بقلم: سامي بن سعد الذبياني
العنوان: مآخذ على موسوعة الحضارة الإسلامية لأحمد أمين
التاريخ: 8\4\1440 هـ
***
فهم الحياة الفكرية والعقلية عند القرون المتقدمة لأمة الإسلام، أمر هام لطالب العلم، يفهم بهذه الدراسات تطور الأمة الإسلامية من نشأتها الأولى إلى نهاية عصرنا الحاضر، ويفهم بهذه الدراسات كيفية تكوّن العلوم والفرق، ورجال هذه العلوم وهذه الفرق، ويتعرّف على النواحي الأخلاقية عند المتقدمين، وأحوالهم المادية والعلمية.
ومن خير ما قُدّم للقراء العرب في هذا المجال ما كتبه أحمد أمين في مجموعته الموسومة باسم: موسوعة الحضارة الإسلامية.
غير أن هذه الموسوعة التي قدمها احتوت على كثير من الأخطاء التي تمسُّ جانب العقيدة الإسلامية الصحيحة، فمؤلف هذه الموسوعة يذكر أنه عاني أشد المعاناة في الأبواب التي كتبها في جانب العقائد، وأنه أخذ يقرأ مطولات كتب العقائد، ويتعذّر عليه فهم كثير من مذاهب فرقها.
والحق أن الرجل لم يكن موفقًا في عرض هذه الأبواب، ولم يستطع استيعاب أبواب وعقائد الفرق استيعابًا جيدًا يؤهله لإصدار الأحكام فيها، وقد يكون المانع له من ذلك مجال دراسته وتخصصه الأدبي.
وكان هذا الكتاب لينجح وليكون عمدة في بابه لو أن المؤلف تروّى قليلًا في أحكامه في باب العقائد، ودرس تفاصيل مسائلها دراسة جيدة، كما صرّح بذلك الأستاذ محمود شاكر رحمه الله، حيث قال:
ما أعيبه حقيقة على أحمد أمين هو أنه، وهو الرجل العالم المثقف الذي كان بوسعه أن يقدم فكرًا جديدًا مبتكرًا في ميدان الدراسات الإسلامية، والذي يُجبُّ علمُه علم كافة المستشرقين، استسلم وأذعن لتأثير طه حسين وآرائه، ووقف موقفاً ذليلاً من أحكام المستشرقين الخبثاء الحاقدين على الإسلام، وتبنَّى في كتبه "فجر الإسلام وضحاه وظهره" هذه الأحكام، دون أن يجرؤ على تفنيدها والتصدي لها
وصدق محمود شاكر رحمه الله، فأنت ترى المؤلف يعتمد في كثير من مصادره على دراسات لمستشرقين كُثر، ويأخذ بأقوالهم، ويرجّح بعض أحكامهم.
هذا إلى حيرته الشديدة وتناقضه عند كلامه في العقائد والفرق كما أسلفت آنفًا.
فهو يريد -سامحه الله- أن ينصر جميع الفرق وأن يعتذر لها، وأن يؤلف بينها حتى تتناغم وتستقيم، فتراه يعتذر للجعد بن درهم بعد أن قتله خالد القسري في عيد الأضحى في أصل المنبر، وقال فيه كلمته المشهورة:
" أيها الناس ضحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم؛ إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما"
فيقول تعليقًا على هذه الحادثة:
"ولعل الجعد كان مظلومًا في هذا، وأنهم استنتجوا من قوله — إن القرآن مخلوق — هذا الاستنتاج البعيد"
ولا أدري كيف يذهب المؤلف لمثل هذا التعليق الهزيل، ويعتذر بمثل هذا الإعتذار الغريب، في رجل شاع عنه تحريف القرآن الكريم، فالله يثبت أمرًا في كتابه وهذا الجعد ينفيه ويزعم أنه لم يكن، ولهذا استنكر السلف ومن كان في زمانه أقوال هذا الرجل، ولم يخالفوًا هذا الأمير الأموي فيما صنع، بل شكروا له ذلك، كما حصل من الحسن البصري رحمه الله.
وهذا الموقف يُشبه كثيرًا ما صنعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع من ألهه وأدعى أنه رب، فحرّقهم بالنار رضي الله عنه، ولم يخالفه أحد فيما صنع إلا ما حصل من معارضة ابن عباس لعلي رضي الله عنه في القتل بالتحريق.
ثم إن المؤلف يقف موقفًا عجيبًا آخر، وذلك في ثنايا كلامه عن فتنة خلق القرآن، فينتصر للمعتزلة، ويعتذر لهم في إجبار الناس وارغامهم على القول بخلق القرآن، ويتحسّر على ذهاب دولتهم مع المتوكل، ويجعل ذلك سببًا من أسباب تدهور الحياة العقلية والفكرية عند المسلمين، وهو كلام غريب، ليس له عليه مُستند ولا دليل، بل من راجع التاريخ في تلك الحقبة وجد أن سبب ضعف الخلافة العباسية ما صنعه المعتصم من تجييش للترك، وجعلهم حاشيه له، فبعد أن مات المعتصم، صعب ضبط هؤلاء الأتراك، وأخذوا يعتدون على الخلفاء بالقتل حينًا، وبسمل أعينهم في حين آخر وعزلهم، وتحكّمهم في شؤون الحكم كما هو معروف مشهور.
ولأن الكلام حول ما كتبه أحمد أمين في سلسلته هذه يطول جدًا، أُرْجَأَ القول عن بقية ما عنّ لي من ملاحظات على ما كتب في كلمة أخرى -إن شاء الله-.