-(محاولة للفهم خارج الصندوق العربي العتيد و.. المجيد!)-
فكرة (الفوضى الخلاقة) في الأصل ليس لها علاقة بالسياسة ولا حتى بالاقتصاد بل هي من حيث المبدأ كانت محاولة فلسفية قديمة - اختلطت لاحقًا بالحقائق والنظريات العلمية [1] – كمحاولة عقلية فلسفية لتفسير نشأة وتطور الكون والحياة فوق الأرض!.... فالملحدون الذين يؤمنون بعدم وجود إله مُصمم ومُدبر ومُدير للكون وجدوا في فكرة (الفوضى الخلاقة) بديلًا مهذبًا لعبارة (الصدفة العمياء) أي كبديل وتعبير أكثر لباقة لطريقة تكوين الكون وظهور الحياة ثم الانسان فوق كوكب الأرض!... فكل هذا النظام الكوني والحيواني والإنساني جاء نتاج (الفوضى الخلاقة) حسب عقيدة الملحدين أي المؤمنين بعدم وجود خالق مدبر!، بل حتى بعض من يؤمنون بوجود الخالق المصمم قد يتبنون فكرة (الفوضى الخلاقة) كآلية لنمو وتطور الخلق أو حتى لخلق الاحداث وتطوير المجتمعات البشرية على الأرض!، حيث يعتقدون أن الخالق خلق العالم وزوّده بقوى متدافعة ومتصارعة تتصارع وتتدافع فيما بينها بشكل عشوائي ارتجالي مطلق وتخلق من خلال تدافعها الأعمى الفوضوي أحداثًا ومكونات كونية جديدة مدهشة وجميلة أحيانًا، ومرعبة وقبيحة أحيانًا أخرى عبر السنين أو ملايين وبلايين السنين!!... هذا أساس فكرة (الفوضى الخلاقة) التي خلقت هذا الكون وخلقت الحياة كنظام عجيب وبديع فوق الارض وخلقت هذا الانسان العاقل الذكي القادر على الاختراع والابداع والترقي الاخلاقي والحضاري!!.. بمحض الصدفة وخبط العشواء حسب ما يؤمن أصحاب هذه النظرية أو بمعنى أدق هذه (العقيدة) الفلسفية!!.. هذا هو الأساس في هذه (الفكرة) أو (النظرية والافتراضية) أو (العقيدة الفلسفية) التي تبناها لاحقًا بعض المفكرين والفلاسفة والاستراتيجيين السياسيين في الغرب وطبقوها على قراءتهم للأحداث السياسية والاقتصادية وفي تفسير حركة التاريخ السياسي، تمامًا كما استصحبوا نظرية النشوء والتطور التي تقوم على مبدأ أن الأجدر بالبقاء والارتقاء هو الطرف الأقوى والأقدر أو الأدهى والأمكر!، وطبقوها في عالم الساسة والاقتصاد على أساس التنافس الذي قد يبلغ في دراجات الندرة أو ذروة التنافس إلى مرحلة الصراع الناعم ثم الخشن الرهيب!.. فمثل هذه النظريات التي نشأت وتطورت نتيجة محاولات العقل البشري لفهم الظواهر الكونية والطبيعية ومنها ظاهرة الحياة تم استصحابها لاحقًا في العلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلوم الإنسانية (الانثروبولوجيا) وبالتالي استعمالها كنظريات في تفسير حركة السياسة والاقتصاد والتاريخ والجغرافيا بل وكموجهات فكرية في محاولات التغيير المنشود في هذه الميادين بما يحقق البقاء للأمة والارتقاء وبلوغ درجة التفوق على المنافسين الآخرين!... وأتصور – وربما هذا مؤكد – أن من يؤمنون بهذه النظرية أي فكرة وجود (فوضى) في الواقع البشري بسبب كثرة المجاهيل من جهة وبسبب كثرة المناطق البعيدة والعميقة والمتشعبة غير المنظورة وغير الخاضعة للتحكم والسيطرة، أتصور أنهم يفكرون بطريقة (فن إدارة هذه الفوضى) كي تصبح بالنسبة لهم ولمجتمعاتهم (فوضى خلاقة) تخدم مصالحهم الاستراتيجية!.. وهو من الفنون السياسية والإدارية التي يحتاج الساسة العرب لفهمها بشكل علمي دقيق وعميق كي يمكنهم – إذا أصبحوا في السلطة والحكم وقيادة دولهم ومجتمعاتهم - إدارة المجتمعات العربية التي فضلًا عن وجود شكل من الفوضى (الطبيعية) الموجودة بالطبيعة في كل المجتمعات البشرية وجود أشكال من الفوضى الأخرى غير الطبيعية الناتجة عن سوء الفهم وغياب العلم وغياب الحكمة والقدرة على الحكم السليم والإدارة الرشيدة!... وسأحاول من خلال هذه المقالة والتي لا تخلو هي ذاتها من مقدار من (الفوضى الطبيعية) نتيجة محدودية العقل البشري وقصوره أن أرسم بشكل عام معالم الفهم الموضوعي الرشيد لفكرة الفوضى كجزء من جهلنا بطبيعة حركة نمو وتطور المجتمعات البشرية من جهة أو جهلنا بطبائع البشر من حيث المبدأ من جهة ثانية أو من جهة ثالثة نتيجة عجزنا المعرفي عن إدراك جميع العوامل والمكونات (الظاهرة والخفية) (التي تطفو على السطح والتي ترسو في أعماق الافراد والمجتمعات أو تلك التي تتحرك مع التيارات الباردة والساخنة بين بين، فتطفو تارة وترسو تارة أخرى!)