كم فعل فينا سوءا استسلامنا لفكرة ؛ أن العاطفة عدو العقل تحيد به عن قياساته الموضوعية الدقيقة ، وبالتالي فلا بد أن ننحي العاطفة جانبا كي نكون عقلانيين في قراراتنا!؟

هذه الأطروحة البالية قد تسلمتها البشرية عن معلم الفلسفة الأول أرسطو، والذي كان يرى أن خصيصة الرجال الكفؤيين والعقلانيين في قراراتهم؛ إنما مردها أنهم لا ينظرون إلى عواطفهم ، بل ولديهم القدرة على التخلص من أي تأثير عاطفي ، لذلك كانوا عظماء!!- بتصرف-

ثم انبنى على ذلك، تأييد خفي للمفاضلة المجحفة لكون المرأة أقل تفكيراً عقلانيا من الرجل ، نظرا لغلبة عواطفها على نظرتها للأمور! وبهذا أهدرنا قيمة جنس بشري كامل انقيادا لرأي فردي وقديم!

قبل أن ندخل في معطيات العلم الحديث، وما كشفت عنه الدراسات الطبيةً في مختلف معامل البحث، فإننا نؤمن أن الله قد خلق الإنسان كامل التكوين، فيما أسماه سبحانه "في أحسن تقويم"، فالمجموع الإنساني في كل منا قد أتى على تمام الحكمة والخلق لأمر أراده الخالق منا. فالعاطفة مكون ينشطر على عوالمنا الحسية الظاهرة والباطنة المكنونة أيضا، وكما العقل في حسن صنعته، هي كذلك العاطفة في أحسن حالاتها.

أما ما أثبتته الدراسات الطبية بعد اختراع المزيد من الأجهزة الكاشفة عن الدماغ والجهاز العصبي، فهي تقرر بأن العاطفة ليست من عالم غير ملموس، لنا أن نختارها أو أن نبطل تأثيرها فينا، بل على النقيض من ذلك، فإن مناطق العاطفة تشمل نقاط عديدة ومفصلة بدقة على امتداد الدماغ وقشرته الخارجية انتهاء بالتجاويف العميقة فيه. وأن مراكز العاطفة تنمو وتنضج في الدماغ، على مثال النمو الذي يحدث لهيكل الجسد كله. ولكن الفارق الإضافي للحس العاطفي ؛ أن الاستعداد مخلوق فينا صحيح، ولكن عوامل التربية والسياق الاجتماعي والمعايير الأخلاقية تؤدي دورا في نضج المرونة العاطفية وتوازنها ، أو على العكس ، جفوتها وتكلُّسها، والذي نصف به البعض بالسيكوباتين. فالشخص السيكوباتي هو الذي لا يستطع تفهم أو الوعي بمشاعره ومشاعر الآخرين، لذلك يوظف العنف أو العزلة الإجرامية بكل أنواعها في علاقته بالمجتمع . 

إن العاطفة لا تلغي الحصافة اللازمة في اتخاذ القرار السليم، بل إنه بدون المشاعر لا تستطيع اختيار الخيارات الأفضل لنا، أي أننا نصنع قرارتنا بناء على شعورنا بشيء ما جيد بالنسبة لنا تجاه هذا الأمر أو ذاك. وهذا ما يقوم عليه مفهوم الذكاء العاطفي ، إذ بحسب تفاعلنا مع الآخرين نكتسب سمات الاجتماعية، ومهارات العمل ، ونقتبس الخبرات ،وهي كلها عوامل قوة في مسيرتنا المهنية.

لقد كان الفيلسوف فرانسيس بيكون يتنبأ بأنه سيأتي يوم تدخل فيه العواطف إلى المختبر لفحصها وقياسها، وقد تحقق هذا اليوم بفعل الأجهزة من مثل : أجهزة قياس كهربة الدماغ، وجهاز الرنين المغناطيسي ، التي تراقب الإثارات العاطفية في مناطق الدماغ وتسجلها .

من الظواهر العجيبة لدى دراسة التأثير العاطفي المعدي، هو أن الأطفال حديثي الولادة يحبون النظر إلى الوجوه المبتسمة في الأشخاص ، ويرتاحون لها، ويحاكون ابتسامتها، على الرغم من أنهم لا يعرفون كيف تكون وجوههم وهي مبتسمة. 😍