اقتصاد ليبيا .. تحديات الرفاهية من واقع السياسة المالية
أنباء تتواتر داخليا عن حزمة إصلاحات اقتصادية للدولة الليبية، حزمة مرتقبة بإصلاحات في إطار اقتصاد ليبيا، من توحيد المؤسسات المالية والاقتصادية والسيادية السياسية.
نعود و نلوح بالإظهار والتلميح بالكارثة الاقتصادية الليبية في سياق واقع الحياة المعيشية للمواطنين الليبيين، واقع الثمار التي تعتمد فيها ليبيا من على باطن الارض وعلى فوقها سعادة المجتمع.
حصاد الثمرات والخيرات التي لم توتي أكلها على المجتمع الليبي لمسببات الاختلافات السياسية والاقتصادية في إرساء دعائم الوحدة الوطنية الشاملة ومن استنهاض بقدرات الشعب لأجل الأسس الدستورية والنهضة الاقتصادية الحقيقية .
تلك هي الكارثة الاقتصادية والسياسية والأمنية التي نتعامل معها عند حكومات الأنظمة السياسية المتعاقبة، بمواجهتها انخفاض الطلب على النفط الليبي وندني أسعار النفط العالمية وعدم خلق قاعدة اقتصادية تعمل على الإصلاحات والتشوهات الاقتصادية المتراكمة لعقود من الزمن.
تحديات اقتصادية واجهة الأنظمة السياسية المنصرمة بقيادة التكنوقراطية الليبية لنفط والغاز التي كانت تعمل تحت غطاء
السلطة الحاكمة بمهارات ومعرفه لحل مشاكل المجتمع من منظور إيديولوجية.
حيث أن أهم التحديات التي كانت توجهها ليبيا ميزانية الإنفاق والصرف لرفاهية المجتمع الليبي دون خلق قاعدة استثمارية اقتصادية داخل ليبيا، الذي عكس في السنيين الماضية تلاشي تلك الرفاهية الاقتصادية تدريجيا.
الدعم كان ولزال يذهب الى الطبقة الحاكمة في الدولة ولا ستفيد منه الفقراء بصورة تناسبية وهذا يعمل على زيادة التحديات الاقتصادية الذي يوجهه صناع القرار بهدف إعادة توزيع الثروة النفطية في البلاد لصالح المجتمع الليبي.
بالإضافة الى الاعتماد المفرط على قطاع النفط والغاز وطريقة توزيع الموارد الاقتصادية في البلاد الى حاجيات الشعب دون أجاد مصادر مالية أخرى تغطي بها الدولة احتياجاتها من الموارد المالية .
رفع الدعم على الأشياء الأساسية منها الوقود والكهرباء والماء و تحديد أسعار المواد الغذائية أو استبدالها بعملة النفط والغاز من العملة الأجنبية، هي ليس من الصور والمنظور الاقتصادي القوي .
الصورة الكاملة في النظام الاقتصادي يكون في "الاقتصاد المزدوج"، ازدواجية اقتصاد الدولة الليبية والقطاع الخاص اللذان يعملان على حرية حركة المتاجرة والصناعة والتسويق والاستيراد والتصدير والاستهلاك في أسواق الدولة الليبية.
ليبيا لها مناطق واسعة الأرجاء تمتد من الشرق الى جمهورية مصر العربية ومن الغرب الى الجمهورية التونسية وتمتد ليبيا الى المحيط الأطلسي والخليج العربي / الفارسي، ومن الجنوب الى السودان وتشاد والنيجر ونيجيرية.
تمتاز ليبيا بمواردها الطبيعية وتشابه أجزائها بالعوامل الطبيعية التي تخضع لها الكثير من الدول المجاورة لليبيا من الشرق والغرب والجنوب، فكان لبد من تبيت العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية معهم في خصوصيات استقرار القارة الأفريقية.
ولعل الدول العربية المجاورة لليبيا أخذت القدر الكبير من الاهتمامات في تبادلها وعلاقاتها الاجتماعية، إلا أن الدول الأفريقية لم تأخذ القدر الكبير من العلاقات الاجتماعية إلا في منطقة الجنوبية من ليبيا متأثرة بالعلاقات الثقافية التي عكست العلاقات الاجتماعية في ما بينهم.
طريق الهجرات لزال مفتوح والواقع يقول أن الهجرات أصبحت غير شرعية الى الدول الأوروبية مرورا من الأراضي الليبية الى السواحل الايطالية التي تحاول ايطاليا التصدي لها بغلق المطارات والسواحل من دخولهم الأراضي الايطالية.
