ألقاه في ( البرّ محصوراً) وقال له:
إيّاك إيّاك أن تبتلَّ بالماء!
ولأنّها اضطرتهم للعمل في الوهاد والجبال وبطون الأودية ، ظنّت وزارتنا العزيزة أنّهم يمتلكون قدرات خارقة لايمتلكها سواهم من الخلق! وأنّهم ضد عوامل التعرية وتقلّبات الجوّ فألزمتهم بما لم يلزم ، ولم تقل لهم حتى: ياساريةُ الجبل! لتشعرهم على الأقلّ بأنّها تحمل همّهم وأنّى لهم ذلك:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى
يزيد سليم والأغر ابن حاتم
فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله
وهم الفتى القيسي جمع الدراهم
إنّه ليتعجّب الانسانُ أشدّ العجب من بعض القرارات التي تخرج من الأدراج من غير هدى ولا سراج ، في ليلة لم يحمد القوم سراها؟!
الإنسان في أي زمان ومكان هو مناط الاهتمام والعناية وهو مدار النهضة والحضارة ، وقد اهتمت دولتنا الرشيدة به لإيمانها بدوره في بناء الوطن وصناعة الجيل ، ووفّرت له سبل الراحة والعيش الرغيد ، بل إنّها شيدت المباني وشقت الأنفاق وبنت الجسور من أجله وجعلته بين سحرها ونحرها. فما بال وزارتنا العزيزة تضعه في فم المدفع غير عابئة بحياته؟!
تعاطفتُ حقيقةً كغيري مع وفاة طالبين غرقاً في طريقهما إلى المدرسة وكذلك مع مقطع لمجموعة من المعلمات يستنجدن بقيادتنا الرشيدة لما تعرّضن له من تعنت تمثّل بعدم تعليق الدراسة في المنطقة البعيدة التي
يقطعن لها مسافة خمس مئة كيلو متر يومياً ، ووقفن حائرات في المقطع لايملكن حولاً ولاقوة إلا التصوير وطلب النّجدة ، فالسيول أمامهنّ والأحجار المتساقطة عن يمينهن وشمالهنّ وعين الرّقيب من وراءهن وقد تكون الدراسة معلّقة للطالبات فقط فما الجدوى من قطع هذه الفيافي والقفار للتوقيع فقط؟!
إذا كان ولابد وأنّ الوزارة حريصة على حضور منسوبيها للتوقيع فقط فعليها إذاً أن تؤمّن لهم وسائل نقل أخرى تجعلهم في مأمن من خطر السيول وانجراف التّربة والصخور ، وعصف الرياح ، وليس ذلك أقل بأن توفر لهم اسطولاً من الطيران العمودي بشرط أن يكون هنالك مدرج في كل مدرسة أو ساحة للهبوط الاضطراري على أن يسبق ذلك توزيع مظلات لموظفيها إن تعذر الهبوط!!
لكنني أشك في قدرتها على ذلك وهي التي لم تطبق التأمين الصحي بسبب أنّ الميزانية لاتُغطي ذلك كما ذكر معالي الوزير في لقائه الأخير.
أمّا حصة النّشاط فلم يعتذر عن تطبيقها بعجز الميزانيّة لأنّها لم تُرصد لها ميزانية بالأصل من قِبل الوزارة! تاركاً الحبل على الغارب في تطبيقها وتبعيّته لإدارات المدارس والمعلمين!
نحن مع النُّهوض بتعليمنا ومع رؤية قيادتنا ولكن هل الوزارة تخلصت من أعبائها لتضيف عبئا جديداً؟
كنّا نأمل منها أنْ تعالج مشكلة البند (١٠٥) وأن تحل مشكلة خريجات كليات التربية ، وأن تهتم بموضوع التربية كما تهتم بقضية التعليم والمناهج وأن تجد حلاً لتكدس الطلاب في الفصول وأن تضع الأنظمة واللّوائح الانضباطية للطلاب حتى لايتمرّدوا على معلميهم ، ولا يتنمّروا على زملائهم ، وأن تخرج من شرنقة المدارس المستأجرة وإذا بها تخرج بساعة النشاط!!
