أعتذر سلفًا عمّا سأخبرك به، ففي ظل وجود العديد من الأشخاص ممن يتوجب عليك الدفع لهم: المطورون، والمصممون، ومديرو الحسابات، والمحاسبون، ولكن.. كيف أقولها؟
عليك أن تضيف إليهم كتّاب المحتوى المستقلين الذين وظفتهم.
فهم لا يعملون لقاء بعض المجاملات والعواطف الجيّاشة، بل من أجل المال.
بالطبع لن يُمانع أحدهم الحصول على بعض المديح، لكن سيبقى المال هدفهم الرئيسي، ذاك المال الذي سيُنفق في أمور كدفع الإيجار وأقساط التأمين الصحي وشراء الطعام. يا لهم من جشعين!
ما دفعني لقول ذلك هو أن أصحاب الشركات يظنون أن كتّاب المحتوى –وعلى غرار الجبنة- رخيصو الأجر ومتوافرون بكثرة! ولكن حتى خبراء الجبنة يعلمون أن الجبنة الرائعة نادرة، فهي تتطلب الكثير من الوقت والجهد في تصنيعها.
ورغم ازدياد فهمنا لصناعة المحتوى وجمهوره، فما زالت تصلني رسائل على شاكلة:
لا أمتلك ميزانية كافية للدفع لقاء المحتوى في الوقت الحالي، فهل يمكنك تقديم العمل مجانًا؟
أنا لا أساومك، كل ما في الأمر أنني مقيّد بميزانية محددة للمشروع.
بل هناك من يستخدم لغة أكثر صفاقة، فيقول:
لا يمكننا الدفع للكتاب المستقلين، بسبب استثمار ميزانيتنا في تجديد علامتنا التجارية.
وحين نتحدث عن السعر، يُسارعون لإشهار حجة إفلاسهم أمامنا زاعمين أنهم مجرد شركة ناشئة، وأن وكالة الإعلان استنفدت كل ما لديهم.
"بحق الله، لماذا يجب عليّ أن أدفع لك؟"
" يمكن لأيٍ شخص أن يكتب" "أنا أدفع لك فقط لأنني لا أملك الوقت لأكتب بنفسي"
هذا هو لسان بعض العملاء المحتملين عندما يعرضون عليّ مبلغ (يماثل سعر السوق لكتابة المقالات) لكتابة محتوى عن شركاتهم للاستشارات الإدارية ومنصات التعامل مع الشركات B2B، وما إلى ذلك.
ولكن دعنا نكن واضحين: إذا كان جمهورك يتضمن نخبة من ذوي التعليم العالي والقادرين على تطبيق الاستشارات الإدارية، فنحن لا نتعامل مع بعض الحمقى هنا. بل مع أشخاص أذكياء بما يكفي لتمييز المحتوى الرخيص!
يمكنك من خلال ميزانية ضئيلة، توظيف جيش صغير من كتاب المحتوى العاديين. ولكن أي نوع من المقالات تتوقع منهم أن يُخاطبوا من خلالها مدراء العمليات COO؟
بميزانية بسيطة كهذه، إليك ما لن أجيبك عليه:
من هو جمهورك؟ من أخاطب بمقالاتي؟ ماذا يعملون؟ أين يعيشون؟ ما هي أهدافهم؟ ما هي العقبات التي تقف في وجههم؟ ما الذي يلهمهم؟ ماذا يريدون أن يتعلموا؟ لماذا يجب أن يهتموا بالمحتوى أصلًا؟
كيف أضمن ولائهم؟ أين يتواجد العملاء المحتملين على شبكة الإنترنت؟ ما نوع المصطلحات واللغة التي يستخدمونها؟ من يتابعون؟ ما نوع المحتوى الذي يميلون إلى مشاركته؟ بمن ينبغي أن يرتبط المحتوى الذي أقدّمه، ومن يجب ألا أتواصل معه؟ (غالباً ما يرتبط المستقلون بالمنافسين دون دراسة للأمر.)
ما هي خدمات شركتك؟ أحتاج إلى معرفة شركتك وخدماتها بسويّة أي شخص يعمل فيها. بصفتي كاتبًا للمحتوى، أتواصل مع العملاء المحتملين أكثر بكثير مقارنةً مع مسؤوليّ قسم المبيعات. ويتوجب عليّ معرفة ما يكفي عن المجال ليخرج المحتوى موثوقًا وفريدًا.
ما هي القصة التي لن يسمعها الجمهور إلا عبرك؟ ما الذي سيدفعهم للعودة إليك وليس لشخص آخر؟ كيف أقوم ببناء رسالة تسويقية لا تُنسى، بحيث تبقى الشخص الوحيد القادر على إرسالها؟
كيف أجعل روابطك تستحق الزيارة؟ ما هو الغرض من المقالة؟ أي نوع من الدعوة لإجراء يجب أن ترتبط به المقالة؟ ما هو المزيج المكوّن من (العنوان الرئيسي والصورة البارزة والترويسة) والذي سيحصل على أكبر عدد من النقرات والقراءات؟
تبحث عن محتوى أصليّ ويتميز بالجودة؟ ستحتاج لمن يجيب على كل ما سبق.
