القاهرة ٢٠١٨ .. السبت .. الثانية عشرة ظهراً

في أحد الأحياء الراقية بالقاهرة، وقفت سيارة الإسعاف الضخمة ذات اللون البرتقالي تعوي بلا توقف وبجانبها ثلاث سيارات شرطة أسفل تلك الڤيلا ذات الطراز المعماري العريق، تجمع الناس حول ذلك المكان فيبدو أن هناك مصيبة ما، يسأل هذا الرجل الفضولي أمين الشرطة : ماذا يحدث هناك يا سيادة الأمين ؟ .. فأجابه بصوت غليظ : هناك شخص قد مات وعليكم أن تبتعدوا الآن من هنا لا نريد ضجة حول المكان.

القاهرة ٢٠١٨ .. الأحد .. الثانية بعد منتصف الليل

ألو الإسعاف .. في حد رمى نفسه من الدور السادس .. العنوان ..

القاهرة ٢٠١٨ .. الإثنين .. الرابعة بعد الفجر

بعد طرقات عنيفة على الباب .. ده مبيردش علينا .. إكسروا الباب نشوف إيه ريحة الغاز دي ..

مشرحة طب القصر العيني .. الثلاثاء .. الرابعة عصراً

يسير بخطوات صارمة مرتدياً بنطالاً أسود وقميصاً أزرق، تغطي عينيه تلك النضارات السوداء التي إذا نظرت إليها لا ترى سوى إنعكاس صورتك عليها، لديه ذلك الشارب الأسود الذي يعطيه الوقار الذي يحتاجه أي شخص في مكانه، يطرق الباب الذي كتب عليه ( الدكتور رشاد بدران ) يأذن له بالدخول فيفتح الباب ويدلف إلى الداخل .. تحدث بصوت وقور وقال : أنا المقدم حازم عبد الحميد ضابط المباحث .. بعد سلام وترحيب من الطرفين بدأ الضابط بالأسئلة : هل هناك أخبار بعد التشريح المبدئي على الجثث يا دكتور رشاد ؟

الضحية الأولى ..

ذكر في الأربعينات من عمره، صحته جيدة جداً، سبب الوفاة هو التسمم، الحالة واضحة جداً، إتساع القزحية والبؤبؤ ونشفان الريق، ولما حللنا الدم لقينا كمية من السم وشوية آثار لمواد مخدرة، ولما فتحنا المعدة لقينا لسه في بواقي لأقراص مسكنة ماذابتش، دليل إنه لسه واخدهم طازة، بحثت عن نوع السم اللي في جسمه لقيته إنه بييجي غالباً من نوع معين من العناكب، فيه آثار عضة في رجله وآثار لعضة ثانية في الرقبة بس أصغر شوية، وللأسف العنكبوت مجاش مع الجثة وإلا كنت إتأكدت من العضتين مقارنة بالعنكبوت نفسه.

الضحية الثانية ..

ذكر في أواخر العشرينات، حالة سقوط من مكان مرتفع، تهشم كامل للرقبة والقصبة الهوائية وضلعين في الجنب الشمال في القفص الصدري، وده غالباً الجنب اللي وقع عليه، في شوية آثار على الأظافر والشفتين بتقول إنه كان حريقة سجاير، وفي على كف إيده الشمال بواقي مادة مخدرة، عموماً تحليل الدم هيبين كل حاجة على آخر النهار، مفيش أي آثار دفع في جسمه ولا آثار مقاومة.

الضحية الثالثة ..

ذكر في أواخر الثلاثينات، مصاب بمرض نقص الصفائح الدموية، في بعض البقع الحمراء تحت العين وفي الوجه، ودي من العلامات اللي بتأكيد كلامي، كذلك فيه بعض الإلتهابات في جنب القدم، وعند أطراف الصباع الصغير، ده غالباً نتيجة التأرجح في المشي ممكن يكون لسه جايب جزمة جديدة وضيقة عليه شوية، لا يوجد آثار لوجود مخدرات أو سموم أو كحوليات حسب تحليل الدم المبدئي، سبب الوفاة الإختناق بسبب الغاز، بس واضح إنه كان في حالة غيبوبة، فيه نزيف من خمس جروح في الرقبة والذراع والساق وكعب الرجل، الظاهر إنه نزف فترة كبيرة ومع ضعف واضح في نسبة الصفائح الدموية دخل في غيبوبة، وإستنشق من الغاز كمية كبيرة لحد ما إختنق ومات.