الأمر الذي شكل لليبيا المشاكل والأزمات مع الدول الغربية تجاه الهجرة الغير شرعية من الأراضي الليبية، وعامل الجوار والامتداد الطبيعي الجغرافي يعملان على وحدة العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مع أغلبية الدولة الأفريقية.
كانت ليبيا في العشر سنوات الماضية مهتمة بمشاريع ضخمة في البنية التحتية في القارة الأفريقية، أكثر من المشاريع التي كانت يجب أن تنصب في الداخل لتعكس الثمرات الليبية على القارة الأفريقية دون الدولة الليبية.
لكن ارتفاع أسعار النفط الى مستويات عالية لم تستثمر في الاقتصاد الوطني الليبي من المليارات في مشاريع البنية التحتية ولا في القطاع الخاص لكون المحرك الرئيس في ثنائية بما يسمى في المصطلح الاقتصادي العالمي اسم "الاقتصاد المزدوج" التي كانت تستند أليه ليبيا في بداية اكتشاف النفط والغاز.
أم اليوم يواجه الاقتصاد الليبي تحديات حقيقية بسبب الأزمات الاقتصادية الليبية، منها انخفاض أسعار وانخفاض في إنتاج النفط والغاز في أناء غم الأزمات الاقتصادية التي توجها ليبيا، مع مواكبة في زيادة النفقات والمصاريف التي تتجرعها بزيادة الدول الليبية بنسبة 140% وأكثر من الدخل القومي.
النمو الاقتصادي تأثر بانخفاض أسعار النفط والغاز والإنتاج والمصاريف زادت عن حديها وستتجاوز 200 مليار دولار أمريكي في السنوات القادمة، وتقارير دولية اقتصادية تشير على دخول ليبيا الى كارثة اقتصادية أخرى لفقدنها الاستقرار السياسي والأمني.
الحكومات المتواجدة في ليبيا من الشرق والغرب لم توفر احتياجات المواطنين وتدعم أسعار التي يحتاجون إليها كما كان معمول به في النظام الاشتراكي السابق من السلع الغذائية عند الجمعيات التعاونية المعمول بها في ذالك الوقت.
ولقد اعتمدت الدولة الليبية في الماضي والحاضر على مواردها النفطية في تحصل الإرادات وخصصت أكثر من نصف الميزانية لرواتب موظفي القطاع العام والدعم من إيرادات منتجات النفط والغاز المنتجات، من بينها الخبز والوقود وبعض خدمات مثل العلاج في المستشفيات خارج الدولة الليبية وبعض المستشفيات التي تعمل بالمجان بدون رعاية صحية عالية.
كما أن الحكومات المتواجدة تقلل من أهمية القطاع الخاص من خلال توفير الطاقة الرخيصة ومدخلات الإنتاج المدعومة وفتح الباب لهم لاستقطاب العمالة الرخيصة من الدول المجاورة لليبيا، لكن الاقتصاد الخفي اخذ في التوسع والتعامل بصفة غير رسمي داخل الدولة الليبية.
الدور الأبوي لحكومات الدولة الليبية بين الشرق والغرب لم يعمل على أنتاج النظام الاقتصادي المزدوج بين القطاعين الخاص والعام في تلبية احتياجات المواطنين الليبيين في شتى المجالات الاقتصادية والخدمية.
ليبيا في العد التنازلي ما بين الإيرادات النفطية المتدنية التي بلغة خلال الربع الأول من العام الماضي الى اقل من 2.3 مليار دولار حسب تقارير ديوان المحاسبة وخسائر في براميل النفط جراء توقف المواني من التصدير خلال الفترة الماضية من الاشتباكات المسلحة التي تحاول السيطرة على الموارد النفطية في ليبيا.
إنتاج ليبيا النفطي البالغ نحو 800 ألف برميل يوميا غير كافي لانجاز الإصلاحات الاقتصادية التي تعتمد عليها الحكومة الليبية، وهذا تسبب في انخفاض احتياطيات ليبيا من النفط لمواجهة النقد الأجنبي في عملية ضخ العملة الأجنبية في الاقتصادي الليبي.
ويتسع مأزق الاقتصاد الليبية مع استمرار موجات الهبوط في الأسعار العالمية وقلت الانتهاج النفطي الخام وعجز الحكومة الليبية تأمين موارد مالية بديلة لدعم الموازنة والاقتصاد الليبي في الإصلاحات الاقتصادية القادمة وتزامن ذالك مع الخلافات بين الأقطاب السياسية داخل ليبيا.
