البداية Image title

كحال البقية كمن هم في سنه ، نشأ كشاب في بلد تنهب فيه الأحلام كونها بلد نهبت على مدار ستون عام مضى . تخرج من المرحلة الثانوية بتفوق واختار الإلتحاق بمجال الطب كون الحروب و الكوارث في بلده يكاد عددها يتجاوز أعداد سنين عمره .

لم يكن يعلم بأن رحلته كمحارب لم تبدأ بعد ؛ فبعد أن بدأ بمزاولة مهنته اصطدم بواقع مرير في شتى الجوانب ؛ حرية مسلوبة ، بلد محاصر ، فقرمطقع حتى أبسط أحلامه التي أرادها أصبحت من ضرب المستحيلات ! كل ذلك حتم عليه أن يبدأ بمعركته في البحث عن مكان يأتي حاله على عكس حال بلده .

اختار أوروبا القارة الباردة البعيدة كل البعد عن الذل ، الهوان ، الحروب والقريبة كل القرب للسلام ، الحياة والحب . بلده كانت تشبه السجن الكبير ؛ كان المريض يحتاج لإذن مغادرة لتلقي العلاج من الجانب المحتل وأحياناً كان الموت يدك بابه قبل أن يستطيع السفر فكيف سيكون حال شاب في مقتبل العمر يريد السفر لأوروبا ليس لعلاج وإنما ليحظى بحق الحياة بسلام و بكرامة .

بدء البحث عن مبرر للسفر

كان أمام خياران لا ثالث لهما : إما السفر بداعي الإستثمار أو التحصل على منحة لإكمال الدراسات العليا . الخيار الأول لا يلائمه بتاتاً أما الخيار الثاني يستحق منه شرف المحاولة.

اعتقد بأن تخصصه المتميز ومعدله الجيد وخبرته العملية سيشفعوا له ويكونوا عاملآ مهماً في حصوله على قبول دراسة . لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن ؛ قضى فترات طويلة في مراسلة عدد لا يحصى من الجامعات و كتابة رسائل الدافع ولكن توالت ردود هذه الجامعات بالرفض تلو الرفض .

الهجرة غير الشرعية ؛ بصيص أمل !

بعد أن أغلقت كافة الطرق أمام وجهه قرر المغامرة بحياته والهجرة بشكل غير شرعي عن طريق البحر . كان هذا بصيص الأمل الوحيد فهو ، على حد قوله ، ميت على قيد الحياة فإما أن يموت أو يموت . تجارة الأرواح كانت منتشرة فتجار القوارب كانوا على استعداد لإيصالك لسواحل أوروبا في قارب يفتقر لأدنى مقومات السلامة مقابل بضعة مئات من الدولارات .

المحاولة الأخيرة

عندما اخبر أقرانه بخطته للسفر ، استهجنو طريقة تفكيره : كيف لشخص كان محب للحياة يقوم بإنقاذ أرواح الناس أن ينهي حياته بهذه الطريقة ، أن يبحر للمجهول ، أن يترك أحلامه و يضع مستقبله على حافة الهاوية . ما كان له إلا بأن يقوم بمحاولة الحصول على إذن رسمي للسفر للمرة الأخيرة . بحث طويلا إلى أن وجد دعوة للمشاركة في دورات تدريبية باللغة الإنجليزية لها علاقة بتخصصه في إحدى معاهد الخارج المرموقة .

وضع يده على حلمه ولكن ....

بعد فترة ليست بالقصيرة تلقى رسالة على بريده الإلكتروني تفيد بقبوله للسفر للمعهد لحضور التدريب . كانت فرحته العارمة لا توصف لكن لا زالت فرحته غير مكتملة فتذكر بأنه في بلد محاصر يطلب مواطنوه إذن السفر من محتله . أسرع بالتواصل مع الجامعة للحصول على وثيقة القبول الرسمية و أرفق معها كافة الوثائق المطلوبة لاستخراج " الفيزا " وأرسلها بالبريد للسفارة .

كانت فترة الترقب هي الأصعب على الإطلاق منذ أن بدأ رحلة البحث عن حق الحياة ؛ فقد بدأ الفصل الدراسي بشكل فعلي في الجامعات الاوروبية حتى أن زملائه نصحوه بعدم التمسك بآماله وأن يتهيأ لصدمة رفض اعطاؤه الفيزا . بالمختصر ، كان الجميع ينصحه بأن يموت مع القطيع .

الحلم بات حقيقة

تلقى اتصالا من مكتب البريد يفيد بوصول مغلف يحمل اسمه .غادر مكان عمله مسرعاً ، متلهفاً و خائفاً .ما إن وصل المكان المنشود حتى ناوله الموظف ذاك الطرد . أمسك به و مزقه ، وجد جواز سفره بالداخل فهم بفتحه ..... " الحلم ، ها هو " ؛ بهذه الكلمات تلفظ بعد أن رأى الفيزا داخل جواز سفره . في هذه اللحظة ، شعر بلذة المحاولة و تعب السهر و فائدة الفشل كذلك .

بالرغم من أنه فارق أهله و أصدقائه إلا أنه شعر بضرورة أخد استراحة مقاتل في إحدى دول القارة العجوز ليعيد ترميم نفسه الداخلي و ليبدأ برسم ملامح مستقبله من جديد.