وجه غلبه التجهم، واستولى عليه الغضب، باطنة رحمة وظاهره من قبله العذاب.

من نظر إليه فزع، وحسب أنه يرى صورة رجل لم يعرف في حياته خيرًا قط، منقبض الوجه، مطأطأ الرأس، ومن عرفه رأى رجلًا وديعًا فاضلًا، له أخلاق الملائكة وصورة الشياطين.

قال لي:

من لا يعرفني يرى فيّ صورة رجل غاضب، فيتحاشاني لأجل ذلك.

يعتقد الناس أني إنما أخادعهم بلطفي، وأخالتهم ببشاشتي، ولا أدري ما سر هذا النفور عني؟!

قلت له: العامي من الناس، يؤمن بذلك القول المأثور: اعرف عنوان الكتاب تعرف ما فيه، وأنت عنوانك وجهك، فإذا رأى الناس منك هذا الوجه الدميم، حسبوك دميمًا في أخلاقك، سيئًا في تعاملاتك، فاستوحشوك وقلوك، واتهموك بما ليس فيك.

قال وقد تميّز حزنًا: وهل هذا ذنبي أني خلقت على هذه الصورة، وبهذا الوجه؟!

قلت: ليس الذنب ذنبك، والحسن إنما تتفاخر به النساء، وأنت خلقت رجلًا، وقد أعطاك الله من حسن الخلق، وسعة الصدر، وحسن المنطق، ما لم يعطه من هو أجمل منك شكلًا، وأحسن منك صورة، وبالأخلاق تتفاضل الرجال.

قال: لقد نفست عن قلبي كربة كانت معقودة منذ زمن.

قلت: ونعم، لقد رأيت من الرجال من كانوا آية في حسن التصوير، ومعجزة في حسن التركيب، ومع ذلك فقد كانت مظاهرهم هذه غاشة خادعة، وما أحسن ما قاله أحد الشعراء لما رأى شكلًا حسنًا وأخلاقًا باطلة كاذبة:

جمال الوجه مع قبح النفوس - كقنديل على قبر مجوسي

فتطلق صاحبنا ضاحكًا وقال: اي والله إنه لكذلك، وتعلم: إني حُرمت بصورتي الشوهاء هذه وصل الكبار، وظفرت بوصل الصغار، فعندما يراني الأطفال تتهلل وجوههم كأنما يرون ملائكة السماء، ويأتون إلي مصافحين يتبسمون تفتر ثغورهم عن مثل الؤلؤ المكنون بريقًا وحسنًا..

فقلت: هذا لإن روحك طيبة، والأطفال لا يعرفون من الناس إلا أرواحهم ونواياهم، فإن كانت أرواحهم نقية بيضاء أحبوا أصحابها، لأن نفوس الأطفال نقية بيضاء، خالية من الأطماع، سليمة من الدخائل والآفات.

فوضع يده تحت خده مفكرًا ذاهلًا دهشًا مسرورًا وقال: الآن فهمت، ثم أقبل نحوي واعتنقني وقال: لا فض فوك فقد أحسنت إلي كثيرًا، فشكرًا لك...

ثم ودعني وانصرف

بقلم: سامي الذبياني