مقدمة::
أسفر الصراع الدامي في سوريا، والمندلع منذ آذار من عام ٢٠١١، عن تدفق ملايين السوريين نحو الدول المحاذية لها، وكان الأردن من البلدان التي استقبلت الأعداد الأكبر من اللاجئين السوريين، إذ تقدر الحكومة الأردنية أعداد السوريين في الأردن بقرابة ١.٥ مليون لاجئ.

وشاع منذ بداية أزمة اللجوء السوري العديد من المفاهيم الخاطئة من أبرزها "أن السوريين يشكلون عبئًا على الأردن"، لذا يسعى مؤلفا الكتاب المستشار في مجال التنمية في الأردن (بشار الخطيب) والدكتورة (كاتارينا لينير) الباحثة في العلوم السياسية، لتغيير هذه المفاهيم ووجهات النظر الخاطئة وتدقيقها من خلال عرض أصوات بديلة تسهم في خلق فهم دقيق للمشاكل التي يواجهها الأردن حاليا، وترسم صورة أكثر إشراقا عن وجود السوريين في الأردن.

إذ يجمع الكتاب خمس أصوات لسوريين وأردنيين يرتبطون بعلاقة إما شخصية أو عملية أو كلاهما بالأزمة السورية، وكل منهم يركز على جانب معين من الأزمة، إذ يناقش داوود كتاب، مؤسس موقع عمان نت وراديو البلد الخطابات الإعلامية المعادية للسوريين وما هي منابعها، ومحاولات التصدي لهذه الخطابات، في حين يزود يوسف منصور، نائب مفوض سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، بمنظور مختلف حول مساهمة اللاجئين السوريين الإيجابية في الاقتصاد الأردني، وإمكانية الاستفادة منهم بمنافع كبيرة تعود على الأردن في حال تم دمجهم بالصورة الصحيحة بالمجتمع المحلي، بعد ذلك، تفيد ثلاث نساء من اتحاد المرأة الأردنية بمعلومات عميقة حول وضع النساء السوريات في الأردن ومحاولات المنظمة لتقوية التضامن مع (النساء) والرجال في البلاد، ويقدم وائل قدور وهو كاتب ومخرج مسرحي سوري مقيم في الأردن خبرته فيما يتعلق بكونه مثقفا سوريا في المنفى، فهو يشكك في الطريقة التي يقدم فيها السوريون كضحية في الأردن مما يحد من حركتهم في السعي لأرزاقهم، بينما يتحدث مطر صقر، الناطق الرسمي السابق باسم الأونروا، عن المفارقة والمقارنة بين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين.

تلخيص الفصل الأول – سيمفونية سيئة – الخطاب الإعلامي حول اللاجئين السوريين في الأردن

يقول داوود كتاب، مؤسس موقع عمان نت وهي شبكة مجتمعية غير ربحيّة، أنهم يسعون لرفع الوعي عند الناس بما يخص قضايا عديدة في المجتمع الأردني، ودوماً ما يصغون للعناصر الأضعف في المجتمع، كالفقراء والنساء والأشخاص ذوي الإعاقة، ويأتي ذلك من إحساسهم بأن هذه العناصر من المجتمع يتم التغاضي عن أصواتهم من قبل الإعلام التجاري، وتندرج الأزمة السورية واللاجئين الذين ليس لديهم صوت ولا مدخل للإعلام، ضمن اهتماماتهم أيضًا.

ومن خلال برنامجهم الإذاعي "عين على الإعلام" الذي يرصد وسائل الإعلام الأردنية، اكتشفوا نزعة مثيرة للقلق، وهي وجود خطاب كراهية كبير موجه ضد اللاجئين السوريين وخصوصًا في بعض البرامج الحوارية الصباحية، حيث يلام السوريين فيها على كل ما يحصل في الأردن، فأصبح عدم عثور المواطن على عمل هو "غلطة السوريين"، وعندما يكون الناس محبطين فهو "غلطة السوريين"، وذلك بسبب أن السوريين لقمة سهلة لأنه لا يوجد من يدافع عنهم، لذا كان لا بد من فعل شيء بما يخص اللاجئين السوريين في الأردن، ومن هنا جاءت فكرة إنتاج برنامج إذاعي يبث على محطة راديو البلد يتابع ويطرح القضايا الاجتماعية التي تخص السوريين ومشاكل تواجههم في الأردن على وسائل الإعلام، بواسطة العمل مع سوريين وتدريبهم على إعداد التقارير المكتوبة والصوتية والمرئية، حتى يتم نقل ما يخص السوريين من صميمهم، ودمجهم مع صحفيين أردنيين يعملون سوياً في البرنامج حتى يسهل ذلك التواصل مع المسؤولين ولا يتم رفض الإدلاء بتصاريحهم.

ويشير كتاب، إلى أنه هناك ثلاثة مواضيع غالباً ما يتم الخوض فيها بخصوص اللاجئين السوريين، الموضوع الأول هو أنهم يأخذون وظائف الأردنيين، وهذه العبارة الأكثر رواجًا بين الناس مع أنها غير صحيحة، فعلى العكس، وفّر وجود السوريون الكثير من فرص العمل للأردنيين، وإن كان السوريون قد أخذوا عملاً من أحد فهم المصريون وليس الأردنيون، لذلك يعتقد أن هذا الاتهام خاطئ ولا يحمل أي منطق.

أما الموضوع الثاني فهو أن وجودهم تسبب بزيادة إيجارات السكن وخصوصًا في المفرق وإربد، ربما كان هذا صحيحاً في بداية الأمر، لكن المستفيدون من ارتفاع أسعار الإيجارات هم المالكون الأردنيون، وإن من يدفع ثمن هذا هم الفقراء فقط للأسف، وليس جميع الأردنيون. لكن في السنة الأخيرة، بحسب دراسة أجرتها منظمة كير العالمية، انخفضت أسعار الإيجارات وهذه مفاجأة، وهناك سببان لانخفاض الإيجارات، السبب الأول هو انخفاض أعداد اللاجئين القادمين للأردن تزامنًا مع استمرار الازدهار في البناء، والسبب الثاني أن هناك عدد كبير من الشقق ولا يوجد أعداد كفاية من الناس ليسكنوها، وبالحديث عن الاتهام الثالث والأكثر  تفاهةً هو أنهم سببوا الازدحام المروري، فعلى الناس الذين يتحدثون بذلك زيارة القاهرة أو دمشق أو بغداد لمعرفة ماهيّة الازدحام المروري، ما يحدث عندنا لا يمكن اعتباره ازدحاما مرورياً.

أما الموضوع الذي لا يتحدث عنه أحد ولا حتى الحكومة فهو كيف استفاد الأردن من و وجود السوريين فيه، لقد تحسن الاقتصاد الأردني بحيث سجل النمو السنوي في الناتج المحلي الإجمالي بين 2-3% منذ عام 2011، هناك أموال أكثر، إن كان وجود مليون شخص زيادة يستخدمون المواصلات العامة ويشترون المواد الغذائية والبطاقات الخلوية، فإن البلد سيستفيد، أين الخسارة؟ في الماء والكهرباء، إنهم يدفعون بدلها، أو تقوم الأمم المتحدة أو جهات أخرى بالدفع عنهم، إضافة لذلك فإن السوريين جيدون في التجارة لقد قاموا بإنشاء الكثير من الشركات والمطاعم، وهذا يسهم في نمو الاقتصاد الأردني، ومن مشاركته في بعض المؤتمرات لقد طرحت حالة أن الكثير من المستثمرين السوريين توجهوا لمصر للاستثمار هناك بسبب القيود التي تفرضها الأردن على منح السوريين تصاريح عمل.

تلخيص الفصل الثاني -  هبة إنسانية – البعد الاقتصادي الاجتماعي لأزمة اللاجئين السوريين

يرى الدكتور يوسف منصور الحاصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد، أنه كاقتصادي درس أفكار  جوزيف شومبيتر، أن التدمير الخلاق ضروري للنظام الرأسمالي؛ وهذا يعني أن المنظمات القديمة تتنحى لتأخذ محلها منظمات جديدة تعمل بشكل أفضل ومستوى أكبر، أي أنني أعمل لديك وأتعلم صنعتك ثم أنافسك فيها لأحل مكانك، ولديه فرضية هي أن اللاجئين يجلبون معهم رأس المال الفكري ويستثمروا في ويضخوه باستثمارات كبيرة بالاقتصاد، وهذا المال والفكر لم يتشكل ويتطور في الأردن، ولكنه كان هدية فكرية للأردن، كما أن اللاجئين مستهلكون أيضًا فهم يزيدون من معدل الطلب الكلي في البلاد، فالأسواق الأكبر أنجح من الأسواق الصغيرة، وقد تكون التعديلات قصيرة المدى مؤلمة ومؤثرة للاجئين ومضيفيهم على حد سواء، لكن ذلك لا بد منه بسبب الارتفاع المفاجئ في أعداد السكان بالمقارنة مع حجم البلاد، فإنها سترتفع الأسعار  دون شك على المدى القصير لتلبي الارتفاع السريع والمفاجئ قي الطلب، في النهاية ستُعدل الأسواق نفسها وتزيد المصانع مجهودها لزيادة الإنتاج، أي أن اللاجئين ساهموا في زيادة العرض أيضا وهذا يؤدي لتوفير فرص أكثر للاجئين ومضيفيهم الأمر الذي يساهم بتوسيع الاقتصاد.

ولقد كان اللاجئون هبةً للحكومة، حيث تلقت الحكومة الكثير  من المساعدات لكونها استقبلت هؤلاء اللاجئين، وكان من الأمثل تصويرهم على أنهم محتاجين ومستهلكين بدلًا من أنهم منتجين، كما الحال في باقي الدول المضيفة، لذلك أصبح اللاجئون السوريون مصدرًا للدخل الخارجي للدولة، فرحبت الدولة بهذه العوائد لأنها ساعدتها على دفع الرواتب لسكان البلاد أو الموظفين في مؤسساتها البيرقراطية المتنامية.

ويرى الدكتور أنه ليس من المنطق أن نرمي سبب ارتفاع الأسعار على السوريين، بل لو فكرنا وبحثنا في ذلك سنجد أسباباً مختلفة كليًا، يستورد الأردن 96% من الطاقة التي يحتاجها ويستورد 87% من السعرات الحرارية التي يستهلكها، وبازدياد سكان البلاد سيحتاج أن تستورد شحنات أكبر من المواد الغذائية، وعندما ترِد شحنات بشكل أكبر ستحصل على خصومات أكبر، إذ يمكنك شراء 60,000 طن من السكر بخصم 30%  مقارنة بشراء 30,000 طن بخصم أقل، أي أنه لا سبب مقنع لارتفاع الأسعار إلا السلوك الاحتكاري والربحي؛ أي أن اللاجئين ينبغي أن يفيدوا الأردن في خفض أسعار السلع الغذائية.

كما أن ادعاء أن "مدارس الأردن أصبحت تستقبل ضعف عدد التلاميذ بسبب السوريين"، وهذا ببساطة ادعاء كاذب فإن عدد التلاميذ في إربد والمفرق - المحافظتان اللتان استقبلتا أكبر عدد من اللاجئين السوريين في المملكة – ازداد بنسبة 11% فقط، أي طالبان إضافيان في كل صف يحتوي 20 طالب.

وحول مزاحمة اللاجئين السوريين للأردنيين على العمل فإنه قبل ثلاث سنوات قالت دائرة الإحصاءات العامة في الأردن، إن 5% فقط من الأردنيين مستعدون لقبول الوظائف البسيطة، فأصبحت إن أردن غسل سيارتك تغسلها لك العمالة الوافدة وذلك ينطبق على الخباز  والنادل وغيرها من الأعمال التي "يترفع" الأردنيون عن القيام بها، في حين لم يكونوا كذلك قبل سنوات لكن الآن الكثير يعتمدون على أقربائهم المغتربين في دول الخليج فينتظرون وظيفة حكومية ولا يبحثون عن العمل لأن لا يوجد ما يجبرهم على ذلك، وعندما جاء السوريون بدؤوا ينافسون العمالة المصرية وليس الأردنية.

ويمكن الخروج من هذه الحلقة بمنح اللاجئين السوريين تصاريح عمل بحسب رؤية الدكتور، والاستفادة من هذه الظروف لو لمرةٍ واحدة بالتعامل معها على أنها هبة؛ فالسوريون منتجون ومستهلكون راقيون، ولا يجب أن نضيّع هذه الموهبة البشرية والهبة الخالصة من معاناة الآخرين، لكن للأسف، هذا النوع من التفكير ليس جزءً من مطالبنا حتى.

تلخيص الفصل الثالث -  نساء غير مصنفات – النساء في أزمة اللاجئين السوريين


في هذا الفصل تناقش السيدة مُكرم عودة - مديرة برنامج اتحاد المرأة الأردنية، والسيدة عليا حجاوي - منسقة وحدة المرأة السورية، والسيدة غادة زعيتر - متطوعة سورية،وضع النساء السوريات في الأردن والأدوار التي يقُمن فيها.

فإن النساء حُرمت تاريخياً من الكثير من حقوقهن مما جعلهن أكثر المجموعات هشاشة في المجتمع، وإن هشاشة النساء تتضاعف في حالات اللجوء فهن يفقدن منازلهن وممتلكاتهن ويشعرن بالاغتراب والصعوبات الكثيرة التي يوجهنها كلاجئات، فإن السوريات يتعرضن لنوعين من العنف، الأول هو العنف ضد النساء بشكل عام والثاني هو العنف الناتج عن تجربة اللجوء والذي يفقدها العديد من المهارات الأساسية وسبل البقاء.

ويوفر الاتحاد الحماية للنساء من مختلف أشكال العنف، بما فيها الفقر والنزاع المسلح والقمع، ويوفر الاتحاد جميع الخدمات الصحية والاجتماعية والحقوقية للنساء ككل في الأردن دون تصنيفهن، ونظراً لوجود حالة الطوارئ في للسوريات خصوصية كونهن لاجئات فيتم تنفيذ القرارات والتدخلات بشكل أسرع بالنسبة لهن.

وهناك مشكلتان رئيسيتان تواجهان الاتحاد في التعامل مع النساء السوريات وهما الصحة والاقتصاد، فتعاني النساء السوريات من وضع اقتصادي متردي ففي كثير من الأحيان وصلت الأسر للأردن بالثياب التي عليها فقط، ولم يستطع الكثير منهم الخروج بأموالهم وممتلكاتهم التي راحت ضحية الحرب، فقمنا بعقد دورات ترفد النساء السوريات بمهارات توليد الدخل والعمل المهني والصناعي، أم عن المشاكل الصحية، فقد صاحب تدفق اللاجئين السوريين للأردن انتشار الكثير من الأمراض لاسيما في مخيمات اللجوء مما تطلّب خطة للتدخل السريع وقد اضطر ذلك لبذل الكثير من المجهود من قبل الطاقم الطبي الخاص بالاتحاد إذ عمل لمدة أربع وعشرون ساعة في بعض الأيام لزيارة المنازل وتوفير الرعاية الصحية.

ومن المشاكل الرئيسة التي واجهت الاتحاد هي الزواج المبكر للإناث، فعند سؤال النساء السوريات عن عمرهن عندما تزوجن، كانت معظم الإجابات أنهن تزوجن في سن ال13 و 14، وإنه يؤمن الكثير من السوريين إن لم تتزوج الابنة قبل أن تتخطى ال 16 أو 17 من عمرهن فهذا بمثابة الكارثة للأسرة، فقد عمل الاتحاد على هذا الموضوع كثيرا وحقق بعض النتائج لكن ما زال التحدي معقدًا فإن ظروف اللجوء زادت من إيمان الكثير من السوريين أن ابنتهم ستكون بحال أفضل إن تزوجت قبل سن 18 بسبب غياب الأمان وازدياد المخاوف والمتعلقة بالاقتصاد والتحرش.

واستقبل الاتحاد في مأوى خاص به العديد من حالات العنف ضد المرأة، ويتفرع العنف التي تتعرض له المرأة السورية لنوعين، النوع الأول من فقدن أسرهن وليس لهن مكان يلجأن إليه، والنوع الثاني هو النساء اللاتي تعرضن للعنف الجنسي أو العنف المبني على النوع الاجتماعي أو العنف الأسري، واستقبل الاتحاد أكثر من 500 حالة بهذا الخصوص.



ومما سبق يتبين أن قضية اللجوء السوري قد فادت كثيراً الأردن ومع ذلك لو تم استغلالها بالشكل الأصح لكانت النتائج تعود بالفائدة بشكل كبير على البلاد، وذلك يندرج عليه المثل العربي القائل "مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائده"، ولعل السبب الأبرز في الصورة الشائعة عن أن "السوريين هم عبئًا ثقيلًا على الأردن" هو الخطاب الإعلامي وخطاب الكراهية الذي أسهم في عملية عدم الاستفادة من السوريين بالشكل الأمثل.


تلخيص : عامر الحوراني