قال أبو منصور بن ماريه – من رؤساء البصرة – : أخبرني أحد شيوخنا قال: كان بعض أهلنا قد استسقى وأيسوا من حياته, فُحمل إلى بغداد وشاوروا الأطباء فيه , فوصفوا له أدوية كثيرة , فعرفوا أنه قد تناولها, فلم تنفع فأيسوا من حياته , وقالوا: لا حيلة لنا في برئه , فسمع العليل , فقال: دعوني الآن أتزود من الدنيا وآكل ما أشتهي ولا تقتلوني بالحمية , فقالوا: كل ما تريد, فكان يجلس باب الدار, فمهما اجتاز به اشتراه وأكله, فمرّ به رجل يبيع جرادا مطبوخا, افشترى منه عشرة أرطال, فأكلها بأسرها, فانحل طبعه, فقام في ثلاثة أيام أكثر من ثلاثمائة مجلس, وكاد يتلف , ثم انقطع القيام وقد زال كل ما كان في جوفه وعادت قوته , فبرأ وخرج يتصرف في حوائجه , فرآه بعض الأطباء فعجب من أمره وسأله عن الخبر فعرفه , فقال: ليس من شأن الجراد أن يفعل هذا الفعل , ولابد أن يكون في الجراد الذي فعل هذا خاصية , فأحب أن تدلني على صاحب هذا الجراد الي باعه لك.

فما زال في طلبه حتى علما به, فرآه الطبيب فقال له: ممن اشتريت هذا الجراد؟ فقال: ما اشتريته أنا أصيده , وأجمع منه شيئا كثيرا وأطبخه وأبيعه.

قال: فمن أين تصطاده؟ فذكر له مكانا على فراسخ يسيرة من بغداد , فقال له الطبيب: أعطيك دينارا وتجيء معي إلى الموضع الذي اصطدت منه الجراد.

قال : نعم, فخرجا وعاد الطبيب من الغد ومعه من الجراد شيء ومعه حشيشة , فقالوا له : ما هذا؟ قال: صادفت الجراد الذي يصيده هذا الرجل يرعى في صحرا جميع نباتها حشيشة يقال لها: مازريون وهي من دواء الاستسقاء , فإذا دُفع إلى العليل منها وزن درهم أسهله إسهالا عظيما لا يؤمن أن ينضبط والعلاج بها خطر, ولذلك ما يكاد يصفها الاطباء , فلما وقع الجراد على هذه الحشيشة ونضجت في معدته, ثم طبخ الجراد , ضعف فعلها بطبختين, فاعتدلت بمقدار ما أبرأت هذا.

المصادر:

كتاب: الأذكياء – ابن الجوزي

نقلها: مبارك الدوسري - @qedaan