يوميات كاتب : بين سوق مريدي ومول المنصور
بقلم اسعد عبد الله عبد علي
الساعة السادسة عصراً, حيث يزدحم سوق مريدي بالمتبضعين, يأتون له من مناطق مختلفة, ولسوق مريدي تاريخ وشهرة سيئة, لكنه ألان مهم جدا لآلاف العوائل, التي تجد ما تحتاجه وبأسعار تناسبهم, من الأثاث إلى الأجهزة الكهربائية, حتى الأدوية والملابس, بل والأسلحة, سئلت احد الباعة: لماذا السلاح يباع في مريدي؟ فقال: يا أخي أننا في زمن غدار, والناس تحتاج للسلاح لتحفظ كرامتها, ولو كانت هناك دولة حقيقية, وقانون فعال, لما لجأ الناس لشراء السلاح.
حياة صعبة تعيشها الأغلبية, بفعل تقصير النخبة الحاكمة بمسؤوليتها, طبقة غنية تعيش في القصور, والناس تسحق في وادي عميق.
توقفت قليلا عند باع عصير, فان لعصير الرمان أغراء خاص, سألته كيف هي أحوال مريدي, قال انه في ازدهار, وهذا دليل ضعف الدولة, وتخليها عن مسؤوليتها, قالت له: كيف ؟ وضح لي؟ فقال : لو كانت الناس تملك المال, لما لجئت لبضائع منتهية الصلاحية, ولو كانت أحوال الناس بخير, لما قبلت أن تشتري ملابس أو آلات مستخدمة, أن الناس في محنة , لذا تلجا لسوق مريدي, وأتذكر جيدا كيف تحول مريدي, قبلة للناس في سنوات الحصار, أننا يا أخي في اشد أوقات العسر, والسبب النظام الظالم الذي يحكم البلد.
حال البلد لا تسر, تقشف يضغط على الطبقة الفقيرة فقط, أما طبقة الساسة ومن يتملقهم, فهي مترفة حد الجنون.
كان صوت المذياع عاليا, حيث مقدم الأخبار يقول بصوت مرتفع: (( وقالت وكالة فرانس برس, أن وزير الكهرباء العراقي السابق كريم, قد تم اعتقاله, وتم إرجاع مبلغ 20 مليار دولار لخزينة العراق, وكانت هذه الأموال, في حسابات مصرفية متعددة)), فعلت صيحات الفرح, والتصفير المدوي, أجواء مريدي, فالناس تفرح بسقوط اللصوص الكبار, فقال احد الحضور: أيعقل أن يتم اعتقال لص سمين وغني في العراق, وهؤلاء الساسة ادعوا القداسة والنبوة والعصمة, كي تكون كل أفعالهم مباحة, لأنهم أنبياء معصومون.
في النهاية, تبين أنها مجرد نكتة بتقنية تكنولوجية, أطلقها بائع لجذب الناس لبسطيته, فاستحالة تحقق اعتقال وزير عراقي, فنحن في زمان المال للصوص, والموت للشعوب.
تذكرت كيف يتبارى الأصدقاء المترفين, بشراء أغلى الماركات العالمية, ومن أرقى أسواق بغداد, مثل مول المنصور, فاحدهم يشتري نظارات بمائة وخمسون ألف دينار, فقط لأنها ماركة عالمية, ومريدي يوفرها للفقير بألف دينار فقط! وأخر يشتري ساعة بمائة وسبعون ألف دينار, ومريدي يوفرها للبؤساء بألفين وخمسمائة دينار, والشارع يشهد بالفرق بين أنواع السيارات, دليل توفر المال عند البعض وافتقار الأغلبية.
أن الطبقية المخيفة, النامية اليوم, أسسها النظام السياسي في العراق, عبر الحكومات الفاسدة المتتابعة, والبرلمان الظالم بالتشريعات, والقضاء الفاسد دوما, مما أنتج طبقة متخمة, وطبقات محتاجة, فلا الإصلاحات تحقق شيء, ولا الانتخابات تأتي بجديد.
اعتقد أننا نحتاج لروبن هود يعيد التوازن, حيث يأخذ من الأغنياء ما سرقوه بعنوان القانون, ويعطيه للفقراء.