حتى الآن، آمل أن يكون ما ذكرته قد لفت نظرك إلى أن عملي ككاتب ليس مقتصرًا على الكتابة فحسب.
وظيفتي الحقيقية هي تطوير محتوى فريد يمكن لجمهورك الاستفادة منه.
وظيفتي الحقيقية هي أن أجعلك مصدرًا للمعرفة والثقة حتى يعودوا إليك ويشتروا منتجاتك.
وظيفتي الحقيقية هي تطوير مستوى المحتوى ليجتذب جمهورك ويزيد تفاعله مع ما تقدّمه.
وظيفتي الحقيقية هي سرد قصتك وإضفاء طابع إنساني على علامتك التجارية وبناء سمعتك كخبير في مجالك.
أنا أكتب لبناء علاقات مع العملاء الحاليين والمستقبليين. الكلمات لا تتدفق كالسحر من أصابعي إلى الورقة (وإن حدث ذلك، فالنتيجة على الأغلب مجرد هراء محض!)
كل شيء أو لا شيء
إن لم تكن تسعى لتقديم أفضل محتوى ممكن لجمهورك، فأنت فقط تسهّل مهمة الباحثين عن المزيد من المحتوى السيء!
وإليك ما قاله المدير التنفيذي لشركة Moz (راند فيشكين- Rand Fishkin) عن مدى أهمية المحتوى الاحترافي:
"إذا كنت عاجزًا عن الفخر بقولك: نحن أفضل نتيجة يمكن أن تجدها في نتائج البحث، فحينئذٍ، سيكون الأمر بديهيًا: لن يكون لديك أدنى فرصة لتنافس."
يوصي راند بالسعي خلف محتوى أفضل بـ 10 مرات. بعبارة أخرى، إن عجزت عن تقديم محتوى يفوق الموجود حاليًا بـ 10 مرات، فلا تُتعب نفسك.
بالمناسبة، العثور على موقعك أسهل بكثير مما تظن.
بات سقف التحديات أعلى من أي وقت مضى. وباتت مهمة المحتوى الذي تنشئه هي إقناع جمهورك بمنحك عناوين بريدهم الإلكتروني. ثم يتوجب عليك إرشادهم لإتباع مسار مقنع بما فيه الكفاية بحيث يقومون بالتقييم واختبار البدائل ليختاروك في النهاية.
خبراء كتابة المحتوى هم سادة الكلمة المكتوبة، والقصص المروية وعلم نفس المستهلك. وفي حوزتهم من الحيل الكلامية ما يكفي لترك أكثر الانطباعات الأولى إدهاشًا، وتحويل الأحاديث العادية إلى مبيعات.
هم قادرون على الوصول لمستوى جديد تمامًا من الإثارة عنك وعن منتجك والذي لم تسمع به من قبل. يمكنهم استغلال الإعلانات حتى التي لم يعد المستهلكون يولونها اهتمامًا حقيقيًا.
إنهم أناس مبدعون بشكل فريد، الذين يستطيعون – مع توافر ما يكفي من الوقت والمال- بناء آليات للإقناع طويل الأمد والتي ستدفع بعملك نحو الأمام على مدار الوقت.
من المدهش أن معظم الشركات لا تعمل مع هذا النوع من كتّاب المحتوى. بل يلجؤون لتوفير بضعة دولارات ليتساءلوا في النهاية: أين ذهبت عوائد استثمارنا في التسويق!؟
مشكلة كُتاب المحتوى الضعفاء أنهم لا يعرفون ما تمتلكه الكلمة من قدرة سحرية. إنهم يكافحون في سبيل العثور على شيء ذي قيمة يستحق أن يُكتب، ناهيك عن عجزهم في ترك أي انطباع لدى الزائر (في الحقيقة، هم لا يعرفون كيفية فعل ذلك أصلًا!)، أضف إلى ذلك عجزهم عن خلق تواصل عاطفي مع قرائهم. حيث لا يرون حاجة ملحة لفعل ذلك، ولا يقنعون أحدًا بفعل أي شيء.
يجذب ضعف الأجور الكتاب العاديين، والكاتب العادي –بطبيعة الحال- يصبّ تركيزه على عدد الكلمات. فيكون نتاجهم، مثله مثل العلامة التجارية التي نادرًا ما تراها، لا معنى له ويمكن نسيانه بسهولة.
أعتذر ثانيةً، ولكن لا توجد طرق مختصرة لإنتاج محتوى جميل وأصيل. الأرض كروية، ولون البنفسج أزرق، والمحتوى العظيم يكلف مالًا حقيقيًا: جميعها بديهيات لا مراء فيها.