ليبيا اليوم تمر بالتصادم ازدواجية الاصطلاحات الاقتصادية والإصلاحات السياسية والتي تفرض عليها بالتكيف في الوقت الحالي الى التقشف من شحه الموارد وتفعيل القطاعات الاقتصادية في البلديات الدولة من الصناعة والزراعة والسياحية وتحفيز القطاع الخاص.
وهذا ليس لتمويل الموازنة العامة في الدولة الليبية بل في امتصاص البطالة وتشغيل الطاقات الإنتاجية والحد من الاعتماد على الدولة الليبية في استزاد السلع الأساسية والكمالية التي كانت الدولة الليبية تغطي الحاجة المحلية من السلع والخدمات.
لكن الضرر الذي يترتب من تبني هذا النموذج من الاقتصاد المزدوج غير عميق والخروج من الاقتصاد المشوه والهش الذي عاشت عليه ليبيا في القرون الماضي الذي كان يتعمد على التخطيط الاقتصادي من أعلى الهرم الى أسفل القاعدة الاقتصادية في ليبيا.
كما آن الاقتصاد المزدوج يوفر مصدر أساسي لخلق الوظائف الرئيسية من القطاعين الخاص والعام ويعتمد بشكل شبة كامل على العمالة الوافدة من الدول المجاورة لليبيا والتي تميل أكثر من 80% من العاملين في الاقتصاد القومي الليبي.
الاعتماد على العمالة الوافدة الى ليبيا نشوة خرى الى اعتماد القطاع الخاص على إعادة بناء وأعمار ليبيا مرة أخرى جرى الحروب التي خاضتها ليبيا في القترة الماضية، مما يدي الى انخفاض التكلفة الإنتاجية لدى خولهم الى القطاع العام والخاص.
لعد تحول القطاع الخاص في ليبيا الى التشويهات الاقتصادية المتراكمة الى قطاع طفيلي غير قادر على البقاء والاستمرار إلا بدعم من الحكومة في جلب الشركات العالمية في إعادة إعمار وبناء القطاع العام والخاص، وكلما زاد التشوه الاقتصادي زاد استهلاك الشركات العالمية في البناء والإنشاء العمراني.
فإذا استمرت الدولة في نفس النمط القديم غير قابلة للاستمرار في إعطاء القطاع الخاص الأهمية الكبرى في إعادة بناء ليبيا فإنه لا بديل عن القطاع الخاص الوطني إلا بالقطاع الخاص الأجنبي لتصبح الكعكة للقطاع الخاص الليبي اصغر في الاقتصاد القومي الليبي.
لبد من الحكومات الليبية البدء في رحلة التحول لاقتصادي المنتج ، اقتصاد يخلق ثروته بأيدي مواطنيه وليس بمقايضة النفط والغاز يستخرج من تحت الارض لشراء سلع العالم المتحضر واستزاد العمالة الرخيصة، اقتصاد يعتمد على "الدولة الليبية الأبوية".
إصلاحات اقتصادية يعمل على إرساء اقتصاد ليبي منتج يضمن استدامة مستوى الرفاه الحالي مهما كان مصير مستقبل أسعار النفط وأولي خطوات رحلة التحول الاقتصادي الليبي هو محاولة التخلص وأزالت التشويهات الاقتصادية الموجودة في الدولة الليبية.
النمو الصحي في الاقتصاد الليبي يرجع الى مشاركة القطاع الخاص مع القطاع العام القادرين على التحول الاقتصادي من اقتصاد مستهلك الى اقتصاد منتج ولتمهيد ذالك هو في وضع الخطط الاقتصادية القريبة والبعيدة المدى.
يصعب على ليبيا تطبيق كل الإصلاحات الاقتصادية في غياب الوحدة الوطنية الكاملة والمؤسسات السيادية السياسية والمالية والاقتصادية، ولكن على الراجح أن تلك القصور أصبحت في أيدي الساسة الليبية أو ربما ميلاد جديد للدولة الليبية بعد ثورة السابع عشر من فبراير المجيدة.
فجر ميلاد دولة ليبية مع فجر اقتصاد جديد يعملان على تشكيل الشخصية الليبية المتكاملة واستقبال غالبية الموطنين الليبيين القرارات الحاسمة بسعادة، للدولة الليبية التي تستبشر بالخير وكثير من التقدم والازدهار والرفاهية الاقتصادية.
بقلم الأستاذ رمزي حليم مفراكس
رجل أعمال – كاتب ومحلل سياسي واقتصادي ليبي
مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية