أتأمل سنين عمري منذ الطفولة وحتى تلك اللحظة التي أكتب بها الآن .... أفكر بطفولتي الجميلة .. ولا أعلم هل هي التي مرت بحياتي مرور الكرام أم أنا عشت بتفاصيلها ومريت بها مرور الكبار !!

اتساءل أين هو مني الآن كل ذاك الكم الهائل من الانطلاق و الفرح واللامبالة ...!!؟ أفكر بتلك اللحظة التي رميت بها لُعبة الطفولة وارتديت بها عباءة الأنوثة لأنتقل لعالم الكبار  وكيف تسللت المراحل لداخلي و غيرتني من حيث لا أشعر .. كيف خطفتني من بين يدي أبي ومن بين عيون أمي ومن بين كتبي ودفاتري و مدرستي !!! لتلقي بي في بيت زوجي ... لينتقل أسمي من (طالبة مدرسة) إلى ( ربة منزل )  ...

لازلت أتذكر كيف كنت أحتضن دميتي الصغيرة وألعب بها دور الأم و بداخلي أمنية بأن أكبر بسرعة و أصبح أم حقيقية ... ومرت الأيام مسرعة ... وتحققت الأمنية وكَبُرْت.. و لعبة الخيال تحولت إلى عاطفة أمومة حقيقية أمنحها لصغيري ..  حيث أن الدمية التي كانت بأحضاني أصبحت طفلاً أضمه على صدري ... وفي كل مرة أتذكر تلك الأمنية واللعبة يقتحمني شعور بالخجل من أمي ... أشعر أني بتلك الأمنية سرقت من عمرها الأيام وبتلك اللعبة أستهنت بدورها العظيم ... أصبحت أم و أدركت أن دور الأم أكبر بكثير من أن تلعبه أو تتخيله .. 

اتأمل قدرة الزمن في تغير نفسي .. ملامحي.. اهتماماتي ... وكيف سرق من قلبي أشخاصاً واستبدلهم بآخرين ... كيف أخذني من رغباتي التي طالما تعلقت بها و أسرني فيما  لاأحب  .. كيف سحب من جسدي كل طاقات الطيش والاندفاع والجنون ...  و استبدلها بطاقات الوقار و العقل و الثبات  ... هي لم تكن أحداث مرت والسلام بل كانت آهات جرحت أوتار قلبي ... وصفعات قاسية غيرتني و علمتني دروساً لاتُنسى ...  علمتني أن الناس قد ترى جرحك ولكن .... انت فقط من يشعر بالألم ... 

الآن أنا إمرأة على مشارف الاربعين ... لا أقول أن رغبتي بالحياة أنتهت ... ولكن ..  شيء بالقلب تغير ... وشيء من العمر غادرني و غادرت معه الكثير من الأمنيات التي طالما تمنيتها و تأخرت فكبرت وتغيرت وكبرت و تغيرت معي أمنياتي و قناعاتي ... أدركت أنه لاشيء يستحق عناء الوقوف و لا شيء يستحق إرهاق الإنتظار وصُداع التفكير .. أدركت أن الحياة ستبقى ناقصة في كل وضع وكل مرحلة وفي كل زمان ومكان ... وأن (الكمآل مُحآل) أدركت أن الراحة ليس في نيل الأمنيات و لكن الراحة تكمن في التغافل عن مواضع النقص و التعايش و الاستمتاع بما لدينا من معطيات وإن كانت بسيطة .❤