لا أستطيع المشي. طفلةً في التاسعة، استيقظت على مُستهل هذه الحقيقة. نهضت، مترنِّحة، أجرُّ قدميّ اللتين قد تخلتا عني. يومٌ مدرسي، جديد، كالألم الذي أشعر. دقائق أخرى وسيزول هذا الخدر، همستُ لنفسي بذعر طفوليٍ يُطمئِن نفسه. وخلال استرجاعٍ ذهني وامِضٍ لغضب المعلمة وعواقب سابقاتي، رفضت، إلحاح والدتي للتغيّب. وحُمِلت، إلى السيارة، لعجزٍ تامٍ عن التوازن. طفلةٌ مذعورة تجرُّ قدميها. هكذا، دلفت إلى المدرسة. مستغرقةً وقتًا أطول من العادة، بكثير، في صعود الدرج. ها هو الفصل. شجعتُ نفسي كي أصل. وفعلت. ثم جلست، بأنفاس متقطعة، توقعات فزِعة، ودمعٍ يُنازع التحدُّر.
كنت قد بدأت أنسى، أثناء التلوين الذي كنت منهمكةً به، أمرَ ألمي. وتذكرته، بشكلٍ صاعقٍ أكثر حين طلبت مني المعلمة إحضار دفتري من الخزانة. الخزانة. تبدو الآن أبعد. ستصلين، سأصل. بكيت. دقائق، حتى كنت مدار نظرات المديرة القلِقة. ثم دقائق أخرى، وأُخرجت باكيةً، على كرسيٍ مُدولب. عدت إلى المنزل، محمولةً، بقدمين معطّلتين. مذعورون من حولي. يحاول تهدئتِي. قلقون، ومتفاجئون. توقفتُ فجأةً عن البكاء، وظللت صامتة، رغم الألم الذي ينخُر ساقي. لبثتُ صامتةً، طويلًا، كما لو كنتُ أتهيّأ لوعيٍ جديد. أمضيت أيامًا متواصلةً دونما نوم، وبألمٍ لا يعرفُ الانقطاع. كيف تشعرين؟ تعاود أمي سؤالي. فأدرك أن الألمَ لُغة المرء وحده. عاجزةً، كنت، عن تحريك قدميّ. وطفلةً فزِعةً يغمُّها ألا تشارك الأقران بعد الآنِ غواية اللعب.
إنَّ المؤلم أكثر من فكرة الألمِ، ألا تعلم، تمامًا، ما بك. عرفت هذا مبكرًا؛ حين حارَت في أمري تفاسِير الأطباء. قد لا تمشي بعد الآن. ستحتاج إلى العديد من العمليّات. لا نعلم تحديدًا.
كم نحنُ آلات. أدركت إثر سهدي القسريّ. وكإفاقةٍ، أحسستُ عجزي. بتّ أرى الكون بعينين نافذتِين. فالحركة ترف، عدم الاستعانةِ بآخرَ نعيم، ويبدو الآن، رائعًا، إحضارُ شيءٍ تريدُه. كأعوامٍ، وقطارٍ ثقيل، عبرتني شهورُ الألم واليقظة. وحنينٌ، عارمٌ، ما انفك يُلمُّ بي مدار اليومِ إلى ممارساتِ الاعتياد.
لقد كان الزمنُ أثقل، والإدراك أنفَذ، والقلق رفيقٌ، وفيّ، لا يمسُّه وسن. لقد اعتدت، كوني تمثالًا، حزينًا، يحن إلى الحياة. بيد أنِّي استيقظت يومًا، بصُلحٍ أبرمته قدماي غمرةَ منامي. واستطعت الحراك. فمشيت، حلَّقت، كما لم يسبق لي أن فعلت. واليوم، بعد سنوات، أستيقظ، وأعي تمامًا، كيف يسُود الشغفُ فِعلًا قد يبدو عاديًا، جدًا، كالمشي.