الضابط : طيب حضرتك يا دكتور ترجح إن اللي حصل ده جرائم قتل ولا إنتحار ؟ 

الدكتور : إسمحلي أقولك بمنتهى الوضوح يا سيادة المقدم إن اللي حصل جرائم قتل .. جرائم قتل مكتملة الجوانب. 

الضابط : بس مش حاجة غريبة إن جرائم القتل دي تحصل ورا بعض كدة، صحيح مافيش صلة بين المجني عليهم بس تفتكر إن القاتل واحد. 

الدكتور : ومين قال إن مافيش أي صلة بينهم، فيه حاجة كدة قالولي إنهم لاقوها مع كل الجثث.

أحضر الدكتور كيساً بلاستيكياً صغيراً به كتيب قديم نوعاً ما، وفي حجم روايات الجيب، مكتوب على غلافه بخط كبير ( فارس الظلام ) وأسفله بنفس حجم الخط تقريباً ( سعيد صفوان ) ..

أمسك الضابط بالكتاب وبدأ يقرأ :-

                           ( فارس الظلام )

بدأت الحكاية كلها في عهد الحكم الفاطمي لمصر، وخاصة في عهد الخليفة الحاكم بأمر الله المنصور، الخليفة الفاطمي السادس، حيث تميز حكمه بإصدار قوانين غريبة، كتحريم أكل الملوخية والجرجير، وأمر الناس بأن يعملوا ليلاً ويستريحوا نهاراً، وكان سفاكاً للدماء بصورة غير مبررة، إنتشر الظلم والفساد، فكان لابد من ظهوره، نعم ظهر على فرس أسود جامح، يرتدي عباءة سوداء، مغطى الوجه لا تظهر منه سوى عينيه، فارس الظلام كما كنا نسميه، ظهر لنا فجأة من الظلام كأنه جزء منه، يقضي على كل فاسد وظالم، يطهر الأرض من شرورهم وبطشهم، حتى جاء ذلك اليوم حين إختفى الخليفة الحاكم بأمر الله فاختفى هو الأخر معه ولم يظهر بعدها، البعض يقول أنه قتل الخليفة وأراحنا من ظلمه ثم أخفاه وإختفى، والبعض يقول أن الخليفة قد قتله، والبعض يقول أن العباسيين قد أرسلوه ليقتل الخليفة وحين أنهى مهمته إختفى، كثرة الأقاويل ولا أحد يدري أيهم الأصح، ولكن دعك من كل هذا، سأروي لك حكاية آخرى، قصة سخيفة تتحدث عن رجل يجلس وحيداً في منزله ليلاً ولا يقوى على النوم، وعندما تبدأ عيناه في الإنغلاق يظهر ذلك العنكبوت الضخم من أسفل الأريكة فيلدغه في قدمه ويهرب، لينزل أسفل الأريكة من جديد، الرجل يصيبه الغضب والدوار معاً، ينظر تحت الأريكة محاولاً إصطياد ذلك الكائن المقزز ليفاجأه الأخر بتلك اللدغة في رقبته، الدوار يزداد أكثر، لماذا ألقيت بالكتاب الآن وكأن ذلك العنكبوت قد لدغك أنت، أمسكت قدمك ورقبتك وبدأت تتحسس بيدك على تلك اللدغة، لا تشعر بالألم ربما بسبب قرص الترامادول الذي تتناوله كل يوم من أجل ذلك الصداع الذي يأتيك بشدة، الدوار يزداد ولكن هل هو دوار من ذلك الصداع الذي تناولت من أجله حبة الترامادول، أم دوار من تلك اللدغات من ذلك العنكبوت، لا تفكر الآن في شئ، ألقي برأسك المنهكة من الدوار للخلف وابدأ في النوم فغداً لديك يومٌ طويل .. هذا إن جاء .

الضابط : دكتور هذا أشبه بما حدث للضحية الأولى هل تعتقد أن ..؟!

الدكتور : نعم أنت على حق ..!!

                                   يتبع ..