وساعة النّشاط هذه أربكت العمل التعليمي وأثقلت كاهل المعلمين وأضافت عبئا جديدا على نصابهم المرتفع أصلاً خاصّة وأنّ بعضهم لايمتلك خبرة في هذا المجال ولم يُعدّ مسبقا له! وبعض المدارس ليس فيها مرشد طلابي ، والمدارس التي بها مرشد غالباً مايكون غير متفرّغ فما المبرّر لكل هذا؟!
بل إنّ هذه الساعة أربكت حتى البيوت وأحدثت خللاً في النظام الأسري ، فالطالب يعود إلى منزله في ساعة متأخرة ويعود منهكاً ، لايبحث إلا عن الراحة فينام إلى قرب المغرب وهذا يفوّت عليه صلاة العصر ويحرمه من الأنشطة الحقيقية التي يمارسها برغبةٍ منه – عصراً - في نادي الحي مثلاً أو في الاشتراك ببعض الدورات التي تنمّي فيه الجانب العقلي والرياضي والمهاري والتي يجد فيها نفسه وراحته لأنّ مكانها مجهّز وملائم لممارستها على غير مايجده في مدرسته.
نحن مع الاستفادة من تجربة الغير خاصةً الدول المتقدّمة في مجال التعليم لكن لابدّ أن يُعلم أنّ لكل مجتمع خصوصيته فما يمكن تطبيقه في أوروبا مثلاً ليس بالضرورة تطبيقه لدينا لاختلاف الثّقافة والطبيعة والأجواء وتعدّد وسائل النّقل هناك ، فليس كل فكرة أو مقترح قابل للتطبيق في أي مكان ، فمثلاً الطالب لدينا يبدأ يومه بنشاط ويختمه بنشاط ، يبدأ بالطابور الصباحي ويختم بالصلاة ، ومعلوم بأنّ الصلاة نشاط أيضاً بمافيها من أعمال قبلية وبعديّة.
كان من الأولى أنْ تُفكّر الوزارة بطريقة لتفعيل الطابور الصباحي بدلاً من الطريقة التقليدية فهذا هو الأولى والأجدى خاصّة بأنّ الطالب يبدأ يومه به ..لا أن تتفتق ذهنيتها عن (اكتشاف) ساعة النشاط فكل من لديه خبرة في الميدان التعليمي يعلم أنّه لاجدوى منها بهذه الطريقة العشوائية بل إنّها ساهمت في فوضى الطلاب فأصبح الطالب يسجّل بالمسار الذي لايوافق رغبته حتى يقابل زميله في الفصل الآخر وهذا يتطلب وقتاً وجهداً لفرز الطلاب وإعادتهم إلى نشاطهم الحقيقي وإن عادوا بغير رغبة تمرّدوا على معلّميهم حتى يحققوا رغباتهم وهذا من المعلوم أنّه يؤثر على سير العمل التعليمي الحقيقي والأساس فاختلط الحابل بالنابل.
عن عائشة رضي الله قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يقُولُ في بيتي هَذَا: ((اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ)). رواه مسلم
الحكمة ضالة المؤمن ، فَلِمَ لاتُغلّب وزارتنا العزيزة العقل والمصلحة العامة؟! ولِمَ لاتتراجع عن قراراتها إن ثبت عدم جدواها؟! ولم لاتُشرك منسوبيها - خاصة من هم بالميدان - في قراراتها؟!
ولماذا هذا السيف المصلت على رقاب منسوبيها؟! أليس من الأولى أن تكون لهم الحضن الوسيع والحصن المنيع؟
إذا كانت وزارتهم بهذه النظرة الدونيّة لهم فلايُستغرب التمادي على المعلّمين من قِبل الآخرين!
وأخيراً:
سلام الله يا مطرٌ عليها
وليس عليك يا مطرُ السلام