ايرتبط الوعي بالذات بمدى شعورنا بعواطفنا، ليس من حيث الإفراط في استثارة العاطفة واستقبالها، إنما في إخضاع هذه العواطف للتأمل والتحليل. فأن نجعل من عاطفتنا التي تعصف بِنَا في لحظة ما؛ موضع دراسة حالة، حيث نبحث في سببها، ومنشأها داخلنا،والسبيل الذي تسلمنا إليه فيما لو انقدنا إليها،  يمنحنا هذا الشكل من التتبع ارتفاعا في درجة وعينا بما نحن عليه من خصائص تكون في المجمل ذاتيتنا، ويؤكد أن الذات ليس مطلقة، ولا ثابتة، بل إنها قابلة للتفسير  والتغيير والحذف والإضافة. وهذا الجهد المبذول بقصدية واعية في دراسة الذات هو ما يحكم درجة النضج التي تتفاوت بين شخص وآخر بنفس اختلاف ذواتيهما، بل وتكون مؤشرا للشخص ذاته من حيث صحة تطوره العمري، فالطفل كما البالغ يشعر بالعاطفة، ولكن هيأة التأثر والاستجابة هي التي تتغير تبعا لنضج الشخص بنفسه ، أي وعيه بذاته.

ولعل في هذا تكمن الإسهامة الموقرة للآداب والفنون في تطور الوعي الحضاري الإنساني.

إن قدرة الأديب والفنان على نقل ما يفيض بالعوالم الجوانية من عواطف، وتركيزها في مواقف حياتية تحكيها حبكة العمل الفني -أيا كان نوعه- وبما يعكس الاستشكال الإنساني الذي تتمخض عنه المبادئ والقيم ، هذا الفعل المبدع هو ما يضفي سمة الإجلال على الأعمال الإبداعية ، ويحفظها من الزوال ، ويتيح لها السفر بين الثقافات، لأن العاطفة هي الكل الإنساني تماما كالعقل المحض.