، هذه العوامل الكثيرة والمتشعبة التي تؤثر في حركة المجتمعات في الجانب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والروحي والأخلاقي والتي يقع اغلبها خارج نطاق معرفتنا وسيطرتنا والتي تؤثر على حركة ونمو وتطور وتغير هذا المجتمع الوطني المحلي أو ذاك في هذا الاتجاه أو ذاك!.. أو تؤثر في حركة تطورات المجتمع الدولي ككل، فعجزنا عن المعرفة التامة والسيطرة الكاملة هو ما يخلق ما نسميه بظاهرة (الفوضى الطبيعية) والتي يجب علينا التعايش معها والعمل على تعلم فن ادارتها بما يجعلها (فوضى خلاقة) (بناءة) – فوائدها أكبر من اضرارها – لا أن تتحول بسبب الجهل وسبب التدخل الاعمى أو العاطفي غير الحكيم أو بسبب العبث والصراع السياسي أو التجاري إلى (فوضى زهّاقة) (هدامة) تدمر مجتمعاتنا وتخرب قيمنا الأخلاقية ومصالحنا الوطنية الحقيقية!.... هذا ما يجب على الساسة العرب وكل ساسة العالم فهمه بشكل جيد وعميق قبل انخراطهم في السياسة أو توليهم أمور إدارة وقيادة مجتمعاتهم!.
***
إن عجز البشر عن التحكم في كل مكونات واقعهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والدولي بشكل كلي وتام ومطلق وجهلهم بكثير من المعلومات المتعلقة بتفاصيل المكونات العديدة المجهولة والغامضة في هذا الواقع المادي والبشري الهائل، شديد العمق وشديد التعقيد، والتي تؤثر في مسيرة نمو وتشكيل الاحداث (القادمة) ومصيرهم في المستقبل، وبطريقة غير منظورة وربما غير مقصودة، هو ما يجعلهم إما اللجوء لنظرية (الصدفة العمياء) أو (الفوضى الخلاقة) كبديل علماني عن (نظرية أقدار الله المكتوبة والمحسوبة) أو اللجوء للتفسير التآمري (نظرية المؤامرة) بالزعم أن هناك جهة ما تتلاعب بنا وبمجتمعنا أو بالعالم كله كما في الكتب المؤسسة لعقيدة ونظرية المؤامرة مثل كتاب (بروتوكلات آل صهيون) وكتاب (حكومة العالم الخفية!؟) وكتاب (بيادق على رقعة شطرنج!)...إلخ إلخ إلخ..... فتلك التفاعلات الغامضة بين القوى والعوامل المتعددة هي - من وجهة نظر أصحاب (نظرية الفوضى)(البناءة أو الهدامة) - هي من يلد – وبشكل ارتجالي غير مقصود في اعتقادهم - هذه الاحداث الجِسام القادمة من أعماق المجهول والتي كثيرًا ما تكون لها تأثيرات جذرية على مسار حركة المجتمعات وبالتالي حركة التاريخ!.. انظر على سبيل المثال إلى واقعة وحادثة حرق تاجر متجول في قرية نائية في تونس يُدعى (البوعزيزي) لنفسه في لحظة غضب ويأس وبؤس وكيف استفزت تلك الحادثة الفردية الشارع التونسي فخرج عشرات الآلاف من التونسيين في مسيرات احتجاجية حاشدة وغاضبة ثم كيف تضخمت وكبرت تلك الاحتجاجات كما لو أنها كرة نار متدحرجة ثم انزلقت – في لحظة غريبة من لحظات القدر الرهيبة! – نحو منعطف الثورة الشعبية التي أطاحت آواخر عام 2010 بنظام الحاكم العربي العتيد ورجل المخابرات القوي الرئيس (بن علي) والذي كانت كل التقارير الصحفية والمخابراتية الغربية تصف نظامه بأنه قوي ومستقر ومكين!.. ثم أصبحت تلك الثورة المدوية بمثابة النموذج الذي الهب مشاعر بعض القوى المعارضة العلمانية والاسلاماوية وبعض الشعوب في بلدان عربية مجاورة فانتقلت شرارة الثورة التونسية بالعدوى إلى تلك البلدان (القابلة للاشتعال) فاندلعت فيها نيران الثورة التي أخذت تتغذى على فشل وظلم تلك الأنظمة الفاشلة من جهة ومن جهة تتغذى على الأمل في حياة أفضل (الرفاهية والحرية) ومن جهة ثالثة تتغذى على صرخات قناة الجزيرة والعربية!.. وهنا – وقد حدث ما حدث وخرجت الأمور عن نطاق السيطرة! - قفزت قوى سياسية محلية وإقليمية ودولية للحلبة، ولكلِّ طرفٍ منها أجندة محاولًا – بخبث ودهاء - استعمال هذا (الثور الهائج)، الخارج عن نطاق السيطرة والذي حطم سور الحظيرة، حسب هواه!