مديرية الأمن .. السادسة مساءاً

يجلس المقدم حازم عبد الحميد في مكتبه يشرب القهوة الباردة التي كانت ساخنة والمحببة إلى نفسه كثيراً، فالقهوة في كل مرة تأتي ساخنة فيرتشف منها رشفتين ثم ينساها حتى تبرد، فيضطر أن يشربها وهي باردة حتى صار يحبها هكذا دائماً، شرد قليلاً في ذلك الكتاب (فارس الظلام) وهو يتحسس غلافه الجلدي ذي الطباعة الرديئة، وإسم مؤلفه الذي طبع بحجم خط يماثل تقريباً حجم عنوان الكتاب (سعيد صفوان)، بدأ يقلب في صفحاته المهترئة التي توحى بقدمه، لا رقم إيداع ولا رقم تسجيل ولا دار نشر، ربما طبع هذا الكتاب في زقاق مظلم، بخط يدٍ ردئ للغاية، توقف عند تلك الصفحة وبدأ يقرأ :

" كان يوماً هادئاً حتى إقتحم هذ الرجل المغربي السوق، عمرو بن الملاح أحد رجال الخليفة المعروف ببطشه وبأسه، شق الطريق في السوق مع رجاله بلا مبالاة، راحت عينيه تجوب الوجوه والبضائع والحوانيت في وقاحة وإستهزاء، تعلم الجميع منذ عقود أن يتحاشوه وألا يعترضوا طريقه، هذا هو السبيل الوحيد للنجاة من شره،  إمتدت يده نحو تفاح رصته بائعٌ عجوز متهالكة فوق صندوق خشبي وراحت تبيعه، إلتقط واحدة حمراء نضرة وقضمها، كانت شهية فإمتدت يده ثانيةً نحو كومة التفاح ليتلقف بعضاً منه ويعطيها إلى رجاله وهو يقول لهم "تفاحٌ لذيذ"، لم ترفع البائعة رأسها نحوه ولم تحتج أو تعترض، إبتعد عنها لخطوات فتنهدت وحمدت الله أنه لم يؤذيها، لكنه إلتفت وعاد إليها وإبتسم وهو يمد يده نحو التفاح ويعبث فيه من جديد، ثم قال : من أين لكي بهذا التفاح يا إمرأة وبكم تبيعنه ؟! .. همست في خضوع دون أن ترفع رأسها وقالت : الأربعة منه بدرهمين يا سيدي، إبتسم إبتسامة ساخرة وأمسك بتفاحة ورماها في صدرها ثم قال : أنت تسرقين هذا سعر باهظ سوف أجعل المحتسب يشنقك، آلمت الضربة المرآة لكنها كتمت وجعها، وقالت له : خذه بلا ثمن يا سيدي ولكن لا تجلب رجال المحتسب، فأخذ رجاله التفاح ورحل دون أن يتدخل أحد أو يعوق طريقهم، وفي الليل بينما كان عمرو بن الملاح خارج من بيت صديقه الذي يسهر عنده كل ليلة يشرب الخمر حتى يثمل ثم يعود إلى بيته، إستوقفه ذلك الرجل الملثم الواقف في الظلام وقال له : هل أعجبك التفاح ؟!

- من أنت أيها الحقير وماذا تريد ؟!

- أنا فارس الظلام وقد جئت لأخذ ثمن التفاح الذي أخذته من تلك العجوز ..

