تعتبر تجربة الأديب الإماراتي عبدالعزيز جاسم تجربةً ثرية ومتفرّدة في المشهد الثقافي،تمكّن من خلالها من تقديم نموذجٍ عصري للأديب الشاعر المفكّر بين أبناء جيله،منذ بداياته الأولى وحتى اليوم،عبدالعزيز الذي ولد في رأس الخيمة وتغرّب وعاش في ترحالٍ طويل بين المدن ،استطاع أن يلوّن كتابته بألوانٍ زاهية كاسراً النمطية المعتادة في مزيجٍ فريد من الإدهاش والتأويل الفلسفي العميق،ومن قرأ كتاب ( جحيم نيوتن ) والذي أتبعه مؤخراً  بالجزء الثاني بعنوان ( أثر الكلمات والتنادي ) سيلاحظ كيف رصد التحوّلات الثقافية في العالم خلال ثلاثين عاماً من البحث والتقصّي،وكيف قدّم لنا المادة التاريخية بأسلوبٍ سلسٍ حديث،ليخط لنفسه لوناً آخر موازٍ تماماً لتفرّده في قصيدة النثر العربية التي يعد أهم روادها في العصر الحديث،وفي كتابه ( مجهول البحر ومعلومه ) تناول عبدالعزيز جاسم عصوراً غابرة  وقدّم رؤيةً تحليلية لأهل الخليج ودعى إلى ثقافةٍ شرق أوسطية مختلفة وقدّم تعريفاتٍ مهمة،ولعل أقلام النقّاد لم تتناول بالشكل المطلوب المنجز الشعري والفكري لأعمال عبدالعزيز جاسم حتى الآن ما عدا بعض الدراسات النقدية عن بعض نتاجاته الشعرية الذهبية،عبدالعزيز الذي قاد أبناء جيله باقتدار وكان ملهماً للجيل التالي لشعراء قصيدة النثر،أصبح رمزاً عند أبناء جيل الشباب من شعراء النثر في الإمارات ولعل الغرس الذي غرسه في ساحة الأدب قد أتى ثماره اليوم ونحن نلاحظ مدى تعلّق الشباب بأعماله خاصة بعد أن أقدم على خطوةٍ ذكية بطباعة أعمالة الشعرية بجزئها الأول والصادر عن دار التنوير عام ٢٠١٧،لتكون متاحة للقارئ العربي وليعيد الحياة إلى قصيدة النثر بعد خفوتها في العقد الأخير لرحيل كبار الشعراء واحتجاب البعض وتحوّل البعض نحو أجناسٍ أدبيةٍ أخرى،لذلك فقد نجح عبدالعزيز في تحقيق المعادلة الشاملة بين الشعر والنثر والتواصل بين الأجيال مازجاً الحداثة والتاريخ والأسطورة في قالبٍ فلسفي مثير يصعب مجاراته،واليوم يطل علينا بين حينٍ وآخر مثل عصفورٍ مهاجر على هامش معرض أو صدفةٍ عابرة بعباراته وجمله المحفورة في ذاكره الأصدقاء الذين عاصروه منذ البدايات ولا زال للإبداع بقية مع عالم عبدالعزيز جاسم المتفرّد.

أنا الوقت القتيل

أنا النعش الأحمر المزيّن بالإبر

أنا خفقة الزوابع

وديك العدم