، وأخذ كل طرف - ولا يزال - يحاول توجيه هذا الحدث المنفلت عن العِقال نحو الاتجاه الذي يحقق أجندته!... وهم - القوى السياسية المحلية أو الدولية - في هذه المحاولات لركوب هذا الحدث أو امتطاء ظهر هذا (الثور الهائج المنفلت عن العِقال) قد ينجحون وقد يفشلون فيدفعون الثمن غاليًا، فنجاحهم ليس أمرًا مؤكدًا ومضمونًا!.. وها هو التاريخ السياسي ينضح بتجارب كثيرة تصرخ بأنهم - وأقصد هنا الغربيين - دفعوا ثمنًا باهظًا لبعض تدخلاتهم في عدة مناطق!.. فهذه الثورات التي نشبت نشوب الحريق المباغت في بعض شوارع الدول العربية ابتداءً من تونس (الخضراء) بكل تأكيد لم تصنعها المخابرات الدولية كما يزعم أصحاب نظرية المؤامرة والفوضى الخلاقة بنسختها العربية!، بل حدثت نتيجة تظافر وتداخل عدة عوامل عديدة أغلبها مجهول وغير منظور بالنسبة للسلطات المحلية وأيضًا بالنسبة لأجهزة المخابرات المحلية والدولية، فتفاعلت تلك (العوامل الكبيرة والصغيرة والخفية والظاهرة والمجهولة والمعلومة) فيما بينها عبر العقود بطريقة تشبه التفاعل الكيميائي العميق الهادئ الصامت المتسلسل في بطن المجتمعات فنتج عن ذاك التفاعل التسلسلي - وفي لحظة غريبة من لحظات القدر العجيبة - ما يشبه براميل البارود المتفجرة التي تريد الانفجار وتبحث عن أية شرارة تحقق لها ما تريد!!... وانظر أيضًا على سبيل المثال حادثة اغتيال ولي عهد (النمسا) وزوجته على يد طالب (صربي) وكيف أن تلك الحادثة الفردية كانت شرارة اندلاع الحرب العالمية الأولى!... فهذه التصرفات الفردية لم يكن هدف أصحابها صناعة تلك الاحداث الكبرى المُزلزلة والمُجلجلة التي ترتبت عنها، ولا ايقاد تلك النيران الضخمة الرهيبة التي هزت العالم!! ... لكن شبكة الأسباب والعوامل الظاهرة على السطح، والأخرى – وهي الاغلب – المجهولة لدينا والخفية علينا وغير المنظورة وغير المتوقعة والتي تعمل في الأعماق البعيدة والمعتمة لمحيط المجتمعات وفي عقول ونفوس البشر، هي شبكة متداخلة غاية في التعقيد!، بل أشد تعقيدًا من الشبكات العصبية في دماغ الانسان وأعقد من خريطة الحامض النووي والخريطة الجينية لكل سلالات وأفراد البشر! .. شبكة كبيرة متداخلة ومركبة لا يمكن لأكبر دولة بأكبر جهاز مخابرات أن يلم بها جميعًا لا من حيث الادراك والمعرفة، أي الحصول على معلومات كافية وصحيحة عنها بالكامل، ولا من حيث السيطرة، أي التحكم فيها عن بُعد وتوجيهها حيث يريدون!!... هذه الشبكة الضخمة والهائلة من التفاعلات العميقة والدقيقة التي تجري في (الظل) و(الهامش) و(سراديب وقبو) المجتمعات بين الكثير من العوامل غير المنظورة وغير المحسوبة هي ما يصنع الاحداث الانفجارية والانقلابية الضخمة – في لحظة عجيبة من لحظات القدر الرهيبة! - والتي ربما تبدو للعقل السطحي العاجز عن تفسيرها كما لو أنها نتيجة لـ(مؤامرة بشرية شريرة) مقصودة مرسومة بدقة متناهية تنفذها جهة ذكية وقوية وخفية تدير العالم على هواها بطريقة خبيثة ماكرة ومن خلال لعبة (الفوضى المتعمدة الخلاقة) أو (الفوضى المتعمدة المدمرة الزهَّاقة!) كما لو أن هذا العالم عبارة عن بيادق على رقعة شطرنج أو قطعة صلصال بيد هذا (الشيطان البشري الخبيث الماكر) يشكلها كما يريد كيفما ومتى يشاء!!!.. هذا هو الفهم السطحي والتفسير (السهل) لكل هذه الاحداث الجِسام والحوادث العِظام، ولا شك أن العقل العربي - الشعبوي والنخبوي على السواء - تستهويه مثل هذه التفسيرات والنظريات التآمرية لأنها أولًا (سهلة) ويمكن حفظها بلحظة واحدة عن ظهر قلب، فهي تُريحه من مشقة التفكير وإعمال العقل لمحاولة فهم الحقيقة كما هي، وهو أمر شاق