في الصباح فزع كل من في السوق حين شاهد ذلك المشهد، عمرو بن الملاح مشنوق من رقبته وفي فمه تفاحة في المكان التي كانت تبيع فيه العجوز التفاح، ولا أحد يدري كيف حدث ذلك ولكنهم يعلمون أن فارس الظلام من فعل ذلك، بدأ رجال الخليفة يبحثون عنه لكنهم لم يجدوا له آثرٌ أبداً .. دعنا نتوقف قليلاً لأخبرك بحكاية آخرى، إنها تتحدث عن شاب ملَّ الحياة وتعب منها، شاب لجأ إلى شرب البوظة والمخدرات حتى يهرب من حاضره الذي يمقته، قصة قديمة هي فلا أحد يشرب البوظة الآن، جلس ذلك الشاب في شقته الصغيرة يشرب الخمر ويضع قطعة المخدرات تحت لسانه تماماً كما تضع قرص الترامادول أسفل لسانك الآن، راح يشرب من الخمر والمخدرات حتى بدأت عيناه تغيم فنهض محاولاً إستنشاق الهواء في الشرفة حتى إصطدم بسور الشرفة القصير بكامل إرادته وسقط في الشارع قتيلاً، غريبٌ أمر هذا الشاب .. كيف يقترب إنسانٌ ما من حافة الشرفة ويصطدم بها بكامل إرادته، فقط لو تعرف لماذا تريد أن تلقي بالكتاب وتلعن القصص غير الواقعية وأنت تدخن تلك اللفافة من المخدرات ولكنك لا تستطيع تركه، لماذا يبدو لك ذلك الصوت الذي ملأ جنبات عقلك ويطلب منك أن تشرب هذه اللفافة في الشرفة منطقياً، ولماذا تريد أن تفعل ذلك بشدة الآن، لماذا تشعر أنك تقترب من الأسفل وكأنه يشدك إليه، أغمض عينيك الآن ولا تُبالي، ربما هذا من تأثير تلك اللفافة !! 

إقتحم تفكيره صوت طرقات باب مكتبه، ليأذن لصاحب الطرقات بالدخول، النقيب (أشرف عباس) يدلف إلى الداخل ويؤدي التحية له ويبدأ بالحديث :-

تمام يا فندم أنا عملت التحريات اللي سعتك طلبتها مني، دورت في السجلات على حد بإسم (سعيد صفوان) طلع ليا عدد كبير أوي داخل القاهرة وخارجها، بس أغلبهم ميت أو سنه صغير أو كبير وعاجز أو مسافرين بره البلد، وعملت كمان تحريات عن المجني عليهم وللأسف ملقناش أي حاجة تربط بينهم .

الضحية الأولى ..

علي عبد الله السيد، السن ٤٩ سنة، رجل أعمال بيمتلك شركة مقاولات ناجحة، له العديد من المشاريع العقارية في القاهرة والمدن الجديدة، ليس لديه أعداء معروفين، إنفصل عن زوجته من ٤ سنين بعد ماخلف منها محمد وشريف، التحريات بتقول إنها بعد إنفصالها خدت الأولاد وسافرت عاشت عند أختها في أمريكا اللي معاها الجنسية، ومرجعتش مصر من وقتها، وهو بيسافرلهم كل فترة يشوف الأولاد ويرجع.

الضحية الثانية ..

سامي محمد الدريني، ٢٨ سنة، أعزب ومتجوزش قبل كدة، خريج كلية التجارة، أبوه تاجر أدوات كهربائية كبير، التحريات بتقول إنه مدمن مخدرات لكن متمسكش قبل كدة، وله علاقات نسائية كتير، ودايماً كانت بتحصل مشاكل كتير بينه وبين أبوه بسبب الموضوع ده بس معتقدش إنه يقتله، لأنه يعتبر إبنه الوحيد والوريث الوحيد له بعد ما يموت.

الضحية الثالثة ..

إسماعيل نشأت، ٣٩ سنة، سواق عربية نقل لوري، شغال في شركة نقل بضائع بين المحافظات، أغلب الأيام بيقضيها بره البيت، بحكم شغله اللي بيخليه يسوق لأيام كتير، التحريات أثبتت إنه في حاله وملوش أعداء خالص.

المقدم حازم : تمام يا أشرف إستمر في التحريات ولو فيه حاجة جديدة بلغني.

خرج النقيب أشرف من المكتب، وبعدها بدقائق صرخ هاتف المقدم حازم طالباً منه إنقاذه من كل تلك المكالمات المحشورة في حلقه الضيق، إنه الدكتور (معتز ثابت) دكتور الأمراض النفسية والعصبية، جاره وصديق والده رحمة الله عليه، حرمه الله من الأبناء فكان المقدم حازم بالنسبة له إبنه الذي لم ينجبه.

الدكتور معتز: إنت فين يا صايع مطنشني ليه من الصبح.

المقدم حازم : معلش يا عمي عندي قضية مطلعة عيني وقاعد طول اليوم أفكر فيها.

