محافظة تصدر ثلاثة ملايين برميل يوميا. المنفذ البحري الوحيد للعراق على الخليج العربي. تحادد دولتين ولها معهم منافذ حدودية مهمة. موانئ العراق الرئيسية وشريان تجارته مع العالم. تطوف على بحر من الذهب الأسود. عدد سكانها يزيد على ثلاثة ملايين نسمة، يمثلون كتلة بشرية كبرى تعادل دولة. لكن أمواج الخليج ما زالت تعصف بها، فلم يقر لها قرار.

   البصرة ثغر العراق الباسم، هكذا كان يعبر عنها، لكنها لم تبتسم يوما ! فقد تحملت جور النظام السابق لثلاثة عقود، ونتائج أفعاله الإجرامية وحروبه مع دول الجوار، فقد أخذت حرب الخليج الأولى منها، آلاف الضحايا والنازحين، وثروات هائلة كانت محرقة لحرب عبثية، كان نصيب البصرة منها حصة الأسد، ثم جاءت حرب الخليج الثانية لتحرق ما تبقى من البصرة، وتتحول بناها التحتية وجسورها الى تراب، ولم يبق فيها إلا السياب واقفا ينعى شطها.

   كان المتوقع بعد تغير الوضع السياسي في العراق بعد عام 2003، أن يتغير الواقع البصري سواء على المستوى الإجتماعي والخدمي، أو على المستوى الإقتصادي، وأن تكون البصرة في مصاف المدن المتطورة، أو مشابهة لما يحيط بها من مدن الإقليم، التي تحتوي على ثروات مشابهة لما تملكه البصرة فهذا هو إستحقاقها، وهي تملك من الطاقات البشرية، ما يمكنها من القيام بذلك، إذا ما توفر لها الإمكانيات المالية والفنية، شريطة توفر النوايا الصادقة  لانتشالها مما هي فيه.

  دارت عجلة الصراعات السياسية في البصرة، وكانت مشابهة في مضمونها لما دار في العراق من صراع سياسي، وتقاسم للمغانم والثروات بين الأحزاب والكتل السياسية، فالشركات النفطية إستولت على أراضي البصرة، تمتص ما فيها من خيرات وتمنح البصرة الدخان والسموم وأمراض السرطان، والأموال تذهب الى الحكومة الاتحادية، وميناء الفاو الكبير لم ير النور بعد تعاقب ثلاث وزارات رغم ان احدهم وعد بالاستقالة إذا لم ينفذ، ومنافذها الحدودية إستولت عليها عصابات خارجة عن سيطرة الدولة تعيث فيها فسادا.

  كانت علاقة البصرة مع الحكومة الإتحادية تمر بشد وجذب، فإن كانت الحكومة المحلية من نفس المكون السياسي للحكومة المركزية أطلقت لها الأموال، التي في غالبها تذهب الى مشاريع لا تحاكي القواقع البصري، مثل المدينة الرياضة التي كلفت 3 مليار دولار والبصرة لايوجد فيها مجاري للأمطار والمياه الثقيلة، وتعاني الشح في المياه الصالحة للشرب، إما إن كانت الحكومة المحلية من فصيل سياسي يختلف مع حكومة المركز، تبدأ التبريرات والأعذار والمماطله من أجل سلب حقوق البصرة، وهذا ما شهدناه في مشروع البصرة عاصمة العراق الاقتصادية ومشروع البترودولار.

   كانت البصرة ضحية للصراعات السياسية، التي أضاعت جميع المحاولات الهادفة لخدمتها ومنحها إستحقاقها الحقيقي، ولم تفد محاولات تغيير المحافظين، أو تعيين وزراء النقل والنفط منها في إيقاف الصراع الدائر على ثرواتها، فقد أخذ الإصطفاف السياسي مأخذه من أهل البصرة، وما عاد يعنيهم من يريد تقديم الخدمة، أو الذي يريد سلب ثروة البصرة، فقد تحولت القضية الى صراعات سياسية، يحاول كل مكون سياسي فرض سطوته عليها، حتى وصل الأمر الى الاشتباكات وحرق المقرات.

    لابد من جلوس الجميع الى طاولة حوار، تحدد فيها الأولويات التي يمكن من خلالها خدمة البصرة وأهلها، وإيقاف الصراع الدائر فيها، الذي إذا ما إستمر فأنه سيحرق البصرة بل يمتد الى العراق كله، وعلى الجميع أن يدرك إن استقرار العراق من إستقرار البصرة، وإن تنال هذه المحافظة المظلومة إستحقاقها، فلن تبقى الناقة التي تحمل ذهبا وتأكل عاقولا.