الصلاةُ تُنزهُ العبد مِنَ العُجبِ والتَّكبرِ

سهير الخالدي

عندما يستحضر العبد كل معاني الصَّلاة وأفعالها عند أدائِها، فكل ما في الصَّلاة يدعوك إلى أنْ لا تتكبر بأنْ تكون متواضعًا، فأنتَ تعيش التَّواضع عندما تقف بين يدي الله موقف الذَّليل الخائف المستجير، وعندما تعلن بين يديه أنَّه هو الأكبر والعظيم والأعلى، وأنَّ كل وجودك وكيانك منه فأنتَ لا تملك لنفسك نفعًا ولا ضرًا إلا به، فإذا كان عندك مال أو جمال أو مجد أو علم وقوة أو موقع أو سلطان فهو ليس نتاجك، بل هو من عنده، فوالله لم يكن لك شيء وإذا أودعه عندك فليحملك مسؤوليته، ولا يقف هذا التَّعبير بالكلام، بل بالفعل عندما تخشى الله أو عندما تعفر جبينك في سجودك بالتُّراب الَّذي يُشعرك بأنك أيها الإنسان مِنَ التُّراب كنت، ومهما علوت وكبرت فإلى التُّراب ستعود.. فمن يعش كل هذه المعاني وهذه الأحاسيس بعمقها لا يمكن له الا أنْ يتواضع لله ويتواضع مع الناس.

عَنْ السَّيدة الزهراء (عليها السلام) قالت: "جعل الله الإيمان تطهيرًا لكم مِنَ الشِّرك، والصَّلاة تنزيهًا لكم عَنْ الكبر، والزَّكاة تزكية للنَّفس ونماء في الرِّزق، والصِّيام تثبيتًا للإخلاص، والحج تشييدًا للدِّين...".

ونحن اليوم سنكتفي بالتَّوقف عند المعيار الَّذي حددته السَّيدة الزَّهراء (عليها السَّلام) للصَّلاة، فالصَّلاة كما ذَكرت: "جُعِلَت تنزيهًا مِنَ الكبرِ"، أي وقاية مِنْ هذه الآفة الخطيرة، فالهدف والغاية مِنَ الصَّلاة، أنْ تنزع مِنْ قلب الإنسان أي إحساس بالكبر أو الغرور أو العجب، مما قد يصيب الإنسان عندما يمتلك علمًا أو مالاً أو قوة أو جمالًا أو جاهًا أو نسبًا.. أو مما يصيب بعض المتدينين الَّذين يغترون بما بلغوه مِنَ العبادة، بحيث يرون أنفسهم أفضل مِنَ الآخرين.

السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) أخذتْ صفة التَّكبر كصفة أوحدية تنهى الصَّلاة عنها، و أرادتْ أنْ تُشير إلى حقيقة قرآنية، وهي أنَّ التَّكبر في أصله هو سبب بلاءات البَّشرية ومفتاح مآسيها وشرورها ممن يتكبرونَ على الله أو يتكبرونَ على النَّاس.. وهو الَّذي يُجرئ الإنسان على باقي المعاصي والأخلاقيات السَّلبية مِنَ الكذب والسَّرقة والجريمة وما إلا ذلك. وإذا كنا نعاني مِنْ انحراف فهو مِنَ المُتكبرينَ والمستكبرينَ في كل ميادين الحياة في الدِّين، في السِّياسة، في الاقتصاد والاجتماع...

ويكفي للدلالة على ذلك إبليس، فهو قد بلغ ما بلغ من انحراف وعتو بسبب استكباره: {إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} عندما قال بعدما أمره الله بالسجود لآدم: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} والنار تتفوق على الطِّين، وهذا التَّكبر أدى به إلى أنْ يعصي الله عز وجل ويعلن الحرب على الإنسان. والتَّكبر هو اَّلذي أوصل فرعون ليكون طاغيًا متجبرًا يظلم النَّاس ويستعبدهم ويسحقهم...

وقد أشار القرآن إلى مظهر تكبره عندما قال: {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَ***1648;ذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}.

التَّكبر هو الَّذي واجههُ رسول الله (صلى الله عليهِ وآلهِ وسلم) مع قريش حيث قال عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً}..

وكما أشار علمائنا من سارَ على نهج الرسول (صلى الله عليهِ وآلهِ وسلم) وآلِ بيتهِ (عليهم السلام) أمثال السيد الصرخي الحسني موضحًا أنَّ الصلاة هي الأساس في معالجة العُجب والكِبَر قائلاً في بحثهِ الأخلاقي"معراج المؤمن": "أفعال الصلاة تمثل أحد الأساليب العملية المناسبة لمعالجة العجب والتكبر عند الإنسان، كما في وقوفه ذليلًا صغيرًا أمام الله -تعالى- وعندما يركع ويسجد لله على نحو الذُّل والعبودية، وكما في التحاق المصلي بصلاة الجماعة فيكون في صفوف المصلين من هو أقل منه مالًا وولدًا وحسبًا ونسبًا".

وختامًا ليكن تعبيرنا بالولاء للرسول وآلِ وبيتهِ الأطهار (عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم) ومن سارَ على نهجهم تعبيرًا عمليًا بأنْ نطهر نفوسنا مِنْ كل كِبَر.. ومن شعور بالعظمة الموهومة.. ومن إعجاب بالنَّفس حتى لا يكون كل ذلك مانعًا يحجزنا عن رحمة الله وعن الجنة وعَنْ بلوغ قلوب النَّاس الَّتي لا يبلغها المستكبرونَ.