعيد الفقيد، لقد اختفى فجأة, لم يره أصدقاءه منذ مدة, زملاءه في العمل رأوه ذلك الصباح حيث كان شارد الذهن يجر نفسه للعمل لأنهاء مهامه المتراكمة عليه، لا ينام من الليل ما يكفيه ويقضي نهار إجازته في النوم ، الطعام اصبح جزءاً غير مهم في جدول حياته الهروب من العالم صعب هذه الايام لا تستطيع ان تختلي بنفسك دون ان تمسك الهاتف، لماذا رحل والي اين؟ 

الان يبدو ذلك الصوت جديداً، هذه الأصوات التى لم يسمعها الا في الأفلام ولم ير أصحابها الا من خلال الشاشات او في حديقة الحيوان ، بعيداً عن الضوضاء الضوئية تظهر مجرة درب التبانة واضحة للعيان,  الرمل دافئ هذا المساء رغم برودة الجو يمكنك ان تشعر بذلك لست وحدك هنا وإنما بعيداً عن الناس, شبكات الإتصال لا تستطيع الوصول اليك هنا انت والكون متحدان تماماً, غطاءك السماء وفراشك الأرض لا حدود لما حولك والبصر يرى زخرفة السماء بدل الأشكال الهندسية المكررة المرسومة على سقف الغرفة, سقف السماء يمكنّك من رسم ما تريد فقط صِل بين النجوم وركز وسترى مالم تتخيله. .

الساعة الثالثة فجراً ومازال ذلك الصبي المهمل لم يعد، لم يكترث لقلق والديه ولا إخوته، اخوه يتحرك نحو اليسار ثم يعود الي مكانه رغم هطول المطر يحاول ان يزيح عن ناظريه تلك الأفكار السيئة حول أخيه ، الام بعد كل المحاولات للتواصل مع أصدقاءه و زملاءه جلست الى ذلك الفرن تعد المعمول الذي يحبه أبنها ، الاب قرر أن يقوم من السرير اخيراً ويأخذ حماماً باردا ليجلس في مجلسه ويناجي ربه كعادته ، والأخت مازلت تمسك هاتفها تقضي وقتها بين تفحص حالة اخيها و التحدث مع صديقاتها.

الحياة تمضي يا صديقي لن تقف عندك استيقظ لست هنا عبثاً انظر الى الكون اعلم ان لديك الكثير من الأسئلة من تنتظر ان يجاوب عليها؟ ابحث لنفسك عن اي عذر يدعوك للقيام من غفلتك اخبر صديقاً لك انك تريد تراه, تحد أصدقاءك حتى وان كنت تعلم انك ستهزم, اطلب شيئا حتى ولو قُوبل بالرفض ، الرفض هو سر الإنتقال.

أفكر في كل الذي يقوله المتقدمون في العمر هل تظن حقاً انني املك خبرة جيدة في الحياة لأسدي لنفسي كل هذه النصائح دعك من هذا الهراء وتوقف عن التفكير ان استطعت.

عاد الأخ الأكبر الي البيت قبل طلوع الشمس وضع جسده المتعب من طول السهر والأنتظار والقلق لن يستطيع الذهاب الى عمله أو حتى الرجوع الي بيته أمسك هاتفه و اخبر زوجته بأنه لا يستطيع القيادة عائداً الى المنزل، رائحة الكعك جميلة. كأس من الحليب وقطعة كعك كفيلة الان بأن تتخم بطنه الخاوي ليذهب ويستلقي في غرفة أخيه وقبل ان ينام أرسل رسالة صوتية الى مديره في العمل يخبره انه لن يحضر هذا اليوم, وضع رأسه فوق المخدة فغاص رأسه داخلها كم مرة يجب عليه أن يخبر أخاه أن هذه النوعية من المخدات تكسر الرقبة قام واحضر مخدته القديمة من الخزانة أغلق الستائر وبدأ في الشخير مباشرة وانطلق قطاره الى عالم الأحلام.

يقولون أني سأموت قريباً وماذا في ذلك لا ضير من الموت ، الموت لا يخيف ما يخيف حقاً أن تعيش حياة لا فائدة منها ان تموت أفكارك بموتك هذا هو الموت الحقيقي الحياة ما بعد الموت مرتبطة بهذا الفكر ليس بالجسد والروح ولكن بالفكر الذي يبقى للأجيال من بعدك او فليكن فكراً متواضعاً وليساعد جيلا واحداً بما يكفي حينها سيكون للحياة معنى. 

هذا اليوم القلق الذي سيأتي خطيب الأخت ليزورها لا أدري لماذا تحبه ؟ كيف اجتمع حب الأخ والزوج في قلب الفتاة رغم إنهما لا يطيقان بعضهما دائما ما يحاول الأخ إلقاء النكات على خطيب اخته عندما لا يستسيغه ربما يكون الخطيب حكيما فيتحمل حماقته او سيكون أحمقاً وتقع تلك الفتاة بين حماقة رجلين وعندها ستبدو الفتاة في نظر كليهما مجنونة كونها تحب الأحمقين, المهم ان البيت لن يكون جميلاً بعد مغادرتها، نامت الأخت وهي تحلم بأخيها و طبعا ليس أخاها فقط.

يبدو ان الشمس تشرق الأن ربما تستعيد يقظتك في كل صباح ، الشمس هي المصدر الجميل للدفء انظر اليها كل صباح وهي تبتسم معتدلة الظهر قبل ان ينحني نحو الأرض في وقت الظهيرة من طول الوقوف استنشق نسيم الصباح وتبسم لليل وهو يجر ذيوله، احيانا يطول الليل و لكن لابد لليل ان ينجلي.

الاب يلبس بدلته متجها الى عمله رغم الظروف ،كم عدد تلك الظروف التي مرت عليه، تبدو عزيمته قوية على غير عزيمة أبناءه الذين سقطوا على أسرتهم بعد تلك الليلة ليس معتاداً ان لا يستغل هذا الصباح في إنجاز أعماله حتى وإن كانت الظروف صعبة ، الجلوس لن يغير ما حدث او ما سيحدث ، تبسم لزوجته وقبلها بين عينيها وقال :سيعود هل تراهنيني ؟ دمعت عيناها وهي تبتسم وقالت: دائما ما تخسر الرهان ضدي ، ضحك واشاح بيده وقال ليس عندما يكون الرهان على ابننا الأخرق سأتصل بك عندما أصل المكتب.

قام من على الرمل بعد ما سحبت السماء غطاءها عنه وأشعلت الشمس نورها وحرارتها كما يفعل الوالدان لإيقاظ ابناءهما كل صباح قام و نفض عن نفسه التراب وتحسس جيوبه نظر الى السماء و أزاح بيده نور الشمس عن عينيه وأعطاها ظهره ومد يديه عالياً ,اااااه, ها قد ظهر النور من جديد ولا رغبة لي في الذهاب الي العمل لابد ان أمي قلقة علي الأفضل أن اذهب اليها الان حتى استمتع بحمام بارد ودش ساخن من توبيخها قبل ان يعود ابي و يأتي اخي و تصبح كل المدافع نحوي ، حتماً سأكسبها في صفي حتى تصبح المعادلة بعد انضمام اختى إليّ متكافئة ، ركب سيارته وانطلق نحو الطريق التقط هاتفه النقال شبكته وبدأ في التنفس بعد غيبوبة لأكثر من اثني عشر ساعة ، رفع السماعة وقال الو امي انا في الطريق. 

ملف سمعي:https://soundcloud.com/aem-elsayed/ytm6jztbfdvh