في يوم رماديٍّ رتيبٍ كالذي قصد فيه انزواءته الأثِيرة من المقهى، لم تجاوز احتمالاته -التي يرتجلها يوميًا- فكرة توقف تدفّق الحياة –التي هي كابُوس- فجأةً لأن أحدهم استيقظ، أو برقٍ غاضبٍ يشطر المدينة نصفين. ولم يلُح له، حتى في أحدِّ لحظات ارتجاله جموحًا، مشهد أن تدخل الحرب مقهاه بساقيّ امرأة. فضلًا أن تمشي بوقارٍ، كنغمة موزونةٍ، وتختار قفلَتَها الجلوس تلقاءه. لكنها فعلت. جلست، صالبت ساقيها، ولم تطلب شيئًا.
ظلت تنقِّل بصرها بين النافذة ووجهه. وبدت، بعبثها الملُول المتواصل بأظافرها كملاكِ موتٍ ينتظر إشارةً إلهيةً ما كي يقبض روحًا. كانت روحه. أدرك هذا.
لقد كانت غِوايتها مهيبة. للحد الذي ينتابُك فيه الجذلُ كونك تحت التهديد. لم يدرِ كم لبث في هالتها، أو كم دام حوار صمتهما، وكم مرّةً تلعثم أثناءه. كان مأخوذًا، كما تصوَّر دائمًا هبوط آدم الأول، بتعويذتها الملقاةِ عليه. حتى نهضت، كقصِيدةٍ مُكتملة، وألقت، قبل أن تغادر نظرةً كالتي تقول -بلا جُهدٍ- كل شيء. فشعر، بعد أن عادت رُوحه من سفرٍ طويل، وكأن رصاصةً قد ثقبته بنعُومة، أو سقط عن عرشٍ ما، في نقلة شطرنج أخِيرة.