الدكتور معتز : أه .. إنت عايز تزوغ بقى عشان كسبتني أخر مرة في الطاولة، لا يا فالح لو مجتليش القهوة دلوقتي أنا هجيب الطاولة وأجيلك المديرية، أنا راجل صعيدي ومش هيجيلي نوم ولا يرتاح ليا بال غير لما أخد حقي وأكسبك.

المقدم حازم : بعد الضحك .. لا خلاص أنا هجيلك القهوة أهه.


مقهى كوكب الشرق .. الثامنة مساءاً

صوت قرع أحجار الدومينو والطاولة وتقليب الزهر وقرقرة مياه الشيشة داخل الإناء الزجاجي المزخرف، وصوت أم كلثوم يدوي من ذلك المذياع القابع فوق الرف، يجلس الناس حول تلك الطاولة منهم من يشجع هذا ومنهم من لائم على ذاك، حتى قرع الدكتور معتز أحجار الطاولة ليعلن أن العشرة قد إنتهت بهزيمة ساحقة لغريمه المقدم حازم.  

الدكتور معتز : إلعب غيرها يا سيادة المقدم كدة خالصين، الله يرحمه أبوك كان أحسن واحد بيلعب طاولة، كان دايماً يحب يلعبها في القهوة وسط الناس ولما أسأله ليه، يقولي الإثارة في اللعبة دي مش في إنك تكسب أو تخسر، الإثارة كلها في الناس اللي بتتجمع حواليك وتشجعك زي ما تكون لاعيب كورة مشهور بتلعب نهائي كأس العالم، ألا هو كأس العالم هيبدأ إمتى ؟!

المقدم حازم : والله إنت دماغك رايقة يا عمي يا بختك.

الدكتور معتز : والله وكبرت يا حازم وبقت دماغك مش رايقة، قولي بقى حضرتك دماغك مش رايقة ليه ؟!

المقدم حازم : في جريمة قتل حصلت ٣ ماتوا ومافيش أي حاجة تربط ما بينهم بس الغريب إننا لقيتا كتاب قديم جمب كل جثة إسمه فارس الظلام لواحد إسمه سعيد صفوان، مكتوب في الكتاب ده طريقة موت كل واحد.

الدكتور معتز : إنت عايز تقول إن الكتاب ده اللي بيشتريه أو بيقراه بيتقتل، ولا إن اللي عمل الكتاب ده بينفذه على أرض الواقع وبيقتل كل حد بيقع في إيده الكتاب ؟!

المقدم حازم : مش عارف أنا دماغي هتنفجر، المشكلة الأكبر إن إحنا مش عارفين نلاقي أصلاً سعيد صفوان ده، بس واضح كدة إننا قدام سفاح مش تقليدي وجرائم قتل معقدة ..

يقطع الحديث تليفون المقدم حازم : ألو، أيوه يا دكتور رشاد، بجد طيب خلاص نتقابل بكرة بدري إن شاء الله، مع السلامة.

المقدم حازم : معلش يا عمي أنا مضطر أمشي عشان لازم أنام، هصحى بكرة بدري أروح للدكتور رشاد بدران بيقولي إنه عنده تفاصيل جديدة في القضية، هتيجي معايا نروح سوا ولا قاعد شوية ؟!

الدكتور معتز : لا روح إنت أنا هقعد شوية أشرب حجرين وأروح.


مشرحة طب القصر العيني .. مكتب الدكتور رشاد بدران .. الثامنة صباحاً

الدكتور رشاد : صباح الخير يا سيادة المقدم أحب أقدملك الدكتورة (نوال صفوت) خبيرة السموم ومن أشهر الدكاترة خبرة في المجال ده، أنا لجأت ليها تساعدني في تشريح الجثث عشان أستعين بخبرتها وأستشيرها في موضوع السموم.

المقدم حازم : أهلاً يا دكتورة، أنا المقدم حازم ضابط المباحث والمسؤول عن القضية، الدكتور رشاد كلمني إمبارح وقالي إنك توصلتي لجديد في موضوع القضية ؟!

