أصوات طبول الحرب تأتي من بعيد في لحن تصاعدي منسق، تصحبها أصوات نفير مكتومة تعلن أن الوحش قد جاء ليبسط سلطانه على الوجود.

إنه الظلام ..

الوحش الأقوى والأكثر شهرة بيننا، الوحش الذي كنت تهرب منه بالنوم حين كنت صغيراً، تغلق عينيك الصغيرتين حتى تعتصر جفنيهما ظناً منك أنك تختفي منه وتهرب، ليس عليك أن تهابه الآن، أغلق عينيك فهذا ظلامٌ آخر، ظلامٌ يمنحك الثبات، يمنحك السكينة، شعور عميق بأنك عدت إلى رحم أمك وتخلصت من تلك اللحظات السوداء التي مرت في حياتك، لحظة خسارتك لحب أول فتاة، لحظة خسارتك لأول نقود تمتلكها في صفقة فاشلة، لحظة وفاة والدك، لحظة أن وجه لك مديرك في العمل أول إهانة لك.

كل هذا تنساه هنا في رحم الظلام لتُمنح تلك القوة، القوة التي تجعلك تُخرج مخاوفك المريضة وأشباحك القديمة وتفتح عينيك على إتساعهما لترى الحقيقة، الحقيقة التي ظل نور الفجر يخفيها ويُجملها حتى ظنناها كذلك، ظن كل منا أنها صافية وواضحة لكنها دائماً ما تمارس معنا تلك اللعبة، فلا تكشف عن نفسها إلا لمن يريد فقط أن يعرفها على حقيقتها.

الحقيقة .. تلك الكلمة التي مهما ظننت أنك تعرفها يوماً لن تعرفها، ستبقى هناك مختبئة خلف ستار صلب، ستار ينتظر من يزيحه ليعرف، لكنها معرفة لا تنفع أحداً سواه، تماماً كتلك المعرفة التي سأنقلها لك الآن، فقط لتدرك بعدها أنها لن تنفع أحداً سواي.

" يخطأ المرء ويعتذر فيعتقد أنه هرب من الجزاء، لكنه سرعان ما يدرك أنه يسير نحوه بخطى ثابتة، لقد أذنبت وحان وقت العقاب "

يتبع ..