لبنان يناشدكم توحيد البندقية بالاعياد المجيدة يا حراس الارز
عيسى محارب العجارمة – بمناسبة اقتراب أعياد الميلاد في الشرق الأوسط عامة ولبنان الجريح خاصة ، تداهمني فرحة خاصة بإيقاد شجرة عيد الميلاد، سواء بعاصمة الأردن المسيحي الروحية مأدبا أو بيت لحم أو كنائس بيروت، فرحة تشبه الحب الأول تختزل الذكريات الدفينة بطفولتي بدير مدرسة ثيودور شنلر بعمان العربية، خلال الأعوام 1974-1983 طالبا بالمرحلة الأساسية ، فهي حاضنة تربيتي العروبية القومية منذ نعومة أظفاري .
ودون مكابرة فأنا اعتبر نفسي بلبل الاعلام العربي اليوم ، حيث يقول دفتر ذكرياتي بدير شنلر ، ان مطالعتي لجريدة الرأي أو الدستور الورقيتان يوميا، بتلك الفترة حيث كنت طالبا ألمعيا حاد الذكاء حسب توصيف أساتذتي من نصارى نجران العرب ، منهم طيب الذكر البرفسور ابن الفحيص موسى المنيزل، نزيل برلين اليوم أطال الله عمره ، فقد عرفت القراءة والكتابة بالصف الثاني الابتدائي، كربط للأحرف بالكلمة الواحدة، وكفهم وتوظيف سياسي تام للكلمة والحرف بالصف السادس، وبعبقرية أذهلت أستاذي لمادة التاريخ القس بمدينة الحصن بشمال الأردن لاحقا نائل الفاخوري ،حينما طلب منا باختبار نصفي لمادة التاريخ عن تأسيس الخلافة العثمانية.
فشرعت بالكتابة بالدفتر الفاضي لأكتب فيه قرابة عدد كامل من جريدة الراي عن ذاك الموضوع ،شرحت فيه ثلاثة فصول من كتاب التاريخ شرحا تاما جامعا مانعا ،وكأنني العلامة ابن كثير أو ابن خلدون ،وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وسط ذهول الأستاذ فاخوري والطلبة الذين عقدت السنتهم الدهشة وتركوا كراريسهم بيضاء دون أجابه لصعوبة الامتحان .
ولمزيد من الدهشة القومية التي أرى لزاما علي تشنيف أسماع الناشئة العربية ، فقد شكلت بيروت مختبرا قوميا مذهلا على المدى، لتداخل التجربة العربية النضالية بالسبعينات من القرن الماضي ، وتحدث تاريخها عن زيارة غامضة لسمو الأمير زيد بن شاكر لبيروت عام 1979 ،امتدت لقرابة العام وكان حينها القائد العام للقوات المسلحة الأردنية ، وأنا هنا اكتب عن البعد الثالث بتاريخ الدولة الأردنية ، التي هي حاضنة الفكر القومي التقدمي بكل اقتدار، كما هو العهد بها منذ لبست ثوبها القرشي القديم.
وحينما كان فتح تهم بمغادرة بيروت بعيد الاجتياح الصهيوني لبيروت عام 1982، كانت ناقلات مديرية التموين والنقل الملكي الأردني ، تنقل لقوات الثورة الفلسطينية خلال ذاك الاجتياح الوحشي ، دعما لوجستيا بالذخيرة الحية والأرزاق، بدور خفي عظيم للملك الحسين رحمه الله ، عكس خنقها لوجستيا على يد النظام السوري الشقيق لغاية بنفس يعقوب ، لم يذكره التاريخ ألا بكتاب اصفر قديم، لباحث صهيوني تتوفر مكتبتي الخاصة على نسخة منه .
أشرت سابقا لمن يتابع كتاباتي قوميا حول صراع القبائل اللبنانية بالسبعينات وأمراء الحرب الأربعة ايلي حبيقه وميشال عون وسمير جعجع ووليد جنبلاط وبرحيل حبيقه بالاغتيال وبقي ثلاثة أحياء يضاف لهم اليوم الشيخ حسن نصرالله ودولة الحريري الأبن كلاعبين أساسيين لليوم بتاريخ لبنان خاصة والمشرق عامة .
فبين الرجال الأربعة قصص دامية مكلفة ،حيث تقاتل جنبلاط وجعجع على صخور الجبل في عام 1983،وتقاتل جنبلاط وعون بشراسة قرب سوق الغرب .
وأطلق عون حرب منهكتين للجمهورية اللبنانية : سمى الأولى حرب التحرير، ضد ما كان يسميه (الاحتلال السوري )،وسميت الثانية (حرب الإلغاء) لأنها استهدفت إلغاء مليشيا (القوات اللبنانية) والسيطرة على (المنطقة الشرقية ) لضمان الموقع الأول في الجمهورية .
وتقاتل جعجع وحبيقة في شوارع (الشرقية ) ، وقبل عون بعقدين سلك حبيقه طريق بيروت – دمشق ، وحاول حبيقه اغتيال جنبلاط اكثر من مره ، وحاول اغتيال جعجع الذي حاول اغتياله أيضا .
ذات اجتماع ثلاثي بين رئيس لبنان أمين الجميل وقائد الجيش الجنرال عون وسمير جعجع غادر الأخيرين الرئاسية للتشاور بأمر تشكيل حكومة عسكرية ليقول عون لجعجع لتطمينه :(يا حكيم بشرفي العسكري سأعامل القوات (الكتائب) مثل الجيش . وحضر الحوار كريم بقردواني .
كان هدف أمين الجميل الأساسي هو صدام بين الجيش والكتائب التي يقودها جعجع ليحكم من بعبدا براحته ، وبالمناسبة هذه الليلة بالذات كانت أخر ليلة في عهد أمين الجميل الذي فشل بمؤامرته لجر الجيش لحرب الكتائب بواسطة وعي الذئب الجائع للمجد حتى اليوم جعجع الذي كان يقول أن أمين كان مهتم بالقضاء على معالم الدولة لان مجيئ عهد نظيف للبنان سيفتح ملفاته القذرة حسب جعجع .
كان لابد من فتح ملف بنك (انترا) فكان لزاما على أمين غير الأمين انزال أكبر المصائب بالبلاد والناس ، لينشغل الناس بالمصائب الجديدة ، فتضيع آثار المصائب التي خلفها .انكشفت لعبة عون من خلال وعي الكتائب والجنرال عون .
أكثر واحد بلبنان يعرف تفكير عون بلبنان هو أمين الجميل ولذا لم يكن المجيئ به صدفة لقيادة الجيش فنشبت حرب الشرقية بين الجيش والكتائب ليكون أمين هو من اطلق أول رصاصة بتلك الحرب ، يقول جعجع المواطن اللبناني يعرف تاريخ أسواء عهد بلبنان ويعرف كم كان الدولار يسوى وما آل اليه بآخر عهده .حيث خسر الناس بيوتهم وأولادهم ولقمتهم أيضا بعهد أمين الجميل .وجاء عون ليكمل الأول صنع المأساة والثاني أوصلها لذروتها .
لا يجوز في حياة الأمم والشعوب إسدال الستار على الماضي ، لا بد من المحاسبة ولا بد من الدروس يا لبنان ، أمين توهم أنه قادر على اللعب دون وازع ، وقادر على الربح دون أي محاسبة ، لم يستطع أحد أن يفعل بالبلاد ما فعله .
مدخل طويل لحرب الشرقية
قيل الكثير عن يوميات تلك الحرب ،وهنا يدور الحديث عن شغور مقعد رئيس الجمهورية بعد أمين وتشكيل حكومة عسكريين برئاسة العماد عون ، او لجهة الأحداث السياسية والعسكرية التي حصلت بين نهاية عهد امين الجميل واندلاع الحرب داخل الشرقية .
القراءة الهادئة لتلك الحرب بحسب وجهة نظر الحكيم جعجع ، فمن حق الناس ان يعرفوا لماذا استيقوا ذات يوم ، ورأوا القتال يندلع هنا وهناك ، ومع القتال الضحايا والخراب ، فقد كان هناك توافق بين جعجع مع عون حينما رفع شعار تحرير ارض لبنان من الجيوش الغريبة عليها .
ولكن الخلاف بينهما كان على النهج السياسي العام وطريقة ممارسة كل منهما للسياسة ، حينما اختير العماد عون رئيسا للحكومة ثار في نفسه طموحه القديم فبدأ بتشكيل قوة سياسية – عسكرية ليضمن له دورا ، فأختار خطته على أساس تجميع المعادين للكتائب بقيادة جعجع ، وهنا لا احد يجهل تركيبة المجتمع اللبناني وحساباتها الضيقة ، فمجرد اختيار عشيرة بقرية لعون تختار منافستها بشكل الي جعجع دون النظر لأي اعتبار أخر ، بالنتيجة بنى العماد عون مجده الشخصي بالجيش بطريقة انتهازية عكس سلفه العماد إبراهيم طنوس الذي بنى جيشا محترفا .
براعة عون تجلت في إبراز أحقاد كل أعداء الكتائب والتي كانت تحمل وزر أخطاء أمين الجميل رغم نزاعها معه ، فالسيد أبو أرز ( زعيم حزب حراس الأرز) كان يعتقد ان بشير الجميل اكل حقوقه ، وهي نفس عقدة فادي افرام وفؤاد أبو ناظر ، وكذلك داني شمعون (رئيس حزب الوطنيين الأحرار) حيث فتح عون مع داني الدفاتر العتيقة بقصة 7 تموز/يوليو1980، حين قام بشير الجميل بتصفية ميليشيا حزب الأحرار ،وفرض توحيد البندقية ، لا يتورع عون عن تحقيق غرضه ، راح يستدعي كل من له مشكلة مع الكتائب فيذكره بها .
بموازاة هذا التحرك راح عون يقود انقلابا داخل المؤسسة العسكرية نفسها ، محاولا تحويلها الى جيش عون ، وبناء على معيار العداء ل (الكتائب) راح يقرب بعض الضباط ويسلمهم المواقع .
حيث تولى بول فارس قيادة اللواء الخامس بعد مقتل العقيد خليل كنعان ، بعد خمسة اشهر فقط ابعد عون فارس من منصبه ، لأنه كان يعارض إقحام الجيش في معركة داخلية ، علما ان بول فارس من افضل أربعة او خمسة ضباط في الجيش اللبناني .
للأسف ضرب العماد عون الجيش ، وللأسف أيضا وجد ضباطا متعطشين للمراكز والمستعدين لارتكاب أي شيء ، وهكذا هيأ المناخ للصدام مع الكتائب .
انطلاق الجنرال عون من عدائه للكتائب مكنه من تأليب مجموعة من الأطراف: ريمون أده ، مرورا بقسم من الأحرار ، وانتهاء بجماعة ايلي حبيقه ، ثم أبو أرز وروجيه عزام وغيرهم .
لم يكن ثمة مشكلة لو التقى هؤلاء على برنامج سياسي معارض لبرنامج الكتائب ، لكن ان يكون سبب وجودهم عداؤهم الكامل لوجود الكتائب نفسه ، فهذا يعني الأعداد لتفجير .
ترك امين الجميل القصر وتركه للعماد عون الذي لم يكن من قماشة الذين يقبلون او يقنعون ، استعذب الإقامة هناك وعبارة حكومة انتقالية لا يستسيغها ، انه الجنرال والرئيس والمنقذ ، وكان يأتيه حملة المباخر والباحثون عن أدوار ، وهناك من يحكي لنفسه ويصدقها كعون فيحسب نفسه السيف والدرع وصمام الأمان والمنقذ ، وانه فوق النصوص والحدود ، وانه يصنع التاريخ ، انها مأساة .
مأساة جمهورية اوصلوها الى الهاوية ودفعوها اليها ، ومأساة قصر في اخر المتناوبين عليه ، المنتخب والمكلف ، ومأساة أناس كانوا ينتظرون من القصر ان ينقذ الجمهورية ، بدل ان يبدد ساكن القصر حجارة القصر والجمهورية معا .
لا زلت في المقدمة بالموضوع الشائك الدامي، وكنت قد أشرت بالبداية لذهاب الأمير الهاشمي زيد بن شاكر رحمه الله لبيروت ليقاتل نيابة عنا كأردنيين، كقتال وصفي رحمه الله وتقديمه دمه وروحه بقاهرة المعز، وكما يفعل اليوم عبدالله الثاني كأول عربي يخترق معسكرات القوات الخاصة اليابانية ، بدور غامض أيضا بطوكيو لأردننا الهاشمي، يؤسس لدور جديد لتعاون عسكري مثمر بين اليابان والأردن .
واجد لزاما على أن اختم بفقرة تترجم فهمي التام للعلاقات الدولية الآن بالمشهد الخاص بالشرق الأوسط وأجزم بأن الشيخ حسن نصرالله سيشعل شموع شجرة الميلاد ببيروت هذا العام بموافقته على تشكيل حكومة سعد الحريري ضمن استيعاب الضغوطات الأمريكية على طهران.
أما العاصمة الأردنية عمان فقد أشعلت أضواء شجرة الميلاد باستضافة وفد رفيع المستوى للحوثيين والشرعية اليمنية برعاية الأمم المتحدة مما يدلل على أن الأردن حماه الله من( اللبننه والعرقنه واليمننه والليبنه والسيننه) يمسك بكثير من خيوط اللعبة من صعدة إلى طوكيو وحتى القدس شاء من شاء وأبى من أبى يا قناة الميادين وقبل الجميع نيويورك فالأردن قبلة السلام والإسلام وشجرة ميلاد المسيح عليه السلام.
وكتبه بلبل الإعلام العربي أبو المنتصر بالله عيسى محارب العجارمة من عمان العربية