Image title

قد يقول البعض أن الاساس في هذا الدين والغاية من ارسال الرسل وانزال الكتب هو ((التوحيد)) وليس ((العدل))!.. وهذا ينم عن قصور في فهم التوحيد والذي ضده الشرك وكذلك في فهم العدل والذي ضده الظلم!، فتوحيد الله أي افراده بصفات الألوهية اعتقادًا وافراده بتعلق القلب خوفًا وطمعًا واعتمادًا وافراده بطقوس العبادة سلوكًا قولًا وعملًا هو قمة العدل في التعامل مع الله، إذ أن صرف خصائص الالوهية لغير الله هو ظلم عظيم وهذا هو الشرك فالشرك مناف للحقيقة الكونية ومناف للعدالة، فإما منافاته للحقيقة الكونية - أي لمنظومة الحقائق الفعلية القائمة في الكون - ذلك أنه لا إله - في الحقيقة - الا الله عز وجل، وكل ما قيل أنه اله أو شبه إله أو ابن إله من دون الله فهو محض وهم وظن وصنم ووثن!، لا وجود له في الحقيقة إلا في الذهن!.. هو مجرد اختراع من بنات خيال البشر أو وحي الشياطين!!، وأما منافاة الشرك للعدالة - أي لمنظومة الحقوق - ذلك أنه لا معبود بحق الا الله إذ لا يستحق العبادة إلا الله وحده، وتوجيه العبادة لغيره هو ظلم عظيم!، العبادة ما ظهر منها وما بطن!، العبادة بكل أصنافها ودرجاتها وما يتعلق بها من رغبات ورهبات ومشاعر قلبية أو تصرفات سلوكية... وهكذا يظل العدل هو الأساس حيث التوحيد يدخل ضمن منظومة الحقوق ، أي حقوق الله على عباده!.. ومن لا يصرف هذا الحق لله وحده فقد ظلم!، لا أقول أنه ظلم الله!، فالله أعلى وأجل من أن يُطال فيُظلم، إذ أن الظلم إنقاص للمظلوم والله غير قابل للنقصان والانتقاص!.. لهذا فإن هذا الظلم العظيم، أي الشرك بالله، يرتد على المشرك نفسه، فيكون، بشركه بالله، ظالمًا لنفسه ظلمًا مُبينًا بل ظلمًا عظيمًا لأنه بالشرك حكم على نفسه بالخلود في جهنم فالله أصدر في كتابه المسطور (دستور الكون) مادة دستورية كونية غير قابلة للنقض والاستثناء والعفو وهي قوله تعالى: {مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} !.. ويمكن أن نقول أيضًا أنه ظلم للحقيقة كحقيقة في حد ذاتها أي انقاص للحقيقة وجحود لها، الحقيقة التي مفادها وبشكل موضوعي أنه في الحقيقة لا يُوجد أي اله مع الله وأن كل ما عُبد مع الله ليس إلهًا ولا يملك خصائص الالوهية الذاتية إنما هو اله مخلوق في عالم الخيالات والمعتقدات الذهنية فقط كحال الآلهة الوثنية في الميثولوجيا الاغريقية والرومانية والعربية أيام الجاهلية!.. كلها أساطير اختلقها الخيال الشعبي للبشر، أما في الكون فلا إله الا الله وحده.. هو الاله الحقيقي وهو بالتالي المعبود الحق والمعبود بحق!.

*****************

سليم نصر الرقعي

ربيع الأول 1440 هجري/عربي

نوفمبر 2018 ميلادي/غربي