بالفعل يحتاج لجهد عقلي وعلمي تحليلي وتعليلي كبير وطويل يقوم على جمع المعلومات وافراغ الجهد في البحث والتقصي والتنقيب والتحقيق ثم الاستقراء قبل الاستنباط والاستنتاج!.. كما أن (نظرية المؤامرة) - خصوصًا بنسختها العروبية والاسلاماوية المكرورة - تُعفيه ثانيًا من مغبة المسؤولية عن الفشل العربي العام المزمن و(العظيم!) وذلك من خلال إقناع (العربي) (الحاكم/الموالي/المعارض/المثقف/ المتدين/العلماني/ الرأسمالي/الاشتراكي/القطري/القومي) نفسه لنفسه بنفسه بأنه مجرد "ضحية مسكينة" لمؤامرة دولية (غربية وصهيونية وصليبية) كُبرى خبيثة يحيكها الأعداء ضده، ليل نهار، من أيام الخليفة (عثمان) حتى يومنا هذا وبالتالي فهو لا يملك أن يصدها أو يتصدى لها لأن هؤلاء الغربيين - بزعمه - جردوه من كل عناصر الوعي والقوة والقدرة!!... ولهذا وما إن صدر عن وزيرة الخارجية الامريكية (كوندليزا رايس) عام 2005 في لقاء مع جريدة واشنطن بوست عبارة (الفوضى الخلاقة)[2] – بشكل ثانوي عابر لم يقف عنده أحد في الغرب طويلًا – قامت الدنيا ولم تقعد في العالم العربي وضُربت الطبول وتم استخدام هذه العبارة - اي (الفوضى الخلاقة) - التي ربما سمعها أغلب العرب بما فيهم ساستهم ومثقفيهم لأول مرة في حياتهم لتعزيز عقيدة (المؤامرة العالمية المستمرة) ضد العرب (الطيبين المساكين!) وتم تأليف ما يزيد عن 100 كتاب حول نظريات الفوضى الخلاقة وتطبيقاتها في العالم العربي بتفاصيل عجيبة كما لو أن مؤلفي هذه الكُتب والمجلدات الضخمة وبطبعات فخمة فاخرة كانوا حاضرين جلسات مؤتمر المؤامرة لرسم وصياغة المخطط الكبير لخلق فوضى خلاقة في العالم العربي الغافل الطيب البريء المسكين!!.. بل تم في العالم العربي القاء ما يقارب عن 1000 محاضرة سياسية وخطبة دينية حول مخطط الفوضى الخلاقة المزعوم!.. ولا أستبعد أن يكون هناك من الدراسين العرب من تحصل على شهادة الدكتوراة في بحث بالخصوص حول هذه (النظرية/العقيدة) بدرجة امتياز!!.. وبكل تأكيد هو بحث يصب في اتجاه تعزيز نظرية المؤامرة الكونية ضد (العرب المساكين) كعقيدة أساسية (مقدسة) جعلناها جزءًا لا يتجزأ من عقيدتنا الدينية والقومية والوطنية!.. إلى درجة بات أطفالنا يرضعونها مع حليب أمهاتهم!... هذا طبعًا عدا عن الأفلام الوثائقية التي انتجتها قنوات عربية شعبوية مثل (الجزيرة) و(العربية) و(الميادين) وهي ترقص في زعيق ونهيق حول الموضوع رقصة المنتشي السكران على ايقاع جرس عبارة (الفوضى الخلاقة!) (لاقه!.. لاقه!.. لاقه!) وما أدراك ما الفوضى الخلاقة!.. (لاقه!.. لاقه!.. لاقه!).. وهلم جرًا، دواليك!.. دواليك!.. وبهذا - ومنذ عام 2005 - أصبحت كلمة (الفوضى الخلاقة) كالعلكة الرديئة المصنعة محليًا تلوكها ألسنة العرب - ليل نهار - في فرح وسرور كما لو أنها قصة (بوزيد الهلالي) المثيرة التي يختلط فيها الخيال الشعبي الضخم (الخلّاق) بقليل من الحقائق التاريخية!!.. أو ربما يخلطها بعضهم مع قطع التبغ أو حتى الحشيش حينما يأخذ أنفاس عميقة من (الارجيلة/الشيشة) ثم يتجشأ ويقول لصاحبه بصوت أجش مبحوح: (( دوول عصابه يابا!.. دي فوضى خلاقه يا حبيبي!))... ثم ينطلق يقهقه في هستيريا!!.... وهكذا مع تلقفنا لعبارة (الفوضى الخلاقة) التي قيل أن (رايس) تفوهت [2] بها عام 2005 باتت اللعبة والمؤامرة الغربية التي تحاك ضدنا - كما في المخيال العربي السريالي - والتي لطالما تغنينا بها وحفظناها لأطفالنا وهم في بطون أمهاتهم - سواء في خضم الصحوة العروبية القوماوية ثم في خضم الصحوة الدينية الاسلاماوية - لعبة مكشوفة وباتت الخطة (الصهيونية الغربية) معروفة وبدليل مادي ملموس لا يمكن انكاره بل وباعتراف علني والاعتراف سيد الأدلة!!.. والدليل هو بالطبع: (قالولوه!!.. الفوضى الخلاقة)!!... ومن الطبيعي - بعد وقوع ثورات الربيع العربي - أن يتلقف المؤمنون بنظرية المؤامرة وكذلك المغرضون من انصار أنظمة الحكم المنهارة في بلدان تلك الثورات أو في الدولة الخائفة من وصول الحريق إليها عبارة (الفوضى الخلاقة) ليقيموا حولها مآتمَ وعويلًا، فيلطمون الخدود ويشقون الجيوب وهم يصرخون ويردحون ويرددون: (الفوضى الخلّاقة!!.. الفوضى الخلاقة!!)