Image title

ما كنا نرجوه من الشيخ (القرضاوي) عندما حدثت الأزمة في مصر بين الاخوان وخصومهم السياسيين وقبل وقوع الفاس على الراس واقدام الاخوان على ذلك الانتحار السياسي والتاريخي الكبير والعجيب؟؟ (قال فقلت)

********* 

Image title

علق أحد الأصدقاء على مقالة لي كتبتها عن القرضاوي (ما له وما عليه؟)  فقال لي : "القرضاوي عندما ناصر الإخوان ناصرهم على حق فقد كان مرسي هو الحاكم الشرعي، والانقلاب ضده كان انقلابًا غاشمًا ظالمًا بكل المقاييس الشرعية والقانونية... أبعد كل ذلك تريد من القرضاوي الا يؤيد مرسي وان يقف في صف المطبلين مع السيسي؟، لكي يصبح لديك منصفًا؟ أم كنت تريده أن يكون محايدًا ويسكت عن الظالمين؟؟" 

قال ذلك الصديق ذلك فكان جوابي كالتالي:  " كان المطلوب من القرضاوي يومها أن ينصح الاخوان ويحثهم على تقديم تنازلات للمعارضة والجيش وتفويت الفرصة على أي حجة لإنقلاب العسكرّ.. فالفوضى حجة قوية لعودة العسكر في أي بلد!.. ولكن القرضاوي لم يفعل بل أخذ كغيره من الاخوان يصرخون مع الرئيس (مرسي) : ((إلا الشرعية!.. إلا الشرعية!.. إلا الشرعية!!) حتى سقط الفاس على الراس!!.. ويوم وقع هذا وحدث الانقلاب وتم عزل مرسي بالقوة والدعوة إلى انتخابات رئاسية جديدة لم يكن المطلوب من القرضاوى يومها ان يقر تدخل الجيش أو انقلاب السيسي او يطبل مع المطبلين، لا ليس هذا المطلوب ، بل كان المطلوب الشرعي والسياسي الحكيم منه كشيخ دين ورجل عاقل ان يرد الاخوان الى التعقل ويحجزهم عن الدخول في صدام مع (الجيش)!.. المطلوب كان هو أن يحذرهم من التعنت والانتحار السياسي الجنوني الذي اقدموا عليه!.. كان عليه أن يحذرهم وينصحهم بهذا الاتجاه وهو الشيخ الفقيه الذي له تأثير روحي وفقهي عليهم بل هو أهم مرجعية دينية عندهم!.. كان يجب على هذا الشيخ الفقيه الذي اسهب في اعطائنا دروسًا عظيمة عن فقه النبي في مسألة (صلح الحديبية) وكيف ان النبي قدم تنازلات مرحلية للكفار تمعر لها وجه بعض الصحابة وعلى رأسهم (عمر) وهو يردد في غضب: ((أنعطي الدنية في ديننا يا رسول الله!!؟؟)) لكن حكمة النبي السياسية فاقت عقول المعترضين وبُعد نظره وسعة أفقه فاقت نظرتهم المحدودة القاصرة خصوصًا وأن قريش كانت في ذلك الوقت في عز قوتها وكانت هي الطرف الأقوى، اعطاهم النبي تنازلات (سياسية) شكلية ومرحلية من اجل تحقيق مكاسب مستقبلية!.. ولم يُقدم على انتحار بدعوى (الشرعية) وحقهم الشرعي والعرفي في زيارة بيت الله وليكن بعد ذلك ما يكن!! وإذا قتلتمونا فسنكون شهداء!... لا لم يتصرف النبي بهذه الطريقة الانفعالية الغاضبة بل بحكمة سياسية عميقة!... ولو تحلى الاخوان بهكذا حكمة سياسية نبوية لكان خيرًا لهم وللعرب خصوصًا وأنهم سبق لهم وأن قدموا تنازلات كثيرة للأنظمة السابقة في مصر وليبيا والجزائر والاردن من أجل البقاء أو الحصول على (الحد الأدنى) من الحقوق السياسية!!.. فلو التزموا بهذا المنهج السياسي الحكيم والهادئ لكان خيرًا لهم ولمصر وللأمة العربية!!.. لو تراجع الاخوان امام ذلك الحشد الجماهيري الضخم المعارض لهم والمسنود بالجيش وقبلوا باجراء انتخابات رئاسية مبكرة أو استفتاء شعبي أو أي حل سياسي يرضي المعارضة والجيش ويفكك الأزمة ولو بخسارة منصب وكرسي الرئاسة، لو فعل الاخوان ذلك أليس ذلك كان سيكون افضل لهم ولمصر وللثورة وللديموقراطية الوليدة الغضة الهشة!؟؟ بالله عليك فكر فيها بعقلانية وواقعية بل ووفق السياسة الشرعية خصوصًا بعد كل هذه النتائج المروعة التي ترتبت عن تعنت مرسي والمرشد والاخوان بدعوى ((إلا الشرعية !!!)) وانت سترى صحة ما أقول، فأنا لم أؤيد السيسي ولا طبلت له ولكنني انتقدت الاخوان اشد الانتقاد ولازلت افعل بسبب ذلك الانتحار السياسي الغبي الكبير والعجيب وهم من كان يعطينا دروسًا طويلة عريضة في (فن الممكن) و(فنون السياسة الشرعية) و(الترجيح بين المفاسد والمصالح) و(فقه الموازنات) و(فقه الحديبة) (!!؟؟) لنجدهم بعد كل تلك الدروس الكثيرة بل والتجارب الكبيرة والمريرة يتقدمون بغباء منقطع النظير وفي لحظة غضب جنوني وفي حمى وطيس صياح وصراخ أنصارهم في ميدان (رابعة) نحو الهاوية بل نحو الفخ المرسوم و(المربع) الذي يريد الخصوم جرهم إليه لذبحهم!.. ورأيتهم والله - بأم عيني - وأنا في أسف شديد على ثورات الربيع العربي والمشروع توطين الديموقراطية- وهم يتحولون الى (ثورهائج) يخور وسط الشوارع ويخبط بقرونه هنا وهناك بشكل عشوائي!، لينتهي الأمر بذبح ومصرع هذا الثور الجريح بطعنة مدروسة وقوية في رأسه من قبل مصارع الثيران القوي (السيسي) لينهار ذلك الثور ويخر وسط الحلبة صريعًا يتخبط في بركة دمائه، ليقوم هذا المصارع القوي الشرس بجره من رجليه بكل قسوة ودون رحمة وبشكل مهين حتى يُلقيه في حفرة مظلمة!! .. مشهد مروع!، ومصير رهيب كان والله يمكن للاخوان اجتنابه وتجنيب ثورات الربيع العربي والمشروع الديموقراطي الغض شره خصوصًا لو أن الشيخ القرضاوي وجههم باتجاه التعقل والحكمة السياسية وتقديم التنازلات للمعارضة والجيش لتحقيق مكاسب أفضل وأكبر لاحقًا بل وللمحافظة على النفس وعدم اعطاء فرصة للجيش لاستلام زمام السلطة بحجة منع الفوضى العارمة التي تسببت فيها الأزمة السياسية الخانقة والخطيرة بين الاخوان وخصومهم السياسيين!.. هذا هو ما كنا نرجوه من الشيخ القرضاوي أي يردهم الى التعقل والرشد السياسي والفقه الشرعي والتنازل المرحلي حتى تمر العاصفة وتنضج الأمورلا أن يزيدهم جنونًا على وقع جنون وهياج الاسلاميين وسط الشوارع ووسط صراخ قناة الجزيرة!!.. رأيتهم هناك يصرخون صرخات الذبيح لعل أمريكا والغرب و(أوباما) يسمعهم فيجيب دعائهم!!.. يصرخون ويلعنون العسكر والسيسي بمكبرات الصوت في ميدان رابعة!....

