ما أسهل أن تصل إلى القلوب وما أصعب أن تصل إلى العقول في عالمٍ متغيّر تتقلّب فيه العواطف والمواقف في دقائق معدودة،فنحن نعيش في زمنٍ حافل بالغرائب أصبحنا نشك في ما تعلّمناه من فرط ما رأينا من ظواهر غير مألوفة في حياتنا لكننا سرعان ما نعود إلى صوابنا بعد وقفةٍ عقلانية،قبل عامٍ من الآن برزت شخصية هابطة لا تختلف كثيراً عن الشخصيات الهابطة التي غزت حياتنا وهواتفنا الذكية،وأحاديثنا العامة والخاصة بمناسبة ومن غير مناسبة،لكن ما ميّز هذه الشخصية أنها بالغت في الإسفاف والهبوط والتدني وتجنّت على عالم الأدب والثقافة وحازت على انتشارٍ فظيع بسبب التفاهات التي يتفوّه بها صاحب الشخصية الهابطة ومئات التعليقات الساخرة والسوقية التي يتلقّاها صباح مساء،مما حوّله في غضون أسابيع قليلة إلى شخصية تسويقيةٍ رابحة تتقاضى أجراً عالياً عن إعلانٍ مبتذل !
تواصل الهبوط وصولاً إلى سقوطٍ مريع متوقّع من شخصية تجهل أبسط قواعد الحياة،وساهمنا دون قصد منّا في نقل هذه الشخصية من باب الدعابة إلى أكبر عدد من الجمهور،مما ثبّت أقدام صاحب الشخصية في عالم التواصل الاجتماعي وأصبح القاصي والداني يترقّب إطلالة الجهبذ العبقري وفلتة الأدب ليقدّم لنا ردحةً هابطة معتادة !
تحدّثنا كثيراً عن هذه النماذج منها من اختفى لعدم قدرته على المواصلة لعوامل كثيرة،ومنها من تحوّل إلى مصلحٍ اجتماعي وطبيبٍ خبير وإعلاميٍ مرموق وكاتبٍ عالمي،ومنها من يمكن أن نطلق عليه ( جميع ما سبق )،والضحية جيل جديد ولد في عالمٍ مضطرب الهوية،مما ضاعف مسؤولية أولياء الأمور في توعية أبنائهم بخطورة متابعة هذه النماذج الهابطة، لكن الطامة الكبرى حينما يروّج الآباء والأمهات لهؤلاء ويتبادلون التعليقات الساخرة أمام أبنائهم ،فتصبح الحكاية روتينية معتادة في الزمن اللاحق،ساهمت برامج معيّنة في نشر سيل التفاهة وطوفان الجهل وبعد أن كنّا نخشى من الأفكار المستوردة من الغرب أصبحنا نخشى على أنفسنا وأهلينا من أبناء جلدتنا الذين يتقافزون في وحل الإسفاف،ويبدو أن هوس الأضواء وعشق الظهور قد انتقل إلى بعض الذين يصنّفون أنفسهم ضمن شريحة الثقافة،فلم نعد نرى الإبداع الأدبي بل دقائق ملوّنة بها كل ما لذّ وطاب من ألوان الطيف والملابس المزركشة التي تذكّرنا بعروض المهرّج في سيركٍ عالمي !