الدكتورة نوال : أهلا بيك يا سيادة المقدم .. أنا فعلاً قعدت مع الدكتور رشاد إمبارح وتوصلنا لنتائج ممكن تفيد القضية، السم اللي موجود في جسم الضحية الأولى بييجي نتيجة نوع معين من العناكب إسمه الأرملة السوداء وده مصنف من أخطر عشر عناكب موجودة في العالم، وعشان الإنسان الطبيعي يموت من السم ده نتيجة لدغة العنكبوت، محتاج تقريباً عشر عناكب يلدغوه، يعني لدغتين عنكبوت مش ممكن يقتلوا، أما بالنسبة للعضة اللي في رقبته فا هي مش عضة عنكبوت نهائي، الموضوع واضح تماماً في حد عامل تركيبة قوية من السم ده وحقن الضحية بيه، اللي حصل إن القاتل خلى العنكبوت يقرصه في رجله وده سببله مع الغضب حالة دوار وإنعدام وزن وده ساعده إنه يعرف يحقنه في رقبته بسهولة .. أما الضحية الثانية فتحليل الدم أثبت إنه مدمن وإنه كان بيتعاطى مخدر وترامادول، ممكن يكون القاتل حطله مخدر بجرعة زيادة وإستدرجه للبلكونة بحيث إنه يتحرك حركة غلط فيقع ويموت .. الضحية الثالثة بقى فبرده كان بيتعاطى ترامادول بس مافيش أي آثار لسموم، ممكن يكون القاتل هدده بسلاح وخلاه يعمل الجروح اللي في جسمه دي لأن الدكتور رشاد بعد تشريحه للجثة بيقول إن الجروح دي الضحية عملتها بنفسها، ولأنه كان عارف إنه مريض بمرض نقص الصفائح الدموية سابه ينزف لحد ما أغمى عليه، وبعدين فتح الغاز وسابه لحد ما إتخنق ومات.

يقطع الحوار صوت تليفون المقدم حازم : أيوه يا أشرف، بتقول إيه فيه كاميرا لقطت صورة القاتل وهو نازل من بيت إسماعيل نشأت سواق النقل، تمام تمام، طيب إسبقني على المديرية وأنا جايلك حالاً.

الدكتورة نوال : خير يا سيادة المقدم ؟!

المقدم حازم : لسوء حظ القاتل ولحسن حظنا كان فيه فرح جمب بيت المجني عليه إسماعيل نشأت يوم إرتكاب الجريمة، والناس كانت واقفة في البلكونة مشغولة بتتفرج على الفرح، فيه واحد من اللي كانوا واقفين كان بيصور الفرح بموبايله فظهر في الفيديو صورة واحد غريب دخل البيت، أهل المنطقة كلهم أكدوا إن سكان البيت كلهم كانوا موجودين في الفرح ماعدا المجني عليه، يعني الراجل الغريب ده أكيد كان طالع للمجني عليه، صحيح مافيش بصمات له بس الفيديو ده دليل إدانة إننا نفدر نجيبه ونقبض عليه.


مديرية الأمن .. مكتب رئيس المباحث .. الثالثة عصراً

 رئيس المباحث : يعني إيه مش عارفين تجيبوه لحد دلوقتي، الموضوع بقى خطير والقضية بقت قضية رأي عام، الكل بيتكلم عن الكتاب اللي بيموت الناس، والدنيا مقلوبة في الوزارة على الموضوع ده، أنا عايز أخر اليوم تدوني تمام إن الولد ده إتقبض عليه خلاص.


إحدى شوارع القاهرة .. سيارة المقدم حازم .. السادسة مساءاً

أيوه يا أشرف بتقول إيه .. لقيتوه .. طيب جهز قوة وحصلني هناك .. لا أنا قريب من المكان هقتحم وإنتوا حصلوني مافيش وقت .. لازم ألحقه قبل ما يحس بحاجة ويهرب. 


 الظلام .. التاسعة مساءاً

ضربة حازمة من حذاء جلدي مقاس ٤٦ ذي النعل المتصلب تزيح باباً خشبياً متهالكاً، ليصبح في مواجهة الظلام حيث يقبع (عصام سعيد أحمد علي) فارس الظلام الذي يقتل الناس وفي يده مسدس مهدداً بأن يقتل نفسه، رفع المقدم حازم سلاحه في مواجهته ويأمره بألا يتحرك من مكانه ويسلم نفسه.

عصام :  إزيك يا حازم باشا .. كنت مستنيك.

المقدم حازم : صدقني أنا كنت مستنيك أكتر منك، ما تسيب المسدس اللي في إيدك ده وتعالى نقعد ونتكلم أحسن.

