بينما أنا مستغرق في عملي، أحادث شخصًا وأتكلم معه في مسألة كنت أرشده إلى الإنتباه إليها، والحذر منها، لأنها تضره، وهي من خصائص عملي ومتعلقاته.

إذ دخل بيننا رجل، لا أدري كيف جاء، أسقط من السماء، أم خرج من باطن الأرض، فإذا به يقول: لا هذا خطأ !!

فالتفت إليه وقلت: وما هو الخطأ؟!

فأخذ يروح يمينًا، ويغدو شمالًا، ويتكلم بكلام لا معنى له، ولا فائدة منه، وإذا به يجهل حديثي مع الرجل ولم يسمع منه شيئًا.

فقلت له: إذا كنت لا تعرف فيم كنت أحادث الرجل، فلم تدخلت بيننا إذًا، ونحن نتحدث حديثًا خاصًا، ولم ترتفع في حديثنا الأصوات، ولم يحدث بيننا شيء، ففيم تدخلك!

فتغير وجه الرجل، ومع ذلك فقد كان مصرًا على خطأ ما كان موجودًا، لا يعرفه هو ولا نعرف نحن.

فوضعت يدي على رأسي لهول ما رأيت وقلت: أفي عقلك بلاء؟!، أترى أناسًا غائبين لا نراهم، أو هل تسمع حديثًا لا نسمعه؟!

فلم يزده كلامي هذا إلا عتوًا وكبرًا، وأخذ يجادل ويكابر ويتكلم بكلام ليس له معنى.

فنظرت إليه بإشفاق، وقلت: تعلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)

ثم وتركته، ووليت.

وكنت أراه وأنا منصرف لا يزال مصرًا على أن هناك خطأ، وأن هناك لبس!

فتحدثت في نفسي، وقلت: عجيب أمر هذا الصنف من الناس، يحركون ألسنتهم بلا وعي، ويخضون في شؤون الناس على غير فائدة.

إني لأغفر كل زلة وخطيئة تصدر من أي إنسان، إلا إذا رأيته يخوض فيما لا يعنيه، ويتدخل بين الناس بما ليس له فيه شأن.

فإني عند ذلك أكبر ثلاث تكبيرات، وأغسل يدي سبع مرات بالطهور، أولاهن بالتراب، أسفًا على من هذا حاله، لعلمي بأن هذه الخلة تجر على صاحبها من البلاء ما لا دفع له، ولا حيلة معه، ومن الله الهداية الرشاد!

بقلم: سامي الذبياني