(لاقه!.. لاقه!.. لاقه!)... هذا كله خصوصًا وقد قيل أن (رايس) تلك كانت قد قالت حرفيًا على حد زعمهم: "سننشر الفوضى الخلاقة في العالم العربي من أجل دفع الأمور باتجاه إقامة نظم ديموقراطية!"[2] فماذا سيحدث – إذن - لو قالت: "سننشر الفوضى غير الخلاقة أي الفوضى المدمرة الزَّهَّاقة في العالم العربي لخلق أنظمة حكم ديكتاتورية قمعية!!"... تُرى!؟.. ماذا كان العرب وعشاق نظرية المؤامرة عندها سيقولون وماذا سيفعلون!!؟؟... وهكذا وبعد نظرية المؤامرة وجد العقل العربي الفاشل والكسول بغيته في هذه العبارة وأصبحت هي الدليل القاطع على أن ثورات الشارع العربي ليست سوى اختلاق من خلق أسياد سياسة (الفوضى الخلاقة) حتى يكاد يقول قائل من العرب المؤمنين بأن هذه الثورات مؤامرة ضمن الفوضى الخلاقة أن (البوعزيزي) - بشحمه ولحمه - كان عميلًا مُجندًا لدى المخابرات الصهيونية والأمريكية والفرنسية والبريطانية والصهيونية والاستعمار فهم الذين أوعزوا له بفكرة احراق نفسه من أجل احراق العالم العربي وخلق فيه فوضى خلاقة!!.. ولعلهم اشتروه بحفنة من الدولارات!، هكذا سيقول لك ذلك العربي العتيد بعد أن يأخذ نفسًا عميقًا وطويلًا من (شيشة) نظرية المؤامرة!...ولله في خلقه شؤون!!.
***
إن صناعة أحداث التاريخ والواقع الجاري – يا سادة يا كرام – هي عملية أشبه بعملية كيميائية كهربائية تجري في كائن حي ضخم لم نعرف بعد جميع أسراره ولا جميع أجهزته الحيوية والعصبية والعضلية، عملية ضخمة من التفاعلات الكيميائية الحيوية الكهربائية العصبية، شديدة التعقيد والتركيب، والتي تشترك فيها ملايين العناصر الكثيرة، بعضها معلوم لدينا وبعضها مجهول لنا، بل إن المجهول هو الاغلب، فالمجهول أكثر من المعلوم!، وربما المجهول هو بعدد سكان كوكب الأرض أي أننا أمام 7 مليار مجهول (؟؟) قد يتصرف أحدهم كتصرف البوعزيزي - في لحظة رهيبة من لحظات القدر الغريبة مشحونة بكهرباء عالية الجهد أو بغاز مضغوط قابل للانفجار - فينطلق مع هذا التصرف الفردي شرارٌ عجيب يشعل العالم ويقلب الأمور رأسًا على عقب على المستوى المحلي أو الإقليمي أو حتى الدولي فيقوم العالم ولا يقعد!.. هل تستطيع الفصل التام بين حرق البوعزيزي لنفسه وظاهرة تزايد الهجرة للغرب وتصاعد اليمين الوطني والقومي المتطرف وانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوربي!!؟؟، فهناك الكثير من العناصر الصغيرة والدقيقة المجهولة هي خارج نطاق معرفتنا وسيطرتنا فتكون نتيجة كل هذه التفاعلات (الإنسانية) المتشابكة المعقدة الخارجة عن نطاق التعرف العقلي الواعي والتحكم البشري والمركزي هي تركيب وصناعة وخلق كل هذه الأحداث الكبرى والتي تحدث أحيانًا بطريقة لم تخطر على بال سادة العالم ولا أكبر مخابرات العالم!، بل وبخلاف كل توقعاتهم وتكهناتهم المبنية على معلومات خاطئة اعتقدوا أنها صحيحة أو على معلومات ناقصة أو مشوهة اعتقدوا أنها كافية!، فيجدون أنفسهم في واقع دولي مختلف ويقعون في حيص بيص!، كما هو حال أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا الآن!!.. فهذا الأمر - أي هذا العجز البشري (المعرفي والتحكمي) حيال معرفة كل دقائق وخفايا مكونات الواقع البشري على المستوى المحلي العميق أو المستوى الدولي الدقيق - هو ما يجعل الواقع يقذفنا أحيانًا بموجة أحداث عجيبة وغريبة قد لا تخطر لنا على بال ولم ترتسم في خيال!!...... فيجد البعض السلوى والراحة في تفسيرها إما باللجوء للقضاء والقدر والعقوبات الالهية أو نظرية المؤامرة والفوضى الخلاقة أو حتى غير الخلاقة!.
