بقلم الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي
اتذكر جيدا فترة التسعينات والحصار, سنوات عجاف لولا رحمة الله وجهود ابي لما تجاوزناها, كنت اسكن في حي فقير في ضاحية بغداد الشرقية, وكان وقتها لا يضم الا حسينية صغيرة جدا في بيت رجل عجوز, حيث خصص جزء من بيته كمكان للصلاة لأهل الحي, وكانت هذه الغرفة الصغيرة هي مكان لجميع اهل الحي, لكن بعد سقوط نظام العفالقة ارتفع عدد الجوامع والحسينيات بشكل كبير جدا, حيث غابت الضوابط, وتحولت بعض الجوامع لصبغة السياسية معينة, فلم تعد تؤدي رسالتها الاساسية.
وبعد مسيرة الايام المضطربة تحولت الكثير من الاماكن القديمة والجديدة ( جوامع او حسينيات) الى اماكن مهجورة! لا يصلي فيها الا شخوص معدودين, بل حصل نوع من الانتكاسة الاجتماعية او الغرق بالعولمة, او لنقل انكشاف الاقنعة, فالغريب ان يلتزم المجتمع بالأمور الشكلية من الدين متجاهلين اللب, والمتمثل بالسلوك الانساني القائم على المبادئ الانسانية السامية, والدعوة للدفاع عن الحق, والسعي لتحقيق العدل, وهكذا حصلت الفجوة.
وانا افكر كيف يمكن اعادة الروح لاماكن العبادة التي تمثل جزء من ذاكرة الامس, صادفتني قصة ذات فكرة, في صفحات كتاب قصص وخواطر, وهي:
" كان المحدث الكبير الشيخ عباس القمي صاحب كتاب مفاتح الجنان, في درجة عالية من الاخلاص والتقوى, وكان المؤمنون يحرصون على ان لا تفوتهم الصلاة خلفه, فانتهز المرحوم القمي هذا التعاطف لخدمة المساجد واحيائها واعمارها, فكان يقيم صلاته في احدى تلك المساجد القديمة المهجورة, وعندما يكتظ المسجد بالمصلين تقوم ثلة من اهل الخير بالتبرع لأعمار ذلك المسجد القديم وترميمه, وما ان يتم اصلاحه حتى ينتقل سماحته لمسجد اخر ولنفس الهدف, وبهذه الطريقة احيى عباس القمي عددا كبيرا من المساجد المهجورة"(1).
اليوم المجتمع يعيش انتكاسة نفسية, نتيجة خيبة الامل من الاحزاب الدينية, واستغلال الشعارات الدينية والمناسبات لتكريس وضع ينفع المتسلطين, مع غياب تطبيق روح الدين مما زرع الياس, وهذا ما جعل بعض الجوامع يهجرها المصلين, لذا نحتاج الى نخبة دينية واعية غير متحزبة, تتنقل بين تلك الجوامع لإعادة الروح لها, مع اهمية تغيير اسلوب الخطاب الديني, والذي اثبت بالدليل غياب تأثيره الحقيقي بالمجتمع, فمع كثرة الجوامع وارتفاع كبير بعدد طلاب الحوزات الدينية, لكن المجتمع انحرف مساره وتحول لمجتمع الغابة تحكمه مفاهيم لا تنتمي للدين او العدل.
واتمنى من المرجعيات الدينية الصالحة ان تكلف اساتذة الحوزات والاعلام, بزيارة الاقضية والنواحي, والاقامة فيها لغرض الوعظ والارشاد, والصلاة في الجوامع المهجورة والصغيرة والمنسية, بل التنقل بين جوامع تلك المناطق, والتواصل مع الناس, والنقاش معهم حول مشاكلهم, والسعي المشترك للوصول للحل.
هكذا يمكن ان يتغير الحاضر, حيث تعود الثقة للمجتمع برجال الدين, وتعود الروح لتلك الجوامع المهجورة, ويحصل حراك حقيقي لحل مشاكل المجتمع مع سعي حقيقي للحل, وهذا ما يمثل اليوم حلما كبير نتمنى الوصول اليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب: قصص وخواطر, من اخلاقيات علماء الدين/ المؤلف الشيخ عبد العظيم المهتدي, صفحة80.