عصام : لما تسيب المسدس بتاعك هسيب المسدس بتاعي وأقولك على كل اللي إنت عايزه.

المقدم حازم : ماشي كلامك يا عصام أديني سبت المسدس وقعدت كمان، إرمي بقى المسدس تحت رجلك وخلينا نتفاهم ونتكلم بصراحة، وتقولي على السؤال اللي محيرني من أول القضية المهببة دي ما إتفتحت.. ليه عملت كدة يا عصام ؟!

عصام : حضرتك سمعت عن المرحوم سعيد صفوان ؟

المقدم حازم : طبعاً ده أنا حفظت الكتاب المنيل بتاعه من ساعة ما لقيته مع أول جثة.

عصام : سعيد صفوان كان واحد من أهم وأنبه كتاب عصره في السبعينات يا باشا، سعيد أحمد علي .. الشهير بسعيد صفوان، الراجل ده كتب في كل حاجة، في السيرة وفي الأدب وفي الرواية، الراجل ده أفنى عمره في الأدب والثقافة يا باشا بس الكلام ده عمره ما كان بيأكل عيش، وفي ليلة من الليالي جت له فكرة عبقرية، فكرة خلته يصحي أخويا الكبير إسلام ويقعد معاه ساعتين يكتبوها في ورقة مسطرة، كتاب فارس الظلام اللي بيحكي عن الفارس اللي بيموت الناس الظالمة وبيخد حق الغلابة، وبعدين قعدوا سنتين ونص يكتبوها على الآلة الكاتبة لحد ما طبعوا نسخ كتير، وبعدين قرر إنه يبيعه، وزعه على البياعين والصحفيين وفي كل حتة في مصر، صرف عليه كل اللي حيلته وكل اللي لمه في فلوس من ساعة ما إتوظف في الإبتدائية لحد ما مات بحسرته على حلمه اللي ضاع، مات أبويا وسابني أنا وإسلام لوحدنا في الدنيا، إسلام ما سابنيش لحظة، إشتغل ميكانيكي وقهوجي ووقف في محل فاكهة عشان يصرف عليا ويخليني أكمل تعليمي، وفي يوم ضلمة مطلعتلوش شمس راح إسلام، صحيت من النوم ملقتوش ولقيته سايبلي ورقة مكتوب فيها سطرين، إفتح كتاب أبوك وإقرأه ولما ييجي الوقت لازم تكمل المشوار، فضلت أذاكر وأدرس وأقرأ كتاب أبويا كتير، فضلت سنين ألم فيه وأخزنه، إستغنيت عن حلمي إني أكمل في كلية علوم واشتغلت سكرتير في مصنع أدوية، ركبت كل السلالم وبوست كل الكراسي لحد ما وصلت للي وصلتله، خدت فكرة كبيرة عن الأدوية والأعشاب والتركيبات الكيميائية، بقى معايا فلوس كتير ومعايا إتصالات كتير، والحلم قرب يتحقق وكان لازم يتحقق، لقيت الناس اللي حكايتهم قريبة للشخصيات، وبدأت أقتلهم، الهدف ما كانش بس القتل، الهدف كان سعيد صفوان .. سعيد صفوان وبس، والباقي إنت تعرفه كويس يا حازم باشا.

المقدم حازم : وهدفك إتحقق والجرايد بقالها يومين بتكتب عن الكتاب وعن سعيد صفوان، بس مش غريبة إن شهرة الموضوع مابقتش للكتاب قد ما بقت للي إتقتلوا نفسهم !!

عصام : كلها كام يوم والناس هتجري تدور على الكتاب الملعون اللي بسببه ناس ماتت وهتنسى اللي ماتوا .. إنت مش من مصر ولا إيه ؟!

المقدم حازم : ومين قالك إن هسيبك في حالك من لحظة ما هقبض عليك وأرميك في السجن، هنشر حكايتك المجنونة دي في كل مكان، صحيح كتاب أبوك هيسمع ويتشهر يوم يومين سنتين وبعدين خلاص بح، الموضة هنا في مصر بتروح وتيجي أسرع من غمضة عين.

عصام : ومين قالك إنك هتقبض عليا، الخطة عشان تمشي صح لازم أموت، لازم القاتل يختفي وميفضلش غير الكتاب .. الكتاب وبس.

