بسم الله الرحمن الرحيم
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد واله وصحبه واخوانه وحزبه
يقول الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبان في كتابه سيكولوجيا الجماهير إن الجماهير مهما ثارت على الديكتاتور وغيرته فإنها تبقى تحن دوما له فهي بطبيعتها ذات نزعة محافظة . هذه الفرضية يأخذها المستبدون بعين الاعتبار فإذا ثارت الشعوب على حاكم يبدلون اسما باسم ويستمر جوهر الحكم وتنفخ فيه روح جديدة ويتجدد الاستبداد بعد ان انكشفت عورته .
في سنة 1912 وقع السلطان عبد الحفيظ على وثيقة الحماية التي أطلقت يد فرنسا لاستعمار المغرب ، غضب الشعب المسلم على السلطان ولقبه " سلطان النصارى " وتدخل أهل الحل والعقد فحلوا " البيعة " المنعقدة للسلطان وقيل عزل نفسه وأيا يكون الأمر فإن هوى فرنسا مع عزل السلطان لأن مهمته بالنسبة لها انتهت ولا بد من شخصية جديدة تحظى بقبول الشعب وتحفظ استمرار العرش العلوي بعد الهزات العنيفة التي تعرض لها. هذه الشخصية هو السلطان يوسف وبعده ابنه محمد بن يوسف الذي بدوره تولى العرش بدل أخيه الأكبر الذي كان يستعد لخلافة أبيه وهكذا تولى محمد بن يوسف الحكم وسلطة العلويين وسمعتهم في أدنى مستوياتها بعد توقيع واحد منهم على وثيقة الحماية كما أن جمهورية الريف تأسست في الشمال بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي وقادت مقاومة شرسة ضد الاستعمار الاسباني أكسبتها احترام القريب والبعيد . كان لا بد في هذه الحالة من الاستعانة بنظرية غوستاف لوبان فأبدعت فرنسا ونفت السلطان محمد بن يوسف وعينت سلطانا جديدا من العائلة العلوية نفسها هو محمد بن عرفة وانبرى الاعلام يومها يشوه " السلطان الدمية " كما سماه المؤرخون ويقدس السلطان المنفي حتى رآه البسطاء في القمر ثم عاد السلطان من المنفى بعد أن أدى ابن عرفة مهمته بنجاح وجعل المغاربة يشتاقون للسلطان القديم .
هذه التجربة تتجدد بحذافيرها مع ولي العهد السعودي ابن سلمان .
نعرف سياقات قيام الدولة السعودية مطلع القرن العشرين أو على الأقل احياؤها للمرة الثالثة بعد موتتين متتاليتين ونعرف جيدا كيف دعمت بريطانيا إمارتهم على حساب إمارة آل رشيد الموالية للعثمانيين حماة فلسطين والمسجد الأقصى .
استولى السعوديون على الحكم بمساعدة الانجليز ويعلم الله ماهو الثمن وما هي الشروط . وصنعوا لأنفسهم قداسة دينية خدعت المسلمين لعقود سيما وهم يدعون خدمة الحرمين الشريفين لكن هذه القداسة تلاشت وظهرت سوأة حكمهم بعد ثورات الربيع العربي ومساندتهم للثورات المضادة ومساندتهم بالمال والاعلام لمن سفكوا الدماء في رابعة وغيرها . أدرك أولياؤهم من الانجليز والأمريكان أن سمعة آل سعود انهارت خارجيا وهي في طريقها للانهيار داخليا ومرة أخرى تطبق نظرية لوبان فإن الجماهير حسب نظريته سرعان ما تنسى جلادها فهي تتصرف بعاطفة وبدون وعي .
أدركوا أنه لا بد من "ابن عرفة" سعودي يكون استبداده أظهر للعيان وطغيانه يتراءى للعميان . حتى إذا ضاقت بالناس السبل وبلغ السيل الزبى واشتاق الناس لمن كان قبله أعادوا شخصية من الحرس القديم في الأسرة الحاكمة فيحمد الناس الله . نسوا أن النظام بأكمله كان منبوذا من قبل .
هكذا تم تعيين ابن سلمان وليا للعهد بعد" انقلاب " على أولياء عهد سابقين وهكذا تُرك يركض في الحكم كما يشاء ويبطش كيفما شاء ولا يستتر كسابقيه لا يخشى تهمة ولا تَهُمه سمعة. تلك السمعة التي يحرص كل حاكم على اكتسابها بالمال والاعلام . وأولياؤه في الداخل يتفرجون منتشين بمغامرات الفتى المتحرر من كل تقليد أو يوحون إليه بما يقول ويفعل .
بدأت الأحداث تُظهر أن ولاية العهد لابن سلمان ليست إلا مرحلة مؤقتة يستريح فيها النظام ويستعيد شعبيته المفقودة كل ذلك بتخطيط أمريكي متقن . آخر هذه الأحداث مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية .
هذا الحادث وما تلاه من غضب على ولي العهد من حكام الغرب - إن صدقنا غضبهم - يوحي بأن تغييرا جديدا يعدون له ستكشف الأيام قريبا عن اسم الشخصية " المنقذ" . لكن ليس قبل أن يستنفذوا من ابن سلمان كل ما يمكن من أموال ومواقف تخدم مخططاتهم فإن الاستكبار العالمي يعرف كيف يتاجر بالدماء وبحقوق الإنسان وليس قبل أن يأخذوا من خلفه أغلظ الأيمان على أن يكون الخادم المطيع .
هذا التغيير المرتقب ستسبقه دعاية إعلامية ضخمة تشوه الأمير " صاحب المنشار ' وتمجد سابقيه وتنسي الناس أن الأصل فاسد كانوا يفكرون في اجتثاته .
لكن لهم أن يفعلوا ما يشاؤون قبل أن تتحرر الشعوب من عقدة تقديس الحاكم ومن مركب النقص كونهم عبيدا له فإذا تحررت بطلت نظرية غوستاف وكان أمر الله قدرا مقدورا .