قرب انتهاء الحرب العالمية الثانية وفي إحدى قرى الريف الياباني عكف الضابط الفيزيائي الشاب أكيو موريتا مع رفاقه من المهندسين والعلماء، وفي سرية تامة، على استكمال تصميم وتصنيع موجهات حرارية للصواريخ ونظارات للرؤية الليلية على أمل قلب موازين الحرب في الوقت الضائع رغم توالي خسائر الجيش الياباني. وضع srmx القنبلة النووية واستسلام اليابان بعد ذلك حدًا لتلك الآمال. بعد فترة ترقُب لم تدم طويلاً خرج موريتا ورفاقه من مخبئهم بعد أن دمروا جميع وثائق أبحاثهم خوفًا من استيلاء الحلفاء عليها.
عاد موريتا بعد الحرب ليعمل معلمًا مع أستاذه الذي انتقل للتدريس في معهد طوكيو للتقنية وأسس فيه برنامجًا لتعليم المعاقين بدنيًا. عرف موريتا لاحقًا أن صديقه المهندس الكهربائي إيبوكا الذي كان يعمل معه خلال الحرب قد أسس معملاً لتطوير أجهزة إلكترونية مختلفة منها على سبيل المثال محولات تساعد أجهزة الراديو على استقبال الموجات القصيرة. قرر موريتا أن يتفرغ جزئيًا للعمل معه على أن يؤسسا شركتهما الخاصة عندما تسنح الظروف. بعد فترة قصيرة فُصل موريتا من عمله في سلك التعليم بسبب عمله السابق في القطاع العسكري والذي كان يخالف مبادئ مشروع مارشال ،الذي أدار به الأمريكان إعادة إعمار اليابان، والذي كان يمنع أن يعمل في سلك التعليم من سبق له وأن عمل في مجال عسكري. سعادة موريتا بذلك القرار لم تكن توصف فأخيرًا سيتمكن من التركيز على حلمه دون تشتيت الوظيفة.
خاض موريتا وشريكه إيبوكا عدة محاولات فاشلة لتطوير منتجات متعددة منها جهاز تسجيل صوتي انبهر بفكرته موريتا في صغره ولم يتمكنا من بيع قطعة واحدة منه بعد الجهد والتعب الشديد في تطويره. لم ينقذهم من ذلك سوى انتشار الترانزستور القادم من أمريكا والذي أعادهم لعالم الأصوات من جديد ومن ثم ولادة شركتهم الشهيرة SONY والذي اشتقا اسمها من كلمة صوت sonnus اللاتينية. انطلقت رحلة سوني الابتكارية بعد ذلك في عالم الأصوات والموسيقى وتوجت ذلك بابتكار أجهزة الوكمان الصغيرة المتنقلة ذات الجودة الصوتية العالية التي جعلت الاستماع إلى أنغام الموسيقى متاحًا في أي مكان وفي أي وقت.
كتب أكيو موريتا مذكراته ونشرها في كتابه "صنع في اليابان" الذي يتحدث فيه عن ثقافة سوني التنظيمية وتجربته الإدارية التي استمدها عمله ابتداءًا من شركة والده ثم إدارته لشؤون أسرته والتي نعرض لأمثلة منها. داخل سوني تقف قيمة الشهادة الدراسية ومصدرها عند باب الشركة وتحديدًا في سجلات إدارة الموارد البشرية التي تحدد راتب الموظف فقط وتبقى بعد ذلك في طي الكتمان كي لايتم استخدامها كوسيلة للتفاخر والمفاضلة بين الموظفين كما كان سائدًا في اليابان آنذاك. كما لاتوجد لدى سوني تفرقة بين المهندس والفني أو الإداري. فأي موظف متميز بغض النظر عن خلفيته أو مسماه الوظيفي يمكن أن يتطور في أي مجال ويتولى مناصب قيادية إذا أبدى تميزًا فيها. يقول موريتا .." ليس من العدل بل ومن ضيق الأفق أن نستبعد ترشيح موظف لمهمة بسبب المؤهل الدراسي أو المسمى الوظيفي الذي عين عليه .." ويستطرد قائلاً: " .. لا أحب أن يفكر المديرون في سوني أنهم سلالة نادرة اختيرت لقيادة جماعة من المغفلين لتحقيق إنجازات باهرة.." ذلك أنه " .. مهما بلغ ذكاء المدير وفطنته وحذاقته فإن مصير عمله في يد موظفيه بل وفي يد أقلهم مرتبة.." لذلك تأخذ إدارة سوني على عاتقها مهمة الحفاظ على الموظفين مهما تطلب ذلك من مخاطرة ولاتتخلى عنهم أوقات الركود الاقتصادي كما لاتفرط في التوظيف خلال أوقات الازدهار.
رحلة سوني لم تكللها فقط النجاحات العديدة التي تتجلى في منتجاتها المحيطة بنا بل تخللها كثير من الفشل، فبعض منتجاتها لم ينجح تجاريًا مثل نظام بيتاماكس للڤيديو ولاحقًا مشغلات الموسيقى الرقمية التي لم تصمد أمام منافسها اللدود آيبود من شركة أبل. رغم تلك المنافسة كانت سوني مصدر إلهام لمؤسس آبل ستيڤ جوبز بأناقة منتجاتها وروعة مصانعها الملونة. ويروي جون سكلي رئيس آبل الأسبق أن جوبز لم يصدق عيناه عندما وضع أكيو موريتا جهاز الوكمان بين يديه فلم ينم تلك الليلة قبل أن يفككه قطعة قطعة ليتأمل في تفاصيل تصميمه الدقيقة وجودة تجميعه، كما يذكر كيف أن ستيڤ صمم ونظم مصانع آبل على نفس نهج مصانع سوني بل وكان يتمنى أن تقبل سوني استخدام نظام آبل لتشغيل الماك أو إس إكس على كمبيوتراتها من طراز ڤايو. لاتزال سوني شركة تقنية وترفيهية متميزة رغم خفوت نجوميتها في مجالات عديدة ابتكرتها واعتلت عرشها سابقًا، ولا ننسى أن مؤسسها الفيزيائي أكيو موريتا قد وضع الموسيقى في أيدي الناس فمهد بذلك الطريق لستيڤ جوبز ليضعها في جيوبهم.