***
قد نملك التحكم ببعض أجزاء هذا الواقع الفردي أو الجماعي أو الواقع المحلي والدولي ولكن ستبقى الكثير من (المجاهيل) و(العوامل غير المنظورة) خارج نطاق معرفتنا وخارج نطاق سيطرتنا، وبالتالي ستستمر (الفوضى الخلَّاقة) حسب مصطلحاتهم – و(أقدار الله) حسب مصطلحاتنا - في اختلاق متغيرات كثيرة وكبيرة وربما خطيرة لا تخطر لنا على بال!.. قد نملك أحيانًا بعض (الخيارات) على المستوى الفردي أو الجماعي المحلي أو العالمي الدولي، ولكن (المسارات؟) – وآهٍ من المسارات!! - أي مآل الأمور وتلك النتائج المترتبة والمُتشعبة والمتولدة عن هذه (القرارات والخيارات) الارادية الواعية التي اتخذناها بإرادتنا بوعي حقيقي أو بوعي ناقص أو حتى بوعي مُزيف!.. فهذه (المسارات) قد تسير بنا حيث لا نشتهي ولم نتوقع ولم نحسب!!، بطريقة قد ((تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن!))، فحتى مع تتبعنا لأخبار النشرة الجوية وتوقعات الطقس - والتي لا يمكن اعتبارها دقيقة بنسبة 100% كما ثبت في دراسات حسابية تتعلق بالمناخ والطقس ومقدار الفوضى فيها وما نتج عنها من نظرية (تأثير الفراشة)! - فعلى حين غرة قد تنقلب علينا الأحوال الجوية ونحن في طريقنا للاستماع بالسباحة والتشمس على شاطئ البحر ونجد أنفسنا في مأزق تحت وابل من المطر والريح الباردة تطيح بكل أجندتنا السابقة بقضاء نهار سعيد على شاطئ البحر أو في عرض البحر!!...... ومع ذلك - أي مع ورود كافة الاحتمالات وحدوث الانقلابات – فإننا، كعقلاء، يجب علينا – كأفراد وعائلات ومجتمعات - أن نستعد دائمًا نفسيًا وعقليًا بل وعمليًا لكل هذه المتغيرات والتقلبات والمفاجآت السارة والضارة وأن نرسم الخطط الافتراضية (ألف، باء، جيم) للتعامل مع كل وأسوأ الاحتمالات المتصورة بذكاء وكفاءة وفاعلية لاستثمارها وزيادة مكاسبنا الفردية أو العائلية الخاصة أو القومية والوطنية العامة أو على الأقل لتقليل خسائرنا بسبب هذه الانقلابات الطارئة والمفاجئة غير السارة وتخفيف أضرارها ومخاطرها علينا وعلى مصالحنا الفردية والعائلية وعلى أمننا العائلي أو على مصالحنا القومية وأمننا القومي... وحتى مع وجود هذه الخطط الرئيسية والبديلة قد ننجح وقد نفشل!، فهذه الخطط باعتبارها خيارات قد تولد مسارات غير التي كنا نريدها ونتوقعها!!.... وهذا ما يقوم به (ساسة الغرب) في الغالب – أي محاولة التكهن بالقادم والاستعداد للتعامل معه! - ثم في حال أن جملة العوامل المعلومة والمجهولة والتي يطلقون عليه اسم (قوة الفوضى الخلاقة) - والتي تعمل خارج نطاق الادراك والسيطرة - خلقت عاصفة وزلزال (تسونامي) سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي بشكل مباغت في أي منطقة من مناطق العالم الأشد حساسية – كالشرق الأوسط مثلًا - وبما يهدد مصالحهم الاستراتيجية يكون عليهم الإسراع في القفز فوق ظهر موجات ذلك (التسونامي) والسعي لتوجيهه نحو تحقيق مصالحهم وتقليل خسائرهم!.. تمامًا كما لو أنه (ثور) خرج فجأة - وعلى حين غرة وحين غفلة من راعي الحظيرة وصاحب المزرعة - عن هدوئه المعتاد وطوره المألوف وثار وانتفض وأخذ ينطح بقرونه كل من وما حوله وتسبب في فوضى عارمة!.. هنا يقوم الفارس الغربي بحنكته ومهارته وخبرته القديمة بالقفز فوق ظهر هذا الثور الهائج والسعي بحنكة إلى محاولة تهدئته واعادته إلى طوره السابق واستدراجه للعودة إلى الحظيرة!.. ومن يدري!؟ فقد يستغل بعضهم بمكر ودهاء هذه الفرصة السانحة – أي ثورة الثوار وانفجار الأوضاع أو ثورة هذا الثور الهائج – كي يستعملها في تحطيم متجر تاجر ينافسه في التجارة، فيترك الثور الهائج يتجه نحو متجر ذلك التاجر المنافس مدعيًا أنه لم يتمكن من التحكم في زمام الثور إلا بعد أن حطم الثور الهائج دكان جاره!!.. هذا وارد في اللعبة السياسية (القذرة) على المستوى الصراعات المحلية أو الدولية!.. فاللعبة السياسية قد تكون محكومة بالأخلاق والمبادئ والأعراف الدولية أحيانًا، ولكنها في الكثير من الأحيان محكومة بالمصالح وقد تدور وفق شعار (الغاية تبرر الوسيلة) حتى لو كانت هذه الوسيلة وسيلة قذرة وكانت هذه الحيلة حيلة جهنمية قد لا تخطر على بال الشيطان نفسه!... هذا يحدث في اللعبة السياسية كما يحدث في اللعبة الاقتصادية التجارية بل وفي الحياة الاجتماعية عامة في حمى التنافس على النفوذ السياسي والسلطان أو النفوذ التجاري والمال أو النفوذ العاطفي أو الديني أو حتى تنافس الرجال على كسب قلب امرأة جميلة أو تنافس النساء على امتلاك قلب رجل وسيم أو ثري!... وهكذا فإن من يمتطي ظهر هذا الثور الهائج المنفلت قد ينجح في تسكينه أو سوقه حيث يريد ويشتهي وقد لا ينجح ويسقطه الثور الهائج أرضًا فتنكسر ركبته أو ربما رقبته!، فلا توجد ضمانات 100% في عالم الخيارات الارادية الواعية والمسارات البشرية غير الارادية وغير الواعية لا على المستوى الفردي ولا القومي المحلي ولا العالمي الدولي!!... لكن هكذا ينبغي أن يتصرف العقلاء كلما انفجرت وانفلتت الأوضاع أي محاولة التعامل بسرعة وحكمة مع هذا الوضع غير المتوقع!.. بينما السياسي العربي ومعه المثقف العربي ورجل الدين العربي بلحيته الطويلة والمفكر الاستراتيجي العربي حامل شهادة (برفيسور) يقفون جميعًا يحملقون في ذهول تام وتعلو وجوههم الصدمة والدهشة عند السور المهدوم وهم يصرخون في جنون عام : " إنها مؤامرة!!.. والله مؤامرة!.. أنها الفوضى الخلاقة يا عالم"!!.
***
وبغض النظر عن فكرة (الفوضى الخلاقة) فنحن المسلمين نعتقد أن الكون محكوم بسنن كونية وقدرية، علمها من علمها وجهلها من جهلها، والتي تجرى وفق نظامها أحداث الكون والحياة والبشر وحركة المجتمعات واحداث التاريخ والجغرافيا!، وأنها في الغالب الأعم تسير بشكل منضبط ولا تحابي أحدًا من البشر حتى الأنبياء!.. ولكننا نؤمن أيضًا بأن الله - وإن كان بحكمته البالغة ومشيئته الحرة أراد أن تسير الاحداث القدرية وفق هذا النظام من السنن الكونية المنضبطة في الدنيا - إلا أن ارادته تظل طليقة، فهو قادر متى شاء أن يُغيّر مجرى الاحداث لحكمة لا نعلمها أو نتيجة تلقيه دعوات ونداءات استغاثة انبعثت من قلوب مؤمنة صادقة ومخلصة أو حتى من قلوب حزينة مضطرة لأشخاصٍ ضِعاف تعرضوا للظلم الفاحش!.. هنا قد يتدخل الله ويغير مجرى الاقدار لتأخذ الأحداث منحى آخر مختلف عن المسار الطبيعي المحتوم الذي كانت تجري نحوه وفق نظام الأسباب والفعل ورد الفعل وتدافع القوى المؤثرة في النفوس والواقع المحلي والكوني، فنجد أنفسنا في عالم آخر مختلف وربما وضع غامض كما هو حالنا اليوم!.. ليس في العالم العربي وحسب بل في العالم قاطبة!، فالغرب اليوم وربما كنتيجة مباشرة لتصرفاته في منطقتنا يدفع فاتورة كل مغامرات السياسيين وعدم فهمهم لا لطبيعة المجتمعات العربية وعمق مشكلاتها ولا فهمهم حتى لطبيعة قوانين حركة العالم!.
***
هذه النظرية كما تنطبق على المجتمعات والوضع الدولي يمكن أن تنطبق على الافراد والعائلات والشركات وغيرها من المؤسسات الخاصة والعامة ... فهذه (النظرية التفسيرية) التي يسميها البعض بـ(الفوضى) والتي تقع نتيجة محدودية معرفتنا وسيطرتنا على (مجرى الاحداث المتشعبة) بمكوناتها المعلومة والمجهولة – والمجهول منها أكبر بكثير جدًا من المعلوم - وبعواملها الكلية المتداخلة الظاهرة والخفية – وما خفي كان أعظم وأكثر! - سواء انتهت بشكل إيجابي (وديع) فنعتبرها (فوضى خلاقة) و(حظ سعيد) أو انتهت بشكل سلبي (مريع) فنسميها (فوضى مدمرة زهَّاقة) أو (حظ بائس) أو ربما (مؤامرة ماكرة من خصومنا الخبثاء).. هي في الحقيقة عبارة عن (تعبير لفظي) عن حدوث أحداث طارئة ومفاجئة في مسار حياتنا الخاصة أو العامة لم تكن في حسباننا وخارج توقعاتنا بحيث نجد أنفسنا حيال انقلاب غير مفهوم في سير الاحداث – الخاصة الفردية أو العائلية – أو العامة القومية أو العالمية – يضعنا في مأزق كبير وموقف حرج حيث تبدو الأمور ونحن وسط الصدمة كما لو أنها فوضى عارمة!.. ونظل نتخبط في حيرة وصدمة نحاول فهم (لماذا حدث ما قد حدث!؟ وكيف؟؟)... فيذهب البعض إلى التفسير الديني إما بالقول أنها أحداث قدرية (مكتوبة) منذ الأزل في كتاب الاقدار الذي يستأثر الله وحده بعلمه فهي تمت بقضاء الله وقدره، وقد يعتبرهم بعضهم أنها جاءت كانتقام الهي من البعض وانتصار للبعض الآخر (انتقام من الظالم لصالح المظلوم!) أو (انتقام من المجتمعات الفاسدة والفاجرة والظالم أهلها)... ويذهب غيرهم للتفسير العلماني فإما يفسرها على أساس سياسي أو على أساس اقتصادي محتوم بينما قد يذهب البعض إلى التفسير الجاهز والسهل والسريع بالقول أنها (مؤامرة)!!
***
إذن وحتى وفق نظرية (الفوضى الخلاقة) فإن الغربيين أو الاقوياء الكبار في كل زمان ومكان ليس بالضرورة أنهم هم من يصنعون الأحداث الجسام التي تهز العالم من حيث المبدأ بل ولا حتى هم قادرون على التكهن بها بشكل مسبق ودقيق كما ذكرت وزيرة الخارجية الامريكية (كوندليزا رايس) التي نسبت اليها [2] قصة (نشر الفوضى الخلاقة في العالم العربي المسكين!!) عام 2005 بل إن الأمور – وتحت تأثير عوامل كثيرة تتفاعل خارج نطاق المعرفة والسيطرة – قد تجري بخلاف ما يخططون ويشتهون ويعملون!، وقد تخرج الأمور عن نطاق سيطرتهم بالكامل وتدب الفوضى العارمة ويكون عليهم حيال هذا الوضع الجديد غير المتوقع أن يتعاملوا معه بسرعة وحكمة وذكاء وفاعلية لمحاولة توجيهه حيث يريدون لزيادة مكاسبهم أو تقليل خسائرهم!.. أي أنهم في أغلب الأحوال لم يخلقوا هم الاحداث الكبرى التي تسببت في الفوضى العارمة بل نظام (الفوضى الخلاقة) حسب تصورهم لتتابع الأحداث في العالم شديدة التعقيد، هو من خلق تلك الاحداث الكبرى!.. فلو تطرقت وزيرة الخارجية الامريكية (رايس) بالفعل لهذه العبارة المنسوبة اليها (الفوضى الخلاقة) – وهو ما لم أعثر على نصه الحرفي حتى الآن !!؟؟ - فإن قصدها حتمًا يقوم على هذه الفكرة التي تطرقنا اليها سابقًا أي نظام الفوضى أي بمعنى جهلنا بما يجري اليوم بشكل تفصيلي وتام وبالتالي جهلنا لما سيجري غدًا على وجه التحقيق والتعيين واليقين، لهذا يكون الحل (الممكن) هو محاولة (إدارة نظام هذه الفوضى العامة) حين تبدو بوادرها أو تشتد وتيرتها في بعض البلدان بشكل قد يخرج عن نطا