رفع عصام المسدس وصوبه نحو رأسه مرة آخرى، صرخ حازم فيه بأن يتوقف، إبتسم إبتسامة غريبة وأطلق رصاصة من المسدس لتخرج من الناحية الأخرى ثم سقط بعدها جثة هامدة والمقدم حازم يقف أمامه في ذهول ..


مقهى كوكب الشرق .. بعد الحادثة بأسبوع

جلس المقدم حازم والدكتور معتز يتناولان القهوة ويلعبان الطاولة.

المقدم حازم : إلعب غيرها يا راجل يا عجوز شكلك كبرت وعجزت، يلا كفاية عليك كدة النهاردة شكله مش يومك.

الدكتور معتز : طبعاً ياعم مين قدك على وش تريقة وحالل جريمة قتل كانت شاغلة الرأي العام كله.

المقدم حازم : تعرف يا عمي لحد دلوقتي مش مرتاح كدة، قفلة القضية دي مش عجباني حاسس إن فيه حاجة غلط، عصام قالي إنه مستنيني، يعني كان عارف إني جاي ورغم كل ده مهربش، كان ممكن يهرب ويستخبى لحد ما يكمل تنفيذ بقيت جرائم القتل اللي في الكتاب بس معملش كدة.

الدكتور معتز : ساعة القدر بيعمى البصر يا حازم بيه، ده قدره ونصيبه وإحمد ربنا إنها خلصت على كدة، إنت كنت عايز ناس تانية تتقتل كمان ولا إيه.

المقدم حازم : لا ده كان زمان رئيس المباحث نقلنا كلنا الصعيد .. بس تعرف يا عمي كان نفسي أبويا يبقى موجود معايا دلوقتي، كان نفسي أشوف في عنيه نظرة الفخر اللي بيتمنى أي حد يشوفها في عين أهله.

الدكتور معتز : وأنا مش زي أبوك ياله ولا إيه.

المقدم حازم : لا طبعاً زي أبويا أنا ليا مين غيرك دلوقتي بس.

الدكتور معتز : طيب يا سيدي إعمل حسابك بقى هتيجي توصلني المطار بعد بكرة عشان عندي مؤتمر في روسيا ورايح أحضره.

المقدم حازم : مؤتمر برده ولا رايح تتفرج على كأس العالم ومشجعات كأس العالم.

الدكتور معتز : الله يحظك يا حازم .. دايماً فاهمني كدة وقاريني، لا عندي فعلا مؤتمر هناك لازم أحضره وإحتمال أقعد لحد ما كأس العالم يخلص دي فرصة متتعوضش.

المقدم حازم : ماشي ياعم المهم متنساش وإبقى إسأل علينا، وسلملي على كابتن كوبر وقوله مش ناقصين عته العالم كله هيتفرج علينا.


مشرحة طب القصر العيني .. مكتب الدكتور رشاد بدران .. بعد الحادثة بأسبوعين

المقدم حازم : خير يا دكتور، حضرتك طلبتني ضروري في حاجة ولا إيه.

الدكتور رشاد : أنا أسف يا سيادة المقدم بس فيه حاجة لازم تعرفها، أثناء تشريحي لجثة عصام شكيت في حاجة فعملتله تحليل دم، وبعد ظهور نتيجة التحليل تبين وجود رواسب لمحلول غريب، بعت عينة من الدم لدكتور تحاليل زميلي عايش في أمريكا، عشان يعمل تحليل معين للأسف منعرفش نعمله هنا في مصر، وعن طريق التحليل ده هيبان بالضبط نوع المحلول إيه، النهاردة كلمني وقالي إن المحلول ده إسمه بنثوال الصوديوم، بحثت عنه ولقيت إن المحلول ده لما بيدخل الجسم بيمشي في الدم وبيروح مباشرةً  للمخ وبيسبب تعطيل لوظائف المخ المتقدمة زي القدرة على التفكير والإبتكار وإتخاذ القرار، ده غير إنه بيسبب ضعف في التحكم بالأعصاب والعضلات، يعني بالبلدي كدة بيعمل تنويم مغناطيسي.

المقدم حازم : يعني إيه الكلام ده يا دكتور ؟!

الدكتور رشاد : يعني عصام مكنش في وعيه لما إنتحر أو بمعنى أصح عصام منتحرش .. في حد قتله ..!

                             يتبع ..