Image title

صدقني يا صديقي من شدة استغرابي وذهولي وصدمتي بذلك الانتحار السياسي العجيب للأخوان بت اشك والله بأنهم كانوا ضحية لفخ كبير!.. ولا أستبعد ان قطر - حليفة امريكا ومخابراتها - هي وراء جر الاخوان لهذا الفخ الرهيب وذاك الانتحار التاريخي العجيب!، جرهم إلى تلك المذبحة!!.. فقد كانت قطر بقناة جزيرتها (المشبوهة) تحثهم على الصمود والتصدي وعدم التنازل وعدم الانصياع لقائد الجيش الذي امهلهم فرصة اسبوع لحل الازمة، كانت قطر وقناتها الجزيرة تحثهم على الصمود والصبر (فالفرج قريب والمدد قادم!!) وكانت تقسم لهم بأغلظ الايمان أن (اوباما) معهم والاتحاد الأوروبي معهم وان العالم الغربي لن يتخلى عنهم وعن نتائج الصندوق (!!!) وأن الغرب الديموقراطي الذي دعم الثورة المصرية وضغط على (مبارك) بشدة حتى تنحى لا يمكن ان يقبل بهذا الانقلاب العسكري!!.. هكذا قيل لهم أو قال لهم شيطانهم الغَرور أو قال لهم صوت غضبهم الذبيح وهو يفور!، وصدقت قيادة الاخوان (المرشد والسيسي) هذا التزيين القطري الامريكي والاعلامي فركبت رأسها وهي تردد ((الا الشرعية!.. إلا الشرعية!!)) .. فكانت النتيجة أنها جرت الجماعة نحو الهاوية وقادتها نحو هذا الانتحار السياسي الرهيب وهي تعتقد ان (اوباما) سيتدخل قريبًا لانقاذ حكم الاخوان واجبار السيسي على رد ((الشرعية)) لهم وإلا !!! ... يا له من حلم غرير ووهم كبير!! ، وياله من انتحار تاريخي خطير سيقف امامه الجيل القادم من الاسلاميين طويلًا وهم يهزون رؤوسهم في استغراب ودهشة ومتسائلين بذهول: ((كيف حدث هذا!؟ وأين كانت العقول؟؟ ومن المسؤول!؟؟)) .."

سليم نصر الرقعي

2018