قرأت كتاب ( جان دمو التركة والحياة ) الصادر عن دار نون للنشر ويتناول سيرة شاعرٍ عراقي فريدٍ من نوعه اسمه ( جان دمو ) تناول مؤلف الكتاب  حسين علي يونس جوانب مهمة من حياة هذا الشاعر المميز وجمع أعماله الشعرية وتراجمه للعربية لكبار الشعراء العالميين .

ما استوقفني في سيرة هذا الشاعر أنه عاش حياة الصعلكة والتشرّد بحذافيرها طوال حياته، وتدلُّ نصوصه الشعرية التي كتبت في حانات مختلفة على انعكاساتٍ سيكولوجية  تذكّرنا بالشعراء الصعاليك ،( جان دمو ) الذي كتب قصيدة النثر وتشبّع بالحداثة وعاش حياة البؤس والضياع تدل كتاباته على أنه يعيش أسيراً لأفكاره وقناعاته ، وأن هذا الشاعر قد أضاع الكثير من أشعاره لأسبابٍ متعدّدة إلا أن ما جمع وقدّم عنه يدل أننا أمام شخصيةٍ فريدة تمتلك قدراتٍ عالية في تصوير وتحليل الحياة بأبعادٍ فلسفية عميقة ، إن الشاعر أو الكاتب الذي يعيش قرين الكآبة والتشرّد يقدّم ما لا يقدّمه الآخرون فهو رفيق الأرصفة ونديم الحانات وصديق الطرقات والشوارع الخلفية ، يعاصر فئات المجتمع الكادحة ولا تخلو حياته من مفارقاتٍ طريفة وأليمة ، ولعله يدرك معنى الفصول الأربعة فهو يعيش بلا مأوى وبلا هدفٍ واضح ، وساهمت الغربة في صقل هذه الحالة بصورةٍ أكثر سوداوية وكأنه يتقمّص شخصيةً أخرى رغم أناقة قلمه وحسّه المرهف وعقليته الفذّة، لعل البيئة التي عاشها والأشخاص الذين عاصرهم لهم دورٌ كبير في تحوّلاته النفسية ، إلا أنه شاعرٌ تستحق أن تقرأ نصوصه وأن يتناولها النقّاد بصورةٍ إيجابية ، فقد مرّت على الثقافة العربية العديد من النماذج المشابهة والتي ضاعت إنتاجاتها بسبب الإهمال وتولّى الأصدقاء جمع هذا الميراث الأدبي ليصلنا اليوم بصورةٍ أنيقة فخمة تتعارض كثيراً مع حياة هذه النماذج التي أدمنت الحزن واستسلمت للعدمية وآمنت أن الحياة محطةٌ عابرة قبل الزوال.

أيا غياب

أيا سماء

أي لون ليس

منكما أو فيكما

وأي رمز

ليس في اللا محدود

ثروة القلب

في فراغه

أكثر من امتلائه

جان دمو

شاعر عراقي راحل