الذكاء أختلف على تعريفه وتحديد ما هيته العديد من العلماء سواءً علماء النفس أو المنطق أو البيولوجيا و في عام 1905 طور عالم النفس الفرنسي ألفريد بينيت أول اختبار شامل للذكاء صار شائع الاستخدام. وقد طور هذا الاختبار بغرض التنبؤ بمستوى أداء الأطفال في المدارس. ومنذ ذلك الحين، جرى استخدام اختبارات لقدرات إدراكية محددة، مثل: مهارات الرياضيات والمهارات الشفهية ومهارات البراهين الفراغية، وذلك بغرض تشخيص حالات التدني في القدرات الذهنية، ومن أجل تحديد طيف الذكاء الطبيعي.

 ما يهمني هنا هو إضافة تعريف واقعي للذكاء بناءً على واقعنا الثقافي السعودي وذلك بالمقارنة بين شخصيات سعودية إفتراضية لمعرفة من الأذكى...؟

الشخصية الأولى:

في الواقع هذه الشخصية عبارة عن أخوة أثنين لم استطع أن أفصلهما عن بعضهما بسبب التكامل في العمل بالرغم من التناقض في التوجهات الفكرية و المهنية.

فالأول: فنان كوميدي و صاحب شركة إنتاج فني، لقبته بِ منصور الفائز

و الثاني: داعية أسلامي سلفي التوجه، له حضور إعلامي كبير و يتزعم عدة لجان لإصلاح ذات البين و حل قضايا الدم كما يعرف به هذا الملف رسمياً و لمعرفة هذا النشاط بالضبط فهو السمسرة بديات المقتولين في قضايا جنائية، لقبته بِ علي الفائز.

الشخصية الثانية:

الدكتور أحمد نصيب: دكتوراه في هندسة الطيران والفضاء عضو هيئة التدريس في أحد الجامعات المرموقة في السعودية. عضو وكالة الفضاء الأميركية (ناسا). حاصل على عدة شهادات في هندسة الطيران والفضاء من أرقى الجامعات الأميركية، وقدم خلال حياته المهنية نحو ثمانين بحثا محكما وعشرة مؤلفات باللغتين العربية والانجليزية حول علوم الفضاء.


لماذا المقارنة بين الفائز أخوان و عالم الفضاء أحمد نصيب...!؟

للمقارنة بين شيئين يجب أن تخضعهما لنفس المعايير و ذلك يعرف بال Benchmarking و قد حاولت جاهداً لأن أفترض شخصيات تخضع لنفس المعايير الزمانية و المكانية و هذا ما تحقق في هذه الشخصيتين.

فجميعهم متقاربين في المرحلة السنية و ولدوا و ترعرعوا في نفس الظروف المكانية.

الفائز أخوان و الدكتور أحمد من مواليد قريتين جنوب غرب السعودية في عقد الستينيات الميلادية،  حيث لا يفصل بين القريتين (قرية الفائز أخوان و الدكتور أحمد) أقل من 40 كم و تمتلكان نفس الطبيعة و نفس الثقافة الإجتماعية و نال كلتا القريتين نفس الجفى من عجلة التنمية.

إذن تساوت الإيدولوجيا و الديموغرافيا و الجغرافيا لمكاني الولادة و النشئة لهم جميعاً.


قصة الحياة المبكرة

منصور الفائز:

طالب ضعيف في التحصيل العلمي، مشاغب، يحمل معه من المنزل ما قل ورقه و حبره و لا يكاد أن يبدأ اليوم الدراسي الا و هو متسلقاً أسوار المدرسة هارباً من جحيمها أو كأني بالمدرسة تلفظ خبثها كما يلفظ الكير خبث الحديد. في تمارين الطابور الصباحي لا يمارس إلا الاستهبال لإضحاك زملائه في آخر الطابور، ولا يوقفه إلا صراخ معلم التربية البدنية المصري عليه من خلال ميكروفون الإذاعة المدرسية "إنزبااااط ياللي عامل زي الفرخة المدبوحة"، تضحك المدرسة كلها ويقفل منصور الستار عن المشهد الأول من مسرحيته اليومية.


علي الفائز:

طالب متوسط التحصيل العلمي، ملازم لجماعات النشاط المدرسي. تارة مع جماعة الكشافة و تارة مع جماعة الإذاعة و تارات عديده مع جماعة التوعية الإسلامية خصوصا في وقت الرحلات الى مكة و المدينة بالباص المتبرع به لجماعة التوعية رجل فقير من أهل القرية يعمل متعهد لنقل طالبات الكلية من بنات القرية إلى كلية إعداد المعلمات في المحافظة القريبة ، بعد أن تم إقناعه بحصوله على أجر العمرة و الزيارة عن كل شخص ركب في الباص في آخر محاضرة توعوية استهدفته هو بالذات من أجل تمرير مشروع الصفقة الرابحة التي لا تبور، وَلَأَجْر الْآخِرَة خَيْر لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ.

بالنسبة لعلي فإن مادتي الرياضيات و العلوم الطبيعية مجرد مواد لإلهاء الأمة عن ما يحاك لها في الخفاء و لا يلزمه فيها إلا درجة النجاح الدنيا لكي يجتاز المرحلة بسلام. أما باقي المواد فهي مضمونة النجاح بحكم علاقته الجيدة مع معلميها الملازم لهم في جميع الانشطة.


أحمد نصيب:

طالب نجيب، مهذب، لا يكاد يقوى على السير من منزله الحجري الى المدرسة التي تبعد مسيرة نصف ساعة على الأقدام من كثر ما يحمله من كتب و أقلام، ملازماً الصف حتى في وقت الفسحة. في غدوه و رواحه تتواثب النظريات الفيزيائية أمام عينيه و كأنها الكيني سامي وانجيرو بطل ماراثون أولمبياد بكين في 2008. حتى في الإجازات كانت تسليته الوحيدة تحليلل ضربات كرة القدم فيزيائيا وقت حضوره لدوري كرة القدم لفرق القرى المجاورة و المقام في ملعب كان مزرعة قديمة لأحد عوائل قريته حيث هجرت العائلة مهنة الفلاحة و التحق رجالها بالعمل الحكومي و تكدست نساءها في المنازل لمتابعة مسلسل وضحى و بن عجلان مع علف كل ما لذ و طاب من مطبخ المنزل حتى أصبحن بوزن البقر المستأنسة لديهم في عصر ما قبل الطفرة في الدور السفلي من المسكن. 


نظريات ألفريد بينية لقياس نسبة الذكاء ... في الميزان

بعد استعراض الحياة المبكرة لأبطال المقالة، دعونا نخضعهم للإختبارات المطورة من قبل عالم النفس الفرنسي ألفريد بينية لقياس نسبة الذكاء لجميع الشخصيات. و التي من المفترض بأن نتائج الإختبار ستعطي مؤشرات و دلالات على مستقبل كل منهم من حيث دخل الفرد و مستوى الرفاهية و المعيشة في حياتهم المتأخرة بناءً على أن النتائج تقيس الإدراك و المهارات لدى الطالب و التي بدورها تلعب دوراً أساسياً في المسار المهني، حيث من المتعارف عليه في العقل الباطن لدى المجتمع أنه متى ما كانت المهنة تعتمد على شهادات علمية أكبر كل ما كان مستوى دخل و معيشة الفرد أكبر في المستقبل.

و بناءً على طبيعة الشخصيات فقد حصل الطالب أحمد على درجة +115 بينما الطالب علي حصل على درجة بين ال 70 و ال 80 و بذلك يعود الفضل إلى نشاطه الدؤوب و ديناميكيته الإجتماعية التي طورت لديه العديد من المهارات. أما منصور فقد حصل على درجة 60 و ليس ذلك بسبب تدني نسبة الذكاء لديه و لكن لأنه قضى المدة المحددة للإختبار في الاستظراف مما أفقده التركيز حيث كان من المتوقع حصولة على درجة لا تتجاوز ال 65 في حال كان تركيزه وقت الإختبار أعلى.

جميع الشخصيات أكملت شق طريقها في حياتهم المهنية مستخدمتاً ما وهبها الله من ذكاء، غايتهم دنياً يصيبونها و كان لكل منهم ما كسب.

منصور لا يجيد إلا التهريج و الذي تدرب على أداء فصوله في المدرسة فأختصر الطريق ولجأ للمسرح و أصبح يمارسه برعاية جمعية الثقافة و الفنون التي ليس لها من أسمها نصيب، و بعد أن كانت ممارسته للتهريج خروج عن قانون المدرسة أصبح العمل قانوني و منظم و برعاية رسمية. و بعد أن كان لا ينال أجراً مقابل الأدوار التي أداها سابقاً في المدرسة إلا العقاب و سيل الشتائم من المعلمين خصوصاً معلم الرياضيات السوداني الذي كان يتندر عليه بحسره " نزرياتك إجديده دي تعبتني شديد يا زول، فيتساغورس بزاته ما عارف حلها شنو". أصبح منصور ركن من أركان الفن السعودي و يمتلك شركات الإنتاج الفنية التي تمطرنا في كل موسم بكل ما هو غث و سمين من المسلسلات التلفزيونية و أرتفعت مداخيله (اللهم زد و بارك)...

لحظة ... لحظة، لا يجب أن أنسى نقطة مهمة جداً. شهرة الكوميديان قربته من الشيوخ فأصبح يحضر مجالسهم و يسليهم في لياليهم بعد أن أٌثقِلت أيامهم بأعباء مصالح العامة التي يراعونها و يسهرون الليالي من كبر همها و عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

يلعب الذكاء هنا دوره مع أخيه علي أيضاً الذي أصبح موظفاً في وزارة المعارف سابقاً فيستغل قرب أخيه من الشيوخ و يرمي بشباك صيده في بحرهم، ليغنم هو أيضاً من الكنوز التي وهبهم إياها الله. فهؤلاء علية القوم كذلك يحتاجون إلى من يذكر العامة بأن الخاصة أهل خير و عطاء في سبيل الله، و أن الله أوكل لهم أموراً ما أن تٌعرض على أحد من العامة الا أن يأبى أن يحملها و يشفق منها.

يسكن الأخوين اليوم أفخم القصور شمال الرياض و يركب علي الروز رايس و منصور البنتلي و متابعينه في وسائل التواصل الإجتماعي بالملايين بعد أن حقق شهرة كبيرة جداً بسبب إقتناص فرص الخير بذكاء شديد.

أين أنت يا ستيفن هوكنج السعودية؟

نعم إنها الخامسة مساءً في إحدى قاعات الجامعة و لا زال الدكتور أحمد يلقي المحاضرة لطلابه من درجة الماجستير، فهو لا يبالي كثيراً من ساعات العمل المتأخرة حيث يقطن في إحدى شقق إسكان أعضاء هيئة التدريس داخل سور الجامعة حيث يمارس رياضة المشي كل صباح من المسكن إلى الكلية و من هنا عرفنا سر بقاء سيارته الإنوفا نظيفة بالرغم من إنقضاء خمسة أعوام على شراءها بالأقساط من أحد الشريطية و الذي يعمل في مهنة إدارية في الجامعة.

أسرته في إنتظاره بعد أن يعود من العمل ليوصلهم إلى شارع الخياطين في السويكت في الخبر  لاستلام الفساتين استعداداً لحضور زواج إحدى قريباتهن في قريته و التي يستغلون موسم التزواج في الإجازة الصيفية لإقامة الأفراح و الليالي الملاح. الدكتور أحمد لا زال متردداً هل يذهب مع آسرته أم يبقى في الجامعة ليدرس طلابه في الترم الصيفي و الذي سوف يدر عليه مبلغ و قدره يستطيع به سد بعض الإحتياجات المادية أو قد ينهي أخر قسطين للسيارة دفعة واحدة و يرتاح من همها و من وجه الشريطي الذي أعتاد دائماً على مقاطعته أثناء المحاضرة الأولى بعد نزول الراتب ليأخذ منه قيمة القسط الشهري.

عموماً فالدكتور أحمد لا يحاول أن يشغل باله بالأمور المالية كثيراً و ليس لديه الخبرة الكافية في التعامل مع البنوك حيث كانت آخر مرة تعامل فيها مع بنك يوم أجبرته الجامعة على فتح حساب لإيداع الراتب الشهري و الذي كان بمقدار 9785 ريال بعد أن كان يتقاضى راتبه نقداً. و عدم خبرته في المراجعات و المعاملات يعود لإنشغاله بالأبحاث الأكاديمية و حيث أنه غالباً ما يلجأ لأخذ استشارات مالية من إبن عمه الذي يعمل صف ضابط في إحدى القطاعات العسكرية و يدير مشروع بيع المكيفات بالأقساط للجنود في القاعدة العسكرية التي يعمل فيها و يدّر عليه مبلغ محترم شهرياً بالإضافة إلى راتبه و اللذان مكناه من تملك العديد من العقارات بدون صكوك في أطراف المدينة التي يقطن فيها و قد بنى منزله العامر على أحد هذه الأراضي مؤخراً بدون أي تصريح من البلدية. إبن العم العسكري لا يألُ جهداً في إقناع أبن عمه عالم الفضاء بشراء أحد هذه الأراضي المحرزة بدون صك لكي يؤمن له و لآسرته منزل يضمهم بعد تقاعده من الجامعة و الذي أوشك وقته.

عذراً مسيو ألفريد

فنتائج إختباراتك خادعة و لا يعتمد عليها إطلاقاً في سوق العمل السعودي فمن حصل على أعلى الدرجات ليس بالضرورة هو الأكثر ذكاءً و بالتالي يختار المهنة الأكثر دخلاً. و هنا أحببت أن أقدم النصح لأولياء أمور الطلاب الذين لا زالت الفرصة أمامهم سانحة بشق طريقهم المهني بأن لا ينخدعوا بالدراسات الغربية فهي ليست بالضرورة تعمل هنا في السعودية بنفس الكفاءة التي تعمل بها في أوروبا أو أمريكا.

نعم ... مهنة خوي في السعودية قد توصلك إلى أعلى المراتب سواءً في الأعمال أو الوظائف العليا فهي الشهادة الحقيقية قد تحمل شهادة الثانوية العامة بتقدير جيد و ترفل في النعيم بسبب استخدامك لذكائك و توظيف مهاراتك اللامنهجية في إبساط طويل العمر بينما أخر يحمل أعلى الشهادات و يعمل في أرقى القطاعات و لكنه مديون للبنوك. لا زلت أتذكر جيداً اليوم الذي قابلت فيه زميل الدراسة ذعّار الذي كنت أغششه كل صغيرة و كبيرة وقت الامتحانات حتى كاد أن ينسخ أسمي من ورقة إختبار اللغة الإنجليزية،  في صالة المطار حينما كنت في استقبال عائلتي القادمين من رحلة داخلية و كان هو ذاهب إلى لندن للسياحة مع المعزب بعد أن أتم صفقة بيع ناقته المزيونه بالملايين و في يده مفاتيح سيارته البورشه بينما أنا و الذي أعمل كبير مهندسين في الشركة دخلت المطار بعد أن أوقفت الكامري في موقف مخالف و ذلك لجهلي بمرافق المطار الذي إنقطعت عنه و جافيته سنوات عديدة لقلة ترحالي.

ذعّار و بذكاء شديد عرف إحتياج سوق العمل أكثر منّي فلم يشغل باله بكثرة طلب العلم فتوجه إلى هدفه سريعاً محققاً أعلى المكاسب و أنا كذلك فعلت ولكن بنسبة ذكاء أقل بكثير من زميل الدراسة ذعّار فلم أتورط بكبر الشهادات